الأربعاء، 17 فبراير 2010

في تحقيق النص – أنظار تطبيقية نقدية في مناهج تحقيق المخطوطات. (عرض كتاب)



تقديم:
كانت أطروحته للدكتوراه سنة 1976م عن "الذهبي ومنهجه في كتابة" تاريخ الإسلام", مدخل للتعارف بينه وبين هذه الشخصيّة الكبيرة في علم طبقات رجال الإسلام عبر العصور إلى عصره في القرن الثامن الهجري, ومنذئذ وهو ملاحق لتراثه, متفهم لطرائقه, متأمّل في مصطلحه, عارف بقَدْره في كتابة تراجمه الموسّعة تجميعاً وتلخيصاً وإنشاءً ووضعاً, مدرك لنقده ودقّته في صياغة ما يكتب ليكون عمله في رجال الإسلام معتمداً يستند إليه ويوثق به.
وكان بطبيعة المؤرخ المتبصر يعرف إن الذهبي ببنائه تراجم شبكات أو طبقات رجال الإسلام على امتداد خريطة عالم الإسلام وعبر كل عصوره, إنما كان يقدم ويؤرخ للحضارة والفكر الإسلامي الذي هو ثمرة الإنسان وجهده قبل كل شيء.
فالترجمة عنده حديث عن إنسان وفكر عصره, وكلها إحداثيّات لفهم الأزمنة ومعرفة ثمراتها التي صاغها ذلك الإنسان المترجم, وموقعه من عصره وإحداثه وصراعاته؛ وتصبح الترجمة عند هذا المستوى إثباتاً وتجديداً واستعادةً للحياة في صيغة جديدة.
وقد أقبل صديقنا العلامة المؤرخ بشّار عوّاد مَعْروف على الذهبي وعصره بانجذاب مُريد, ربط سنده به وتخرج على طرائقه, وانكشف له عالم الرجال والّنصوص المهمّة الضابطة للثقافة الإسلامية, فدخل بخطاه الثابتة ومعارفه المتمكّنة اكبر الّنصوص حجماً, واعقدها مصطلحاً, وأكثرها تحركاً على رقعة العالم الإسلامي الواسعة, من شمال الأندلس إلى حدود الصين, وذلك بعد ان نضجت تجربته في التأليف والتحقيق, فبنى اكبر البنى بإسهامه المتميز بنشر كتاب " تهذيب الكمال في أسماء الرّجال "، للحافظ جمال الدين يوسف المزيّ(654–742هـ)، – بأجزائه الخمسة والثلاثين– فأوضح غوامضه وأثراه بالحواشي الموثقة المفيدة بالتراجم والأنساب والمطابقات والتفسير والتقييد والتصويب, وبما زاد من أهمية الكتاب وأصبح به مورداً للتعرّف والتّعريف!
وربط الدكتور بشّار هذا النص الكبير المهمّ بالأسانيد, وتوسع فيها بالتخريج, والتعرف على طرقها المختلفة, ومارس المصطلح تجريحاً وتعديلاً, وتفريعاً وتحليلاً, ونقداً للسند واستدراكاً, شأن المحدّثين, ولم يأل جهداً في خدمة النص على منهج التحقيق والشرح الذي يُذكّر باستيعابه وإفاداته بأعمال أكبر الشُّرّاح القدماء.
وأردفه بإخراج كتاب كبير آخر لصاحب المزي هو " تحفة الإشراف بمعرفة الأطراف", فلم يقف جهده فيه على مقابلة اجزاء الكتاب على نَسْخة المؤلف, وعلى نسخ تلاميذه ومعاصريه, مما قوبل على نسخه, بل ابرز فيها جهداً تنظيمياً واعياً, تمّثل في عَزْو الأحاديث الواردة فيه إلى مصادرها في الصحيحين والسنن الأربع, مع تحديد الجزء والصفحة ورقم الحديث, مما جعل الكتاب أداة عمل ناجعة ومقرّبة للمشتغلين بالسنّة النبوّية.
وقد أعطاه هذا الجهد, إلى جانب ما ادخره من علم واسع بموضوعاته, الجلد والصبر على الإعمال الكبيرة التي واجهها من غير تعُّثر أو تَعاسُر؛ فكان أن أسهم في مشروع آخر كبير مُضارع في الأهميّة لما ارتادهُ, وأعاده إلى صاحبه الأوّل, الحافظ الذّهبي, في أحد أوسع عملَيْه: " سير أعلام النبلاء" اّلذي تّعثر معهد المخطوطات في نشره يومَ كان حلماً يراود الدّكتور طه حسين رئيس الإدارة الثقافّية في الجامعة العربّية؛ فشارك في إخراج اجزاء من الكتاب إلى جانب العالم الفاضل المحدّث الشيخ شعيب الارناؤوط, الذي قدم عملاً متقناً, نعته الدكتور بشار في مقدمته المسهبة للكتاب نعتاً مصنفاً بأنه كان عملَ أمانة وديانة.
لقد ضبط الدكتور بشار إعماله في التأليف والتحقيق في سيرته الذاتية المنشورة, فلا حاجة للتوقف في محطاته الكبيرة المتعددة, ولكن يستوقفنا في مسيرته الحازمة عملان جليلان منفردان, يقضيان منا التوقف والتنويه:
احدهما " تاريخ مدينة السلام" للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي(– 463هـ) , وكان هذا الكتاب القيم قد نشر منذ سنة 1931م في أربعة عشر جزءاً فأجهد في نفسه في متابعة نُسخه المخطوطة ونَقْدها, وترتيبها, وتشجير أنسابها على الوثوق والصحة, ومقابلة النّص بدقة بالغة, وتمييز وتوضيح ما كان غامضاً مستعصياً على الفهم, وتيسير الكتاب بفهارسه الدقيقة, وإصداره في سبعة عشر مجلداً خدمة لعلماء والباحثين انتظروها طويلاً.
وثانيهما: موسوعة الرجال الكبرى " تاريخ الإسلام, ووفيات المشاهير والإعلام" لحافظ الذهبي صديقه الأول, وقد حقق فيه خبرة كل تجربته الطويلة مع التراث, فاعتمد أصول المؤلّف بخطّه, وجمع له نسخه المتناثرة في مكتبات العالم العامّة والخاصّة, وخرج أحاديثه, وحكم عليه صحة وضعفاً, وبّين عللها الظاهرة والخفيّة, وأصدره صديقنا خبير الكتاب والعالم به, السيّد الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي في بيروت, في سبعة عشر مجلداً.
وفي هذا الكتاب الذي كرمني بتوطئته, ولا أقول بتقديمه, يثير د. بشّار جملةً من القضايا وجانباً من المعاناة القائمة في عالم النشر لكتب التراث, فهو عالم اختلطت ضوابطه, واختلت مقاييسه, وكان متوازنا بفضل كبار العلماء المتخصصين الذين تزخر بهم مصر والشام والعراق والمغرب, وينشرون بين الحين والحين نصوصاً مصححة متقنة, يضيفون بتحقيقها جديداً للمعرفة, ويبرز فيها الجهد المستند إلى العلم والبصر, بمحتوى ما يقدمونه, ويتلقاها الباحثون بالنقد المصنف, ويتعقبون ما تسرب إلى إعمال بعضهم من أخطاء في الطباعة أو فَوات سهَى عنه المحقق, فيتقبله بخلق العلماء, وينوه بما استدرك عليه.
وكانت بذلك للنشرات مرات, فليس كل نشرة تُعتمد ويُحال عليها , وإنما كانت الثقة بأكثر ما أخرجته دار الطباعة ببولاق التي اعتاد مصححوها– وهم من كبار العلماء– إن يذكروا أسماءهم في آخر صفحة بتواضع واستحياء, ويسألون القارئ أن يتجاوز عما يصادفه من زلل!, أو بما أخرجته دار الكتب المصريّة, ثقةً في مستوى التصحيح والنسخ الخطية الجيدة المعتمدة.
وكان الشأن كذلك فيما أخرجه علماء الشام والعراق والهند, فضلاً على النموذج الاستشراقيّ للنشر, التي لم تقدر لنفسها القيام على أمانة العلم, وإنما هدفت إلى تحقيق الكسب وحده, وجاءت الموجه الأولى لسرقة النشرات القديمة, فصورتها المطابع وغمرت بها الأسواق. وعندما فتحت بعض المؤسسات القومية للثقافة هذا السجل بما فيه من آفات وحاولت ضبط الحقوق بواسطة الاتفاقيات الرسمية وصودرت في معارض الكتب بعض النشرات المسروقة, جاءت القفزة الثاني بالإقدام على الكتب الكبيرة تنسخ نسخاً مشوهاً بواسطة التنضيد الالكتروني, يقدمها نكرة جاهل, أو يضعون عليها اسماً وهمياً, أو يكتب على الكتاب انه من تحقيق نخبة من العلماء, ويقدم النص متداخلاً, لا ترقيم يوضح مقاطعه, ولا ضبط لأسمائه وأعلامه, ولا شكل على ما التبس فيه.
ثمّ جاءت الآفة الكبرى عندما يعمدون إلى عملٍ محقق صرف احد العلماء وقته وجهده في إحضار أصوله المعتمدة ومقابلتها وإخراجها والتعليق عليها, فُيعاد تنضيدها, وتلغي الحواشي إلاّ ما لابد منه فتوضع بصورة مغايرة في الشكل, وتنقل قائمة المراجع كما هي بأخطائها المطبعية وبما يتخللها من تعليق المحقق الأول مما يحسب انه من متممات التسمية.
ولقد ساعد على رواج هذه المصادر التراثّية المزيفة مؤسسات البحث المتكاثرة في البلاد العربيّة وغيرها, فهي تحتاج إلى تلك العناوين لسدّ حاجتها, ولا تجد في التداول غير تلك النشرات التي لا يوجد تقييم نقديّ لمستواها وتعريف بأهمّية ماهو حقيق منها بالاعتماد, وذلك لقلّة المتابعة وانعدام النقد لهذا النوع من الإنتاج. ويكفي إن نتأمل في قائمة المصادر للأبحاث الجامعيّة وغير الجامعيّة لنجد إنّ اعتمادها كان على تلك المشوهات المتداولة اّلتي تملأ السوق.
ومن هذه التوطئة المقتضبة تظهر منزلة الدكتور "معروف" في معنى تحقيق التراث, فهو من بقية المدرسة الجادّة التي اختصّت في النص الإسلامي دراية وفهماً, فقد أدخل منهجيته الجامّعية على ما يعمل، وسجّل مراحل خبرته بوعي كبير؛ وبحكم الكمّ والنوع لنشراته التراثية "المحققة" والاعتماد عليها؛ كانت أعماله مستهدفة للنهب بكل أشكاله؛ وقد اعتكف على هذه الظاهرة بعد أن اتضحت له أبعادها, وعرف طرق تشكّلها وخطرها المستمرّ على المعرفة ذاتها, فكتب هذا الّكتاب الذي قدمه بعنوانه المتواضع " في تحقيق النص" مطلقاً فيه من النموذج إلى التذكير بما ينبغي للمحقق من معارف مساعدة ليكون في مستوى عملهِ, وفي مستوى القدرة على فهم مادة الكتاب, ومعرفة مشاكله ومصادره التي عليه اعتمادها للتصحيح والتوضيح, وتقدير منزلته بين أعمال الآخرين, والإحاطة بما كُتب في موضوع الكتاب حتى ينزله منزلة بين مادة ذلك التراث, ويبرز أهم ما يمكن إن ينفرد به أو يضيفه أو يتميز به عن نظائره. وكان الدكتور بشّار فيما يكتب من فصول هذا النص يصدر عن علمه وتجربته, مما أضاف للكتاب – إلى جانب ما فيه من نقد ومتابعات ومقابلات – علماً واسعاً وإشارات إلى ركائز العمل ومتطلباتها, واعتقد إن هذا الجهد هو رد اعتبار لصنعة " التحقيق" التي ابُتذِلت " وأهينت بها الكتب" كما يقول ابن حّيان الأندلسي.
فقد خصّص فصله الأول المطول لانتحال الكتب المحقّقة بكل وجوه الانتحال, وقدّم ماّدة وفيرة وبعضها مفصّل عن نماذج بأعيانها, وسوف تساعد على إعادة النظر في الاعتماد على تلك النماذج المغتصبة. وتحدّث – وعلى الخطة نفسها– عن انتحال المصادر, وانتحال التعليقات؛ وخصّص بعض الفصل الثاني لتبيان الخطوة الأولى في عمل التحقيق وهو جمع النسخ ودراستها, والتنّبه على المزالق اّلتي قد يقع فيها الغافِلون لتقدير أنساب الُّنسخ وتقديم بعضها على بعض وكان يستمد أمثلةَ ما يتحدّث عنه ويضربها أمثالاً من نماذج حية يجد القارئ بيانها.
والفصلان الثالث والرابع دروس مباشرة مباشرة في عمل التحقيق, وتقدير مكانته, وما ينبغي أن تكون عليه ثقافة المحقق؛ والأبواب التي فرّع عليها هذين الفصلين هي أسس مهمّة, بعضها مّما استنبطه الدكتور بشّار من مصاحبته الطويلة النافذة لكتب التراث, مّما لم يَرِدْ فيما كتبه الأقدمون والمعاصرون ولا انتهوا إليه.
إنّ النشرة الصحيحة " المحققة" هي التي تنبني على مطابقة دقيقة لنسخة مؤلفها أو غيرها من النسخ المعتمدة وتُقدَّم بفِقَرتها وفواصلها وكل علامات ترقيمها, وتنشر من غير تصحيف ولا تحريف. وقد ضُبطت إعلاُمها وضبط الملتبس فيها, ووضعت الحركات على أشعارها. إنّ منزلة هذه النشرة تعادل كما لو يكون لدى الباحث نسخة المؤلف أو نسخة كتبت بعناية, وقوبلت وسُمعت وقُرأت, وكتبت عليها الإجازات والسماعات, دليلاً على دقّة ضبطها وتداول العلماء على قراءتها.
وإنّ تلك النشرات السقيمة التي يُعدّها عوامّ وأدعياء, وتنضّد وتُطبع, هي نسخ مكرّرة من تلك المخطوطات السقيمة التي يكتبها نُسّاخ مُسّاخ لا توجد مسافات بين أخطائهم وان حَسُن خطهم.
في القرن التاسع عشر كانت حركة الاستشراق قد خطت خطوات واسعة في خدمة الّنص التراثي العربي العلميّ, خاصّة كتب الجغرافية اّلتي استفادت كل الاستفادة من المنهج اّلذي طوّره فقيه اللغة العالم الألماني كارل لاتشمانKarl Lachman ( 1793–1851م), وأصبح يعرف بالأسلوب اللاتشماني في الّنقد الّنصي, ويقوم على محاولة التوصّل إلى إعادة تركيب نصّ, اقرب إلى أصل مؤلفه, وذلك بالتخلص من الأخطاء اّلتي تراكبت عليه مع الزّمن. وأداةُ هذا المنهج وضع شجرة نسب للنسخ المخطوطة, وتميز النُّسخ اّلتي لا قيمة لها في بناء النّص وإسقاطها, ومحاولة التوصّل إلى الأصل الأوّل للمؤلف أو القريب منه, وتغليب القراءة الأصعب على القراءة البسيطة. وقد طبق هذا المنهج في نشراته المحققة النقدية لنصوص مهمة من الأدب اليوناني واللاتيني والألماني والانكليزي. وانتفع العلماء من منهجه وطّبقوه على الثقافات الأخرى التي تعاملوا مع نصوصها ومنها الثقافة العربّية.
وهذا المنهج في التحقّق والتحقيق, ليس بِدْعاً ولا جديداً على الثقافة العربية الإسلامية, فنماذج المخطوطات المعّبرة عن ذلك, بما فيها من مقابلات وتسجيل للفروق الدقيقة, وعلم بمراتب النسخ الخطّية للكتاب, نماذج كثيرة وفي مخطوطات الحديث أمثلة لا تحصى, من أثرها المتداول طَبْعة الجامع الصحيح للإمام البخاري في بولاق سنة 128هـ اعتماداً على النسخة اليونينّية التي هي نتيجة تحقيق قام عليه المحدث اليونيني ومحمد بن مالك النحويّ.
وكانت مخطوطات اللغة والتعاليم تكتب بعناية فائقة لا يكاد يلتبس فيه على القارئ شيء, لان نُسّاخها من العلماء بمادّتها، فهم يحيطون بالمحتوى ويدركون ما فيه من شرح وتلخيص وإيضاح وتبيين وتسهيل وتقريب واستدراك وتنبيه وإصلاح وتصحيح, ويعرفون دلالة هذه المصطلحات ويتعاملون معها بوعي المحققين الوُعاة.
إنّ موضوع نشر كتب التراث بحاجة إلى حماية توقف التشويه والسّطو, والاجتراء عليه من كل دَعيّ غير مؤهل, وتقصر هذا الباب على العلماء وعلى الأكاديميات المؤهّلة والجامعات المتخصصة التي تجيز النشر وتحمي حقوقه بالاتفاقيّات, لان تشويهَ نصوص التّراث والاجتراَء عليه, هو تشويهُ فكرٍ وحضارة, وتغيير لوجهتها ودلالاتها.
ولعلّ هذه المآخذ المفصلة التي توقّف عندها أخونا د. بشّار, تفصح عن قبح الوضع, وتشير إلى قبح الذّكر, وتدعو من غير إعلان إلى تآزر الكفايات العلميّة القادرة, ليصبح للقب" المحقّق" حرمة مستمدّة من علمه الحقيقي وليس الوهمي الزائف؟ ويكتب لهذا التخصص سجل طبقات لمتعاطيه, يقوم على الجرح والتعديل, بما يتفرع عن التقيمين من صفاتٍ معروفة لدى المحدّثين.

إبراهيم أحمد شّبوح




مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين, نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه, ونُصَلي ونُسَلَّم على خيرته من خَلْقه محمدٍ المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله الطيبين وصحابته أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا كتاب نافع إن شاء الله في أصول تحقيق النصوص لعربية, يهدف إلى تحقيق غرضين: أولهما تعليم الناشئة أصول هذا العلم بصورة تطبيقية عملية, وتقديم خبرة تحصَّلت عندي بعد معاناة لهذا الفن زادت على الأربعين عاماً إلى من يحب الاطلاع على تجارب الآخرين, وثانيهما: نقد لما طُبع من" تاريخ الإسلام" لشيخ المؤرخين المحدّثين شمس الدين الذهبي, لاسيما الطبعة الصادرة عن "دار الكتاب العربي" في بيروت 1987م–2000هـ والتي كُتب على غلافها أنها من تحقيق الصديق الدكتور عمر عبد السلام تدمري, مستذكراً قول الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي" من صَنَّف فقد جعلَ عقلَهُ على طبقٍ يَعْرضه على النَّاس".
وقد اقتضت ضرورات البحث تقسيمه إلى مقدمة وأربعة فصول، استعرض في المقدمة الغاية المرجوة من هذه الدراسة, وبَيَّنت خطوطها العامة, وتتبعت ما طُبع من" تاريخ الإسلام" قبل الطبعة التي أعددتها ونشرها صديقي العالم الأستاذ حبيب اللمسي صاحب " دار الغرب الإسلامي" سنة 2003م.
وتناول الفصل الأول انتحال جهد المحققين, لما يعانيه المحققون الجادون من سطو في رائعة النهار على إعمالهم العلمية وما بذلوا فيها من جهد جهيد, وانتشار ذلك مجاهرين به غير مساترين.
وكان أول ذلك وأدهاه انتحال الطبعات بكاملها نهاراً جهاراً, لا يجدون واعظاً ولا زاجراً يَنْهاهم عن الهَوَى ويأمرُهم بسلوك سبيل الهُدى, وحفظ الحقوق وصيانتها, فضربنا أمثلة من أعمالنا وأعمال غيرنا سُلبت استلاباً قبيحاً بأن عهد بها إلى مُنضدين بعد حذف الكثير من فوائدها, وتَوْبَلتها بما لا فائدة فيه كما حصل المغايرة فيما يظنون. ثم عمدوا إلى انتحال الموارد وادعاء استخدامها بلا روية ومن غير رؤية لها, وهو أمر قبيح على من يزعم انتماءه إلى زمرة المحققين, فضلاً عن انتحال التعليقات على النص ونسبتها إلى أنفسهم بعجب شديد, جاعلين كل ذلك ذريعة إلى بلوغ بغيتهم في انتحال أعمال غيرهم, فكان لابد من كَشّفِ الشُّبه وإزالةِ العَمه بالعَدِيد من الأمثلة التي استغرقت قرابة المئتين وخمسين صفحة.
أما الفصل الثاني فكان في ضرورة جمع النسخ الخطية ودراستها وتصنيفها إلى فئات حسب أهميتها, واعتمادها أو جملة منها عند تحقيق النص.
وقد تناولت في توطئتي لهذا الفصل دراسة وجيزة لطرائق جمع النسخ وسبلها, وجهود معهد إحياء المخطوطات العربية في توفير العديد من النسخ الخطية الأصلية, مما ينبغي أن يذكر للقائمين عليه, فينوه بفضلهم وريادتهم لهذا الأمر. وتناول البحث أهمية وقوف المحقق على النسخة التي كتبها المؤلف بخطه, وكانت آخر ما ارتضاه لكتابه, ثم النسخ المنتسخة عنها, لاسيما تلك التي نسخها أو قابلها عالم مشهود له بالضبط والإتقان.
وتطرقت في هذا الفصل إلى ضرورة الرجوع إلى موارد النص ومناجمه والإفادة منها في تحقيقه.
ثم تناولت بدراسة موسعة كيف أدى إهمال هذا الأمر في نشرة دار الكتاب العربي لتاريخ الإسلام إلى سقوط أكثر من ألف ومئة وأربع وأربعين ترجمة بكمالها وتمامها من هذه الطبعة, وقدمت ثبتاً كاملاً بها ذكرت فيه اسم المترجم الساقط عندهم ورقم طبقته وترجمته, ثم رقم المجلد والصفحة من طبعتنا التي نشرتها دار الغرب الإسلامي, فضلاً عن نماذج لمئات من التراجم المختصرة التي وردت في المختصرات التي لا تُسقط التراجم كاملة وتكتفي باختصار مادتها, وإنما جاء ذلك كله نتيجة لاستعمال نسخه واحدة, هي نسخة دار الكتب المصرية رقم(42 تاريخ) الملفقة من نسخ مخطوطة متنوعة ومختصرات لم ينتبه إليها, فتدهورت هذه الطبعة في مهواة, وقُذف بها إلى مهلكة مردية, فتلاشى نفعها, وصار ضررها وبيلاً ونفعها قليلاً, بل معدوماً, لما فيها من مخالفات وانتهاكات لأبسط أصول تحقيق النصوص ومناهج البحث العلمي.
وبحث الفصل الثالث من هذه الدراسة ضبط النص والتعليق عليه, ابتدأته بتوطئة تناولت العلاقة بين التحقيق والتعليق, وهي مسألة طارت فيها آراء غير سديدة كان لا بد من سَبْر أمرها وفحص خبرها, إذ صارت بعض الإعمال غير العلمية مما يُقتاس بها, فيظن أن كثرة التعليقات دِلالة على الجودة, وهو ظن فاسد بلا شك, مستشنع على فاعله. وبينت أن التعليق على النص ينبغي أن تراعي فيه طبيعة موضوع الكتاب ونوعية المستفيدين منه.
ثم تكلمت في هذا الفصل على جملة أمور تتعلق بضبط النص والتعليق عليه منها تنظيم مادة النص من حيث بداية الفقرات ووضع النقط عند انتهاء المعاني, والفواصل المظهرة لتلك المعاني ودلالاتها بما يؤدي إلى فهم النص فهماً جيداً, ومنها: العناية بالرقوم, باعتبارها مادة مهمة من النص وان كتبت فوق الأسماء أو بجنبها. وتناولت فيه ايضاً ضبط الأنساب والسبل المؤدية إلى ذلك, ثم ضبط الأسماء بتوفر النسخ الخطية المتقنة والمصادر الجيدة المحققة تحقيقاً علمياً, وكتب المشتبه المعنية أصلاً بضبط ما يشتبه منها, ومعرفة المحقق وخبرته وتوظيفها لخدمة هذا الشأن الخطير, أما اختلاط النصوص فهو من أسوأ ما يمكن ان يصيب النص حيث تنعدم قيمته وتتلاشى الثقة به وبإمكانية لاستفادة منه, ولذلك كان لابد من التنبيه عليه والتحذير منه. ومثله التلاعب بالنص من غير معرفة وتغير الصواب إلى خطأ.
كما تناولت فيه ضرورة التعليل عند الترجيح, ذلك أن إثبات الاختلافات بين النسخ عند المقارنة بينها في هامش الكتاب من غير ترجيح مُعَلَّل لا معنى له. ثم تطرقت إلى أهمية المحافظة على النص كتبه المؤلف والتحرز من تجاوزه أو الإضافة إليه, وتميز ما قد يضاف إليه من قبل الناسخ أو القراء على مدى العصور. ونبهت في مبحث مستقل على ضرورة تلبية رغبات المؤلف, لاسيما حينما لا ينهض المؤلف إلى إعادة تبييض كتابه عند الإضافة إليه أو الحذف منه أو نقل مادة من مكان لآخر, وهي مسألة خطيرة قلما تنبه إليه المحققون وأبنت في مبحث آخر عن أهمية تخريج الحديث والحكم عليه, وبينت أن العبرة ليس فيذكر مصادر الحديث, بل إلى تبيان درجة الحديث صحة وسقماً حسب الأصول والقواعد الحديثة, لاسيما في الكتب التاريخية والأدبية والعقائدية التي تكثر فيها الأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة. ومنه ايضاً تخريج التراجم وذكر بعض المصادر المهمة لكل ترجمة, وبينت أن الإغراق في ذكر كل مصدر جاء فيه ذكر المترجم سواء أفاد منه المحقق أم لم يفد قليل الفائدة لا يتناسب وما يأخذه من حَيّزٍ في الكتاب وتضخيم الحواشي بما لا طائل تحته. وتناولت في مبحث آخر علم المحقق بموضوع الكتاب, إذ إن جهل المحقق بالموضوع الذي يحققه يؤدي حتماً إلى قراءات خاطئة كثيرة تشوه النص وتُقِل الكلمة قيمته.
وقد عنيتُ في جميع هذه المباحث أن أقدم عشرات الأمثلة التي وقعت في طبعة الدكتور عمر عبد السلام تدمري لتاريخ الإسلام لتكون درساً لمن يستشرف لهذا الأمر, فلا ينتهج سبيله حين يطوي نيته على تحقيق نص من النصوص.
ورأيت من المفيد أن اختم النص بنقد ترجمة واحدة من أواسط الكتاب لأبين كيف وقع في ترجمة واحدة لم تزد صفحاتها عن ثلاث صفحات(46) ما بين تصحيف وتحريف وسقط, ليتدبر القارئ الأمر وينظر عاقبته حين يعرف ما يضارعه ويضاهيه. ومن ثم كان لابد من بيان أن تلك الطبعة بعد كل الذي قدمنا لا يمكن أن يصلح فاسدها, أو يُرتق فتقُها, وان إهمالها وإسقاطها أولى وأجدى.
أما الفصل الرابع من هذه الدراسة فقد تناول مسألة قديمة جديدة تناولت فيها طرائف من التصحيفات والتحريفات الواقعة في طبعة الدكتور عمر عيد السلام تدمري لكتاب" تاريخ الإسلام "
وقد تناولت في أولها تاريخ هذه الظاهرة وأبرز المؤلفين فيها. واستشراء أمرها بعد ظهور الطباعة الحديثة, لاسيما في كتب التراث. وقصدت أن أورد فيها نماذج طريقة لطيفة من التصحيف والتحريف لتكون دروساً لمن يعاني هذا الفن فيستفيد منها ويفيد, كما أنها بلا شك مادة يُفاكَه بها بين أهل هذه الصناعة. واقتصرت على طبقات بعينها لتكون نماذج دالة على غيرها, مفصحة عن نظائر عديدة لها.
وكان صديقنا الأستاذ حسام الدين القدسي طيَّب الله ثراه من أوائل الذين تنبهوا إلى أهمية الكتاب "تاريخ الإسلام" للذهبي, فنشر قطعة منه منذ سنة 1367هـ (1948م) تناولت الترجمة النبوية والى آخر الطبقة السادسة عشرة معتمداً النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية برقم (42 تاريخ) وهي نسخة ملفقة فيها أصول ومختصرات، وبعضها مصور من مكتبات أخرى. ولم يكن صديقنا القدسي يعرف يومئذٍ انه ابتدأ بالمجلد الثاني من الكتاب, فظن أن المجلد الثاني الذي يبتدئ بالترجمة النبوية هو المجلد الغول منه. فألصق به مقدمة المؤلف. ثم تنبه إلى هذا الأمر بأخره واطلع على نسخة المؤلف التي بخطه. كما وقف على المجلد الأول من النسخة المحفوظة في مكتبة الأمير عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود, وحصل على منصورة منها, فأعاد طباعة الترجمة النبوية مستنداً إلى نسخة المؤلف.
وكانت نشرة القدسي من ستة أجزاء لم يراع فيها سوى حجم الجزء الذي ينشره, لذلك كان يقطع الجزء حيث يرى الجزء قد وصل إلى حجم معين وها هي ذي صفتها:
احتوى الجزء الأول على المقدمة التي وضعها الذهبي لكتابه ثم الترجمة النبوية وخلافة أبي بكر الصديق (رض), وينتهي في أثناء ترجمة أبي بكر , ويقع في 399 صفحة.
ويبدأ الجزء الثاني بعمال أبي بكر, وترجمة أبي كبشة مولى رسول الله (صلى اله عليه واله وصحبه وسلم)، ثم سنة 14 هـ, وينتهي في أثناء تراجم الطبقات السابعة(61–70هـ) حيث أورد اثنتي عشر ترجمة منها, وأخره ترجمة ثور بن معن بن يزيد بن الاخنس السلمي من الطبقة المذكورة ويقع هذا الجزء في 399 صفحة أيضاً.
أما الجزء الثالث فيقع 383 صفحة, وأوله ترجمة جابر بن سمرة بن جنادة من الطبقة السابعة، وينتهي في أثناء وفيات العاشرة (91-100هـ)، وآخر ما فيه ترجمة السائب بن يزيد بن ثمامة الكندي المدني من ترجم الطبقة المذكورة.
وأما الجزء الرابع الذي يقع في 320 صفحة، فيبدأ بترجمة سعيد بن جبير من الطبقة العاشرة, وينتهي في أثناء حرف الميم من تراجم الطبقة الثانية عشر(111–120هـ), وآخر ما فيه ترجمة معبد بن خالد الجدلي الوفي.
ويبدأ الجزء الخامس بترجمة المغيرة بن حكيم الصنعاني من أهل الطبقة الثانية عشر, وينتهي بآخر وفيات الطبقة الرابعة عشر( 131–140هـ) وعدد صفحات هذا الجزء 351 صفحة.
أما الجزء السادس الذي جاء في 355 صفحة, فقد اشتمل على حوادث ووفيات الطبقتين الخامسة عشر والسادسة عشر( 141–160هـ), والتراجم الأولى من الطبقة السادسة عشرة مختصرة.
وقد حاول القدسي التعليق على بعض النصوص, وكثير من تعليقاته منقولة عن الشيخ محمد زاهد الكوثري, وهو حنفي جلد ما أنصف الذهبي في كثير من كتاباته, إلا أن هذه الطبعة قد أساءت في الوقت نفسه إلى الكتاب كثيراً بإيراد الترجمة النبوية بعد المقدمة مباشرة وعدم شمولها للمجلد الأول من "تاريخ الإسلام" وهو المجلد الخاص بالمغازي. ومن ثم انتقلت هذه الإساءة إلى بعض الباحثين والدارسين والمعنيين بالتدوين التاريخي بحيث ظنوا غلطاً, أن هذا هو نطاق " تاريخ الإسلام" لذهبي.
وفي سنة 1975م اخرج قسم التحقيق بدار الكتب المصرية قسمًا من المجلد الأول ن تاريخ الإسلام كتب عليه انه من تحقيق الدكتور محمد عبد الهادي شعيرة, وهو مليء بالتصحيف والتحريف. وقد نقدته نقداً مطولاً بلغ( 180) صفحة في عددين من مجلة إحياء المخطوطات بجامعة الدول العربية,. وفي عددين من مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد, فتوقفوا عن إتمامه.
ثم قام الأستاذ محمد محمود حمدان بتحقيق القسم الخاص بالمغازي في سنة 1985م وصدر عن دار الكتب المصرية بالقاهرة معتمداً ثلاث نسخ خطية هي: نسخة كيمبرج رقم( 2926) حيث اتخذها أصلاً, ونسخة الأمير عبد الله, ونسخة من حيدر آباد, وعلى مختصر ابن الملا المحفوظ بالمكتبة الأحمدية بحلب رقم (1220) وأعاد في سنة 1991م ونشر الترجمة النبوية معتمداً نسخة المؤلف الخطية المحفوظة في مكتبة أيا صوفيا (3005) ومصححاً ما وقع في طبعة القدسي من أخطاء طفيفة, ومعلقاً عليها بما رآه مناسباً.
وحققت أنا في القاهرة سنة 1977م مجلد تضمن وفيات الطبقة الحادية والستين ( 601–610) مستنداً إلى نسخة المؤلف الخطية املاً في نشر المئة السابعة من هذا التاريخ العظيم ثم توقفت عن ذلك بسبب الكلف المادية المترتبة على هذا النشر.
ثم حققت بمشاركة تلميذي الدكتور صالح مهدي عباس والعلامة الشيخ شعيب الارناؤوط أربعة مجلدات تضمنت حوادث ووفيات أربع طبقات: من الحادية والستين إلى الرابعة والستين, فأعدنا نشر الجزء المحقق بالقاهرة وأضفنا إليه ثلاث طبقات. وقد اقتسمنا العمل يومئذ بان يقوم الدكتور صالح بنسخ الكتاب, وأقوم أنا بمقابلته والتعليق عليه, ويقوم الشيخ شعيب بقراءته والإشراف على طبعه. وقد نشرت مؤسسة الرسالة ببيروت سنة 1988م ثم توقف عن ذلك لأسباب لا أرى فائدة من ذكرها.
كما حققت في سنة 1977م المغازي والترجمة النبوية بعد إعادة ترتيبهما وسير الخلفاء الراشدين بعد إعادة تنظيمها لتكون المجلدين الأول والثاني من " سير أعلام النبلاء " استناداً إلى طلب المؤلف, إذ كان الذهبي رحمه الله قد جعل كتابه" سير أعلام النبلاء" في أربعة عشر مجلداً, افرد فيه المجلدين الأول والثاني منها للسيرة النبوية الشريفة وسير الخلفاء الراشدين, لكنه لم يكتبهما, وإنما أحال على كتابه" تاريخ الإسلام" ليؤخذ منه ويُضَمَّا إلى" سير أعلام النبلاء" فقد جاء في طرة المجلد الثالث من نسخه احمد الثالث الأولى تعليق بخطه كتب على الجهة اليسرى نصه: في المجل والأول والثاني سير النبي(صلى الله عليه واله وصحبه وسلم)، والخلفاء الأربعة تكتب من تاريخ الإسلام" فقمنا بهذا العمل بوجب خطة وضحناها فيلا مقدمتنا للسيرة المذكورة. وكان اعتمادي في تحقيق المغازي على نسختين بخط بدر الدين البشتكي المتوفي سنة 830هـ, وهو أفضل من نسخ الكتاب عن نسخة المؤلف, فضلاً عن النسخ الأخرى.
وابتداءً من سنة 1987م تصدى دار الكتب العربي في بيروت لنشر هذا الكتاب العظيم, فأنجز نشرته في سنة 2000هـ. وقد قامت نشرته على استلاب الجزء الخاص بالمغازي الذي حققه الأستاذ محمد محمود حمدان, والأجزاء الستة التي نشرها الأستاذ حسام الدين المقدسي, والمجلدات الأربعة التي حققناها من المئة السابعة. ثم على النسخة الملفقة المحفوظة في دار الكتب المصرية برقم( 42 تاريخ) وهي: كما هو معلوم, تتضمن أصولاً ومختصرات, مهملين النسخة الخطة التي كتبها المؤلف بخطه والتي وصل إلينا عشرة مجلدات منها, وعشرات المجلدات الأخرى التي تقدم وصفها في الباب الثالث من مقدمة طبعتنا لتاريخ الإسلام.
وقد كتب على غلاف هذه النشرة أنها من تحقيق الأستاذ الدكتور عمر عبد السلام تدمري, ولكن الناشر كتب في ظهر الصفحة العنوان ما يأتي:" يتم التحضير لهذا المؤلف الضخم في الدار تحت إشراف لجنة من الدكاترة والأساتذة المتخصصين, بدءاً بالتظهير من المخطوطة الميكروفلم, إلى النسخ والتحقيق والتنضيد والإخراج".
وهذا تناقض صريح بين المكتوب على الغلاف وبين ماهو مذكور في داخله, فلا ندري من الذي يتحمل المسؤولية الأدبية والعلمية عن هذه النشرة هل هو الدكتور التدمري أم "الدكاترة والأساتذة المتخصصون"؟ وآية ذلك أن هذه النشرة تمثل نموذجاً سيئاً لنشر التراث العربي الإسلامي وإساءة بالغة للامان العلمية؛ فلقد استلبت جهود عد من المحققين من غير إشارة إليهم, فأعادت نشر كل ما نشروه بغير وجه حق, وخالفت ابسط قواعد هذا العلم من ضرورة جمع النسخ الخطية والمقابلة بينها, ولم تكتف بإغفال النسخ الأصلية وقيامها بنشر الكتاب على نسخ متأخرة مليئة بالتصحيف والتحريف, بل تجاوزت ذلك إلى اعتماد المختصرات والمنتقيات واتخاذها أساساً للتحقيق, مما أدى إلى سقوط مئات عديدة من التراجم, وسقوط الآلاف من النصوص القصيرة الصحيح بالخطأ, والتصحيف والتحريف في الأسماء والكنى والأنساب والألقاب والبلدان, وعدم الإفادة من المصادر المذكورة في تعليقاتهم, واختلاط التراجم ببعضها وانتقال مادة الترجمة إلى ترجمة أخرى, والتعليقات السمجة التي لا معنى لها, وإدخال تراجم في النص ليست منه, والجرأة العجيبة على التدليس والتلبيس والإضافة إلى النص أشياء ليست منه.
ولما كان القائمون على النشر لا يعرفون مادة الكتاب ولا يحسنونها. فقد وقعوا في أخطاء قاتلة عجيبة تشيب لها الرؤوس ولا يمكن إحالتها على سبب من الأسباب, كما سنبينه بتفصيل في الفصول الآتية. على أننا في الوقت نفسه نفترض أن الأخ الدكتور عمر عبد السلام تدمري هو الذي يتحمل المسؤولية الأدبية والعلمية عن هذا العمل, لأنه رضي أن يضع اسمه على جميع مجلدات هذه الطبعة. 
وقد تفضل علي أخي وصديقي المفضال العلامة الكبير الأستاذ إبراهيم شبوح فقرأ ما سطرتُ, وأنبهني على بعض ما أفاد الكتاب وأفادني ثم تَوَّج صنيعه فقد لهذه الدراسة المتواضعة بكلماته ولغته وأفكاره المنبئة عن باعه الرَّحب في علومٍ شتى مما لم نعد نجده إلا عند ذلك الجيل الذي لم يخلف, من أسف, بعده مثله, فأبان لي عن صفاء ودّه, وشهد لي بما أعتز به, فما أرجح أصالته, وما أوضح جزالته واثقب رأيه المُعَبَّر عن اتساع المعارف, بلسان فصيح وبيان نصيح, وكلام عجيب مونق, ومنطق ناضر مورق.
أ/ا الأخ الحبيب الصديق العالم الخبير الحاج حبيب اللمسي، فإني شاكر له حين تصدى لنشر"تاريخ الأسلام" الذي يعجز المؤسسات الكبرى، بعد أن أخذ لهذا الأمر أهبته، وتَشَمَّر له، فحاز شأو السبق وقصبات التقدم، فضلاً عن حفظه الحقوق، التي يعدها أمانة وديانه، وانطباعه على الخير والبر والجود والسخاء، إذا وَفَّى وإذا أنجز أوفى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه في سنة 1425هـ، بدار هجرته عمان البلقاء بعد استيلاء الكفار على مدينة السلام.


أفقر العباد

بشّار بن عواد

***
تفصيل المحتويات:
تقديم, للعلامة الأستاذ إبراهيم, مقدمة
الفصل الأول, انتحال جهد المحققين, توطئة/
أولاً: انتحال الطبعات, نبذة تاريخية عن انتحال الطبقات, انتحال طبعة المغازي, للذهبي التي حققها الأستاذ محمد محمود حمدان, انتحال ما طبعه الأستاذ حسام الدين القدسي من" تاريخ الإسلام", انتحال المجلدات الأربعة التي حققناها من تاريخ الإسلام, بعض الأخطاء التي وقعت في طبعتنا السابقة وتابعنا فيها من انتحل طبعتنا, نقد مفصل للطبقة(65) من" تاريخ الإسلام " التي نشرها الدكتور عمر عبد السلام تدمري.
ثانياً: انتحال المصادر, بعض المصادر المخطوطة المنتحلة, معجم شيوخ أبي سعد السمعاني, معجم شيوخ ابن عساكر، مختصر ذيل تاريخ بغداد السمعاني, عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي, عقد الجمان للعيني, العقد المذهب في طبقات حملة المذهب, لابن الملقن, ذيل تاريخ مدينة السلام لابن الدبيثي, إكمال الإكمال لان نقطة, التاريخ المجدد لمدينة السلام, لابن النجار, المجلد الثالث من كتاب التكملة لابن الأبار، مشيخة النجيب عبد اللطيف الحراني, طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة, العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين- لتقي الدين الفاسي, تاريخ ابن الفرات, سلم الوصول, لحاجي خليفة, الألقاب للسخاوي, معجم الشافعية لابن عبد الهادي.
ثالثاً: انتحال التعليقات, التعليق على النص مسؤولية, نماذج من انتحال الدكتور عمر عبد السلام تدمري لتعليقاتي على الطبقة (61) من تاريخ الإسلام.
الفصل الثاني: جمع النسخ الخطية ودراستها, ضرورة جمع النسخ الخطية للكتاب المحقق, جهود معهد المخطوطات العربية في جمع المخطوطات, أهمية النسخة التي كتبها المؤلف بخطه, النساخ العلماء, قدم النسخة لا يعني بالضرورة جودتها, أهمية العودة إلى موارد النص في ضبطه, مختصرات تاريخ الإسلام وأنواعها, التراجم الساقطة من طبعة دار الكتاب العربي لتاريخ الإسلام, وهي(1144) إلف ومئة وأربع وأربعون ترجمة, التراجم المختصرة في طبعة دار الكتاب العربي, نماذج من الطبقة( 24) للتراجم المختصرة.
الفصل الثالث: ضبط النص والتعليق عليه, توطئة/
تنظيم مادة النص, العناية بالرقوم, علامات أصحاب الكتب الستة, ضبط الأنساب, نماذج من التحريف في الأنساب, ضبط الأسماء, نماذج من التحريف في أسماء المشهورين والإعلام, التحرز من اختلاط النصوص, التحرز من تغيير الصواب إلى خطاء, التعليل عند الترجيح, المحافظة على النص, تلبية رغبات المؤلف, تخريج الحديث والحكم عليه, تخريج التراجم,علم المحقق بموضوع الكتاب, خاتمة الفصل.
الفصل الرابع: الطريف من التصحيف والتحريف, تعريف التصحيف والتحريف, ابرز الكتب المؤلفة في التصحيف والتحريف, استشراء ظاهرة التصحيف والتحريف في كتب التراث المطبوعة, نماذج من طريف التصحيف والتحريف في طبعة الدكتور عمر عبد السلام تدمري لتاريخ الإسلام.

تفصيل تخريج الكتاب:
د. بشار عواد معروف، في تحقيق النص – أنظار تطبيقية نقدية في مناهج تحقيق المخطوطات، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان، 2004م.

ليست هناك تعليقات: