الأربعاء، 16 يونيو 2010

ذكريات بغدادية لعراق بين الاحتلال والاستقلال- موسى محمود الشابندر (عرض كتاب)

تنويــه: يتم تصفح المدونة، من خلال عبارة - رسالة أقدم – أسفل يسار الصفحة. 

تعد مرحلة الحكم الملكي في العراق (23 أب 1921 – 14 تموز 1958)، من أهم المراحل في تاريخ العراق المعاصر، لكونها شهدت تأسيس الدولة العراق الحديثة عقب زوال الاحتلال العثماني والذي استمر للمدة (1534 – 1918).
واستناداً لما تقدم اكتسبت كتب السيرة الشخصية أهمية خاصة، إذ تقدم للباحث الأكاديمي أو القارئ العادي رواية شاهد عيان أسهم وبشكل مباشر في صياغة الحدث التاريخي. علما ان هذه الأهمية تزداد أذا ما تأملنا بدقة خلفيات هذه الشخصيات، ذلك ان أنظمة الحكم الملكية تعد وفقا للباحث أنظمة نخبوية، أي أنها تعتمد على نخبة سياسية محددة ذات انتماءات طبقية او وظيفية متشابهة ان لم تكن متطابقة تماماً.
وفيما يتعلق بمرحلة الحكم الملكي في العراق نلاحظ ان غالبية السياسيين قد شغلوا مناصب عسكرية أو مدنية في الإدارة العثمانية، لذا فأن تبوأ أي شخص لمنصب وزاري من خارج هذه الطبقة النخبوية لهو أمر جدير بالبحث والاستقصاء.
وفي هذا السياق السابق تبرز شخصية السياسي العراقي موسى محمود الشابندر (1897 – 1967). وهو كما يدل عليه لقبه ينتمي الى طبقة كبار التجار، لذا فأن انخراطه بالشأن السياسي جاء وفق قناعة ذاتية بحتة، وهو ما كان حريصا اشد الحرص على تبيانه في مذكراته الشخصية والمعنونة ( ذكريات بغدادية العراق بين الاحتلال والاستقلال)، والصادرة عن دار رياض الريس للكتب والنشر، لندن في شهر أيار عام 1993.
تكونت المذكرات من تمهيد اولي بقلم محمود موسى الشابندر، أعقبه تقديم مطول لفاروق الدملوجي، عرض فيه وبشكل موسع لأهم ما احتواه الكتاب مركزاً وبشكل أساسي على القول" تلك الفترة الزمنية من تاريخ العراق تستحق دراسة موسعة وجهداً عملياً صادقاً لكشف ذلك الجزء من تاريخ المنطقة... واهميتها تكمن كذلك وفي نفس الخطورة في القواعد التي تبلورت والتي قامت الدولة الفتية عليها ...".
إما مادة الكتاب الأصلية فتتألف من ستة أقسام أساسية حمل قسمها الأول عنوان ((البدايات الأولى)) وهو كما دلت عليه تسميته يهتم بدراسة نشأة موسى الشابندر الأولى في محلة جديد حسن باشا البغدادية العريقة، اذ ان اكثر سكانها كانوا من التجار وكبار الموظفين والعائلات القديمة المعروفة . ثم دخوله في عام 1910 إلى مدرسة الاتحاد والترقي. وهذه مدرسة عصرية تأسست بعد الانقلاب العثماني عام 1908 وكانت وفقا للطراز الاوربي وتدرس فيها العلوم الحديثة، لكن اهم ما جاء في هذا القسم هو ما حدث لوالد الشابندر من مضايقات ومصادرة اموال من قبل العثمانيين، ثم من قبل المحتلين الانكليز الذين اتهموه ظلما بالتعاون مع الادارة السابقة، فتم نفيه الى الهند الامر الذي دفع بموسى الشابندر الى تحمل المسؤولية في إدارة تجارة الاسرة.
شغل القسم الثاني والذي يحمل عنوان ((سنوات الهجرة)) الجزء الاكبر من المذكرات، وهو يغطي المدة بين عامي 1922 و 1939، ويتكون من جزئيين رئيسيين يغطي جزئه الاول المدة (1922 – 1933) وفيها تنقل موسى الشابندر مابين فرنسا وسويسرا و ايطاليا لمتابعة أعماله التجارية، ويحوي وصفا شيقا للأوضاع في أوربا عقب انتهاء الحرب العالمية الاولى ثم سنوات الركود الاقتصادي ( 1929 – 1933 )، وينتهي هذا الجزء بتعيينه في القنصلية العراقية في جنيف حيث تابع وبشكل مباشر عددا من القضايا العامة كقضية الاثوريين ثم وفاة الملك فيصل الأول ( 8 أيلول 1933 )، إضافة الى رصده المستمر للنشاط الدبلوماسي العراقي في أوربا والتي كانت تشهد صعود نجم النازية والفاشية الأمر الذي ادى لاندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939.
خصص موسى الشابندر القسم الثالث من مذكراته لبيان وجهة نظره حول دوره في إثناء الحرب العراقية – البريطانية، بحكم شغله منصب وزير الخارجية في حكومة رشيد عالي الكيلاني (10 نيسان – 29 أيار 1941 )، لذا فهو على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للباحثين الاكاديميين، الا انه يغلب على محتوياته الانفعال الشديد ويبدا ذلك من تسميته (بنصيبك يصيبك) ثم يمتد ذلك الى بعض العناوين الفرعية ( التبلبل وعواقبه، بين الحيرة والامل، ضاع الحساب)، لذا نجده يوجه انتقادات لاذعة لزملائه الوزراء من دون ان يتضمن ذلك انتقاصا من وطنيتهم وكما ورد في ص 262 حيث يذكر (( قلت ان رشيد عالي وضباط الجيش كانوا يمثلون الجبهة الوطنية المقاومة لتصرفات الانكليز واعوانهم ولكن مع الاسف لم تتوفر فيهم تلك الشروط الضرورية ولاسيما بعد ان اندس في صفوفهم عناصر فوضوية وانتهازية، ... )). ونحن وان لم نتفق تماما مع وجهة النظر هذه، الا انه يجب ان نحترمها ولاسباب موضوعية منها ان صاحب المذكرات قد تعرض لصنوف شتى من التعذيب بدءا من لجوئه الى ايران ثم القاء القبض عليه من قبل البريطانيين الذين احتلوا ايران مع حلفائهم السوفيت، حيث تم نفيه مع عدد من رفاقه الى جنوب افريقيا التي وصلها في 25 كانون الثاني 1942 عقب رحلة مضنية بالباخرة، ليبقى في المعتقل حتى 25 شباط 1944 في اوضاع غير انسانية، لعل من ابرز الادلة عليها وفاة رئيس الوزراء الاسبق ناجي السويدي في 17 أب 1942 بسبب الاهمال وضعف العناية الصحية. يضاف لذلك انه بدأ بتدوينها حينما كان بالمعتقل.
اختص القسم الرابع من المذكرات بموضوع السجن والمحاكمة، وفيه يتناول موسى الشانبدر ظروف محاكمته امام المجلس العرفي العسكري وفقا للمادة 80 من قانون العقوبات، وهو يتضمن وصفاً دقيقاً لتفاصيل المحاكمة مرفقا بمحاضر كاملة للجلسات معززة بأفادات لجميع الشهود، وينتهي بصدور قرار الحكم في 16 أب 1944 بحبسه لمدة 5 سنوات، حيث تم ايداعه في سجن ابو غريب، الى ان صدرت الإرادة الملكية بالعفو عنه في 9 تموز 1947.
ومع إطلاق سراحه بدأ موسى الشابندر يركز على حياته الشخصية عامة والوظيفية خاصة، وهو مانراه جليا في القسمين الاخيرين من المذكرات، اذ تضمنا انطباعات عامة وتجارب ذاتية، من الممكن ان نميز فيها فقط الدور الذي لعبه في مشاريع الوحدة بين سوريا والعراق عقب عودته للسلك الدبلوماسي في 30 تشرين الثاني 1949 و تعيينه بمنصب الوزير المفوض في دمشق، وظروف عمله الدبلوماسي، وتنتهي المذكرات في عام 1952. 

الباحث : م. د. سمير عبد الرسول عبد الله ألعبيدي 
مركز دراسات وبحوث الوطن العربي / قسم الدراسات التاريخية 
الجامعة المستنصرية 
تخريج الكتاب
- ذكريات بغدادية العراق بين الاحتلال والاستقلال- موسى محمود الشابندر، دار رياض الريس للكتب والنشر، لندن، 1993م.
- العرض الالكتروني والاعلام والتبادل العلمي: ببليوغرافيا إراكي
 

http://alsafeerint.blogspot.com
alsafeerint@yahoo.com
TEL: 964 - 07901780841
P.O BOX 195
BAGHDA 

ليست هناك تعليقات: