السبت، 12 يونيو 2010

الفكر الديني القديم ( عرض كتاب)

 تنويــه: يتم تصفح المدونة، من خلال عبارة - رسالة أقدم – اسفل يسار الصفحة.

المقدمة
العقيدة الدينية قديمة قدم وجود الإنسان على سطح الأرض ولكنها صعبة التحديد بدقة من حيث الزمان والمكان والتعريف لان هذه الدقة في التحديد غير معروفة بعد عن الإنسان نفسه ومع ذلك يمكن القول إن الإيمان بالدين وجد في مناطق من العالم وبين أقدم الجماعات البشرية التي عثر المنقبون الآثاريون والانثروبولوجيون في مواقع استيطانهم على مخلفاتهم التي لها علاقة بالدين. إن الدراسات المقارنة للديان القديمة تدل على أن العقائد الدينية فيها كثير من عناصر الاختلاف وبسبب ذلك قد يعزى إلى انتشار الأفكار الدينية من مراكز نشأت فيها لأول مرة بشكل مستقل لان أهلها كانوا يعيشون في ظروف متماثلة. ويقصد بالظروف المتماثلة في المراحل الأولى من نشوء العقيدة الدينية الأحوال الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها إنسان العصر الحجري القديم إضافة إلى قدرته العقلية المحدودة التي لم تمكنه من إدراك وتفسير ما يحيط به من ظواهر طبيعية وأمور صعبة تواجهه في حياته التي قلت فيها موارد الجمع والالتقاط وصيد الحيوانات التي كان غالباً ما يعرض نفسه للهلاك من أجل الحصول عليها. فالشبه بين الآراء والأفكار الدينية القديمة إذن قد يعزى إلى عامل الأصالة والانتشار.
إن الحياة البدائية كانت محفوفة بالأخطار والكوارث ويندر أن يكون موت الإنسان في تلك الظروف موتاً طبيعياً وقبل أن يتقدم العمر بالإنسان بزمن طويل كانت أكثرية الناس تموت بسبب فتك الحيوانات الضارية بهم أو اعتداء بني جنسهم عليهم أو لإصابتهم بمرض ولذلك كان الإنسان القديم يعتقد إن كائنات خارقة هي التي تسبب له الموت أو المرض أو الجوع. فالخوف من الموت ومن نتائج الحوادث الخطرة والدهشة من الأمور التي لم يستطع إدراكها واستعطاف الآلهة لكسب رضاها أو لدفع أذاها أو لشكرها على ما أنعمت عليه من الخيرات كل هذه الأمور تضافرت على نشوء العقيدة الدينية وساهمت في تكوينها.
يؤكد بعض المهتمين بتاريخ الدين في مناقشاتهم لمنشأ العقيدة الدينية على نظرية الأصالة المستقلة ويستنتجون رائهم هذا بمقارنة العقائد الدينية القديمة مع عقائد الجماعات البدائية التي تعيش في الوقت الحاضر. ويرى هؤلاء أن التشابه في الظروف يولد تشابهاً في الفكر يترتب عليه تكرار الآراء والمعتقدات من الناحيتين النظرية والعملية. والإنسان الحديث في رأيهم مرّ في مراحل تطور في بعضها حتى تحضر وتمدن وتأخر في البعض الأخر ووقف في تطوره بمرحلة معينة. فالاستراليون الأصليون والإغريق القدماء في اعتقادهم مثلاً كانت لهم أساطير دينية متشابهة لان أجداد الإغريق مروا في المرحلة البدائية التي يعيش فيها الاستراليون الأصليون ألان ولكن الإغريق تمدنوا وأسسوا حضارة مزدهرة في مجال الآداب والفنون والعمارة والعلوم والفلسفة والسياسة والزراعة والصناعة والتجارة والتنظيمات الاجتماعية في حين بقي الاستراليون الأصليون في مستوى العصور الحجرية. إن هذه النظرية تهتم بوحدة الأفكار والعمليات العقلية التي تظهر في ظروف معينة وقد استخلص أصحابها منها استنتاجات تنطوي على تشابه في ثقافات ظهرت مستقلة عن بعضها. والواقع يشير إلى أن ظاهرة وجود الأفكار المتشابهة في أوساط جماعات متعددة ومختلفة يمكن أن تلاحظ بين القبائل البدائية التي تعيش في هذا العصر بالرغم من بعد المسافة بينها. وتدل هذه الظاهرة على أماكن وجود عناصر حضارية متماثلة ذات أصول مستقلة وتطور مستقل. ولوحظت هذه الظاهرة من قبل علماء الآثار والانثروبولوجيين أيضا بين جماعات الإنسان القديم الذي توصل إلى صنع الآلات من الحجارة أينما وجدها. وحاجته إليها هي التي هدته إلى اختراعها للدفاع عن النفس ولاستخدامها عدة من عدد العمل والحاجة هي التي دفعت الإنسان إلى اختراع القوارب الخشبية في مناطق منعزلة عن بعضها تماماً للاستفادة منها في النقل النهري. غير إننا من الناحية الثانية نتعظ بعبر التاريخ حين نجد إن جماعات عديدة استعارت من غيرها كثيراً من معتقداتها وفنونها وصناعاتها فتأثرت بحضارة غيرها وأثرت هي ايضاً في حضارة من أخذت عنهم. أي إن هناك مدرسة تؤمن بالانتشار الحضاري وتعتقد إن الآراء والأفكار والمعتقدات والاختراعات تستعار وتنقل من شعب إلى آخر ولذلك لايمكن سرد تاريخ تطوري لأية حضارة أصيلة مادامت إمكانية استعارة المعالم والمقومات الحضارية قائمة دائماً ولا سبيل إلى التأكد مما إذا كان أي جزء من حضارة ما أصيلاً أم مستعاراً. أما أصحاب مدرسة النشوء الذاتي أو النشوئيون فيعتقدون بوحدة النفس البشرية فإذا عاش الإنسان في ظروف متشابهة أو ظهرت عنده حاجات متشابهة فلا سبب يمنع في رأيهم من توصله إلى أفكار وأراء واختراعات متشابهة في أماكن مختلفة بشكل مستقل. وعلى كل حال فعلى الرغم من التبادل والاقتباس بين الأقوام فقد احتفظت كل جماعة بطابع قومي خاص لحضارتها التي تميزت به عن حضارة الجماعات الأخرى. إن الدلائل الأثرية المكتشفة في المستوطنات القديمة تشير إلى أن حضارة العصر الحجري القديم كانت اقل نضجاً وأدنى مستوى من حضارة القبائل البدائية المعاصرة. فإذا كانت نظرية وحدة القوى الفكرية في الظروف المتماثلة هي التفسير لوجود عناصر الشبه في العقائد الدينية لدى مجموعات الإنسان القديم فمن المتوقع في رأي أصحاب نظرية الانتشار الحضاري أن نجد بين البدائيين المعاصرين لنا الخصائص الرئيسية التي ساهمت في تكوين اعتقاد الإنسان بالقوى الخارقة لأول مرة غير إن الدراسات الأثرية التي بين أيدينا لأتدل على ذلك ولا تؤكد صحة هذا الرأي. إذ يتضح من نتائج التقنيات التي جرت في مناطق عديدة من العالم القديم والجديد أن انتشار الأفكار الدينية بين الناس كان فاعل المستمر بين العاملين عامل الأصالة في الرأي وعامل الانتشار بواسطة العلاقات الاجتماعية التي حدثت أثناء الحروب والهجرات والتجارة. والعامل الثاني أي عامل الانتشار هو الذي يفسر لنا الكثير من عناصر الشبه الموجودة في الأفكار والمعتقدات الدينية القديمة.
ويستنتج من دراسة عناصر ديانات الأقوام التي عاشت في العصور التاريخية القديمة أنها ذات شعائر وطقوس ومراسيم ناضجة الأمر الذي يحملنا على الاعتقاد بأن جذورها تمتد في عصور سبقت التاريخ بحقب زمنية طويلة جداً قد تبلغ مئات الآلاف من السنين ولذلك كانت معلوماتنا عنها غير أكيدة وغير كاملة لأنها لم تدون في الفترة التي امتدت بين العصور التي خلت من الكتابة وبين عصور التاريخ. لقد تم اكتشاف مجموعة ضخمة من الوثائق الدينية التي دونت بعد تعلو الكتابة بمستوطنات الإنسان القديم في أقطار الشرق الأدنى وغيرها فأصبحت مصدراً مهماً للباحثين في تاريخ الدين. فقد عثر على ما يقرب من نصف مليون وثيقة مسمارية منها عشرة ألاف رقيم طيني كامل أو مكسور كتبت عليها أساطير وملاحم وترانيم ومراثي وصلوات وحكم دينية دوّن أكثرها باللغة السومرية واللغة الاكدية والقليل منها باللغة الحيثية والحورية والاوغاريتيكية واللغات الأخرى أما معرفة أصول تلك المعتقدات الدينية في عصور ما قبل التاريخ فستبقى ناقصة ولذلك أصبحت مهمة الباحث في هذه الحالة صعبة أذا حاول التوصل إلى معرفة طبيعتها ومحتواها لأنها تعتمد على المخلفات المادية التي تركها الإنسان في الكهوف أو في مانعات الرياح أو في الأكواخ التي اتخذها ملجأ أو مسكناً له كالأصنام والأوثان والمعابد والرسوم والنقوش البارزة والآلات والأدوات والمزارات والقبور وعظام الحيوانات وحتى عظام الإنسان نفسه. وعلى الباحث الاثاري أن يدرسها ويحللها ويستخلص منها ما يتعلق بحياة الإنسان عامةً وبمعتقداته الدينية خاصةً وعليه أن يستعين بالديانات التاريخية القديمة لتفسير بعض ما غمض فيما لو توفر لديه أي إن على الباحث أن يعتمد على المقارنة بالمثيلات السابقة واللاحقة وللخيال اثر قوي في تفسيرها.
وتختلف أراء الباحثين والمعنيين بتاريخ الأديان في تحديد مفهوم مقبول لدى الجميع لموضوع الدين وربما لايوجد موضوع اختلفت في تحديده الآراء مثل موضوع الدين وتعريفه حتى صار من الصعب جداً وضع إطار متفق عليه لصورة تمثل الدين، فإذا عرّفنا الدين بأنه عبادة القوى الخارقة الكامنة فيما وراء الطبيعة فلابد لنا أن نلاحظ إن جميع البشر كانت لديهم معتقدات وشعائر دينية منذ بداية حياتهم. والاعتقاد بأن الدين ظاهرة عامة تعم البشر أجمعين هو اعتقاد سليم والعقيدة الدينية قديمة جداً وترجع في قدمها إلى ظهور الإنسان على سطح الأرض. وقد عرّف بعض العلماء الدين انه إيمان بكائنات روحية تكون فوق الطبيعة والبشر يكون لها أثر في حياة هذا الكون. وعرفه آخرون انه استمالة واسترضاء لقوى هي فوق قوى البشر يؤمن أنها تدير سير الطبيعة وسير حياة الإنسان. وهو عند بعض آخر شعور وتفكير عند فرد أو جماعة بوجود كائن أو كائنات الحية. وهناك تعريفات وحدود كثيرة أخرى للدين نشأت من اختلاف وجهات نظر الباحثين بالقياس إلى مفهوم الدين فهناك مسائل كثيرة مختلف في دخولها في نطاق الدين كما إن مفهوم الدين قد تغير باختلاف العصور. وللدين مهما قيل في تعريفه شعائر تظهر على أهله فتميزهم عن أتباع الديانات الأخرى وتطبعهم بطابع مميز خاص. إن نشوء العقيدة الدينية وتطوراتها الأولى حدثت في عصور ما قبل التاريخ. ويستنتج بعض الباحثين من المخلفات الفنية والأثرية إن إنسان تلك العصور آمن بالقوى الخارقة وبالآلهة ونحت لها صنماً من العظام والحجارة أو الطين. وانه وضع الصيغ الأولى للشعائر والطقوس والمراسيم الدينية لعبادة تلك الآلهة ومارس أقدم أشكال السحر لاسترضاء الآلهة بقصد السيطرة على حيوانات الصيد وانه دفن موتاه تحت ارض الكهوف وبطرق تدل على العزاء والحزن ووضع على قبورهم أكاليل الورود تعبيراً عن مودته واحترامه لهم وزودهم بما يحتاجون إليه في الآخرة أو في عالم ما بعد الموت من الآلات والأدوات. وقد عثر المنقبون والباحثون عن الآثار الفنية على نماذج كثيرة لأصنام أطلقوا عليها اسم الآلهة الأم أو تماثيل فينوس في الكهوف. هذا في العصر الحجري القديم.
أما في العصر الحجري الحديث أو عصر القرى الزراعية المبكرة فقد تعلم الإنسان الزراعة وآلف الحيوان وعندما حصد الغلة ربط بين خصب الأرض ونمو النباتات وبين القوى الخارقة فاعتبر تلك القوى مصدر الخصوبة وآمن بها وصنع لها تمثالاً نسوياً انتقلت عبادته إليه من العصور السابقة. وأطلق علماء الآثار على ذلك التمثال اسم الآلهة الأم ايضاً لأنها مثلت الخصوبة والإنتاج والتكاثر.
وفي العصور التاريخية وجد الإنسان في مظاهر الطبيعة الأخرى من القوى الخارقة ذات التأثير الكبير في حياته مايبرر اعتقاده بأنها هي أيضاً آلهة فجسمها باله ذكر أو آلهة أنثى أو بهيئة مركبة من صفات بشرية وحيوانية أو بهيئة حيوانية ونسب والخليقة إلى كل آلهة جانباً أو أكثر من الجوانب المهمة في حياته. ومن بين العديد من المظاهر الطبيعية التي حظيت بالتقديس لدى القدماء الشمس والقمر والزهرة والبحار والرياح والأمطار والجبال والأنهار والأشجار وينابيع الماء. وكثير من الجبال كانت أماكن مقدسة اتخذتها الآلهة مقراً لها. وكانت الأرض عند القدماء في شتى أنحاء العالم هي الآلهة الأم المقدسة وليست اينانا السومرية أو عشتار الاكدية وسبيل الفريجية وافروديت الإغريقية وفينوس الرومانية إلا صورا ًمتأخرة لآلهة الأرض القديمة في عصور قبل التاريخ. وبمرور الزمن تعقدت الأديان وتشعبت وتنوعت مع ازدهار الحضارات وكان لرجال الدين تأثير بالغ في كل ذلك فهم الذين فصلوا في الأصول والفروع ووضعوا قواعد السلوك والتعاليم والطقوس والشعائر التي تخص الأحياء والأموات، فشيدت المعابد لتمجيد الآلهة وعبادتها ولتقديم القرابين لها. وفسر الكهنة كل حسب اجتهاده الكون والخليقة والمبدأ والمعاد والحساب والبعث والنشور فاختلفت الآراء والأفكار والممارسات لدى كل جماعة بحيث أصبح لكل دين طابع خاص يتميز به. ولهذا جاءت دراستنا للفكر الديني القديم دراسة إقليمية تناولت الأفكار الدينية القديمة في العراق ومصر وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والأناضول وإيران والجزر الإيجية وشبه جزيرة اليونان وبلاد الرومان. وبالرغم من اختلاف التفاصيل فهي تتشابه في كثير من الأمور. وهذا هو اوضحناه في الفصل الخاص بالمقارنة حيث حاولنا إبراز نقاط الشبه والاختلاف في كل أمر مهم.
المحتويات
المقدمة: الفصل الأول: الفكر الديني القديم في العراق، الفصل الثاني: الفكر الديني القديم في مصر، الفصل الثالث: الفكر الديني القديم في بلاد الشام، الفصل الرابع: الفكر الديني القديم في شبه الجزيرة العربية، الفصل الخامس: الفكر الديني القديم في الأناضول، الفصل السادس: الفكر الديني القديم في إيران، الفصل السابع : الفكر الديني القديم في اليونان، الفصل الثامن: الفكر الديني القديم عند الرومان، الفصل التاسع: مقارنة.
تخريج الكتاب
 - تقي الدباغ، الفكر الديني القديم، الطبعة الأولى، مطابع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1992م، تصميم الغلاف رياض عبد الكريم.
- العرض الالكتروني والاعلام والتبادل العلمي:  ببليوغرافيا إراكي



http://alsafeerint.blogspot.com/
TEL: 964 - 07901780841
P.O BOX 195
BAGHDAD IRAQ

ليست هناك تعليقات: