الاثنين، 1 فبراير 2010

التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق من 1953 إلى 1958 (عرض كتاب)






تقرير عن أطروحة الدكتوراه
في
التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق
من 1953 إلى 1958
للدكتور جعفر عباس حميدي




لقد قرأت أطروحة الدكتوراه: التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق من 1953 إلى 1958، ورأيت إن مؤلفها السيد جعفر عباس حميدي قد بذل جهداً عظيماً في الحصول على مصادرها المتعددة وفي جميع مادتها العلمية. فقد اعتمد على وثائق متنوعة منشورة وأصلية غير منشورة. وعلى الصحف والمجلات العربية منها والأجنبية وعلى مذكرات الشخصيات السياسية التي شاركت في الإحداث أو عاصرتها. وعلى مقابلاتهم الشخصية، والدراسات والبحوث والكتب العربية والأجنبية التي تناولت موضوع الأطروحة من قريب أو بعيد.
وما من شك في ان الوقوف على هذه المصادر جميعاًَ. ولا سيما الوثائق الأصلية قد تطلب منه وقتاً طويلاً وصبراً جميلاً، ولكنه جعل لأطروحته قيمة خاصة، لأنها اعتمدت على وثائق أصلية تمكن من الوصول إليها دون غيره. واستطاع من بعد ان يكشف النقاب عن كثير من الحوادث التي كانت في حينها مجهولة او مثيرة للعديد من التساؤلات التي تتطلب جواباً. وقد أتابع حوادث العراق المعاصرة من خلال الصحف والمجلات وإخبار الإذاعات وأحاول ان أجد تفسيراً لبعضها أو أضع علامة استفهام على بعضها الآخر، ووجدت اخيراً في قراءتي لأطروحة السيد جعفر بعض ضالتي. وإذا كنت لا اجد الكل، فمرد ذلك إلى ان هذه الحوادث المعاصرة لم يمض عليها زمن طويل بعد، وتنتقص اخبارها الصراحة، وتشوبها المبالغات القولية والاتهامات الشخصية، والمنافع الزمنية، وسوء الظن والرغبة او الرهبة التي تفسد حقيقتها. وهذه صعوبة يصطدم بها كل من يريد ان يؤلف في التاريخ المعاصر. ومع ذلك فالسيد جعفر استطاع بجهده وحسن تأنيه أن يتغلب عليها ويعالج بعض الحوادث بروح المؤرخ وبشيء من الحذر المرغوب، وبما امكن جمعه من مصادر ومادة علمية، وان يخلص الى ما أمكن استخلاصه من تفسير موقت ريثما في المستقبل القريب او البعيد على مصادر أخرى تنير بحثه وتأنيه بمزيد من الإيضاح.
ولكن هذا العمل يعني ان المؤلف بذل جهداً حميداً في اعطائنا صورة واضحة معبرة نسبياً عن تاريخ العراق ومشاكله في الفترة الممتدة من 1953 الى 1958.
واستطيع، بعد دراستي لهذه الأطروحة العلمية، ان اقول، وبكل تأكيد ان سويتها لا تقل، ان لن تفق، عن سوية الأطروحات العلمية التي شاركت في مناقشتها او في تقييمها لنيل الدكتوراه في الجامعات العربية والأجنبية.
وقد اعتمدت لتقييم هذه الأطروحة واعطائها التقدير الذي تستحقه على هذين المبدأين:

الأول: كيفية طرح الموضوع ومعالجته والإحاطة به من مختلف نواحيه.
الثاني: الجهد المبذول في البحث والإعداد والتحرير والإحكام على الحوادث بعد استقرائها واستنتاج ما يمكن استنتاجه منها.

وفي هذا الاعتبار تستحق الأطروحة، في نظري، التقدير " امتياز" أو " مشرفة جداً" أو على الاقل "جيد جداً".
ولا يسعني، في نهاية هذا التقرير، إلا ان اشكر جامعة بغداد الموقرة على ثقتها بي واختيارها لي عضواً في مناقشة هذه الأطروحة، وان اثني على الأخ الزميل الأستاذ فاضل حسين علي كريم إشرافه وسداد توجيهه للوصول بالأطروحة الى حسن القبول والمناقشة، وان اهنيء الطالب السيد جعفر عباس حميدي على جهده في خدمة العلم والتاريخ، راجياً له التوفيق والفلاح. وعلى أمل المزيد من الإنتاج العلمي الخصيب والمفيد.

أ‌. د. نور الدين حاطوم
قسم التاريخ – جامعة الكويت
الكويت في 15/4/1978







تفصيل محتويات الكتاب:

المقدمة: إطار البحث وتحليل المصادر.
المدخل- السمات الأساسية للحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية.
الفصل الأول: مشاكل العهد الجديد
1- تسلم الملك فيصل الثاني لسلطاته الدستورية.
2- المطالبة بإصلاح الأوضاع الشاذة.
3- إضراب السجناء السياسيين في بغداد والكوت.
4- فاضل الجمالي والتيار الجديد.
(أ‌) وزارة الجمالي الأولى.
(ب‌) الحركة العمالية وإضراب عمال النفط في البصرة.
الفصل الثاني: نوري السعيد وسياسة مكافحة الحركة الوطنية:
1- أرشد العمري وانتخابات المجلس النيابي(حزيران 1954).
(أ) المشاورات لتأليف الوزارة.
(ب) الانتخابات النيابية.
2- شروط نوري السعيد لتأليف الوزارة.
3- سياسة نوري السعيد الإرهابية.
4- الانتخابات النيابية وموقف الأحزاب منها.
5- ميثاق بغداد وموقف الحركة الوطنية.
الفصل الثالث: انتفاضة 1956
1- الوضع السياسي في العراق قبيل العدوان الثلاثي على مصر.
2- موقف الحكومة العراقية م العدوان على مصر.
3- موقف الجماهير الشعبية من العدوان على مصر.
الفصل الرابع: الأحزاب السياسية وقيام جبهة الاتحاد الوطني.
أولاً- الأحزاب العلنية:
محاولة إجازة حزب المؤتمر حزب الوطني.
ثانياً- الأحزاب السرية:
1- الحركة الشيوعية
(أ‌) الحزب الشيوعي العراقي (جماعة القاعدة).
(ب‌) المركز القيادي للحزب الشيوعي العراقي (جماعة راية الشغيلة).
(ت‌) حزب وحدة الشيوعيين في العراق(جماعة النضال).
(ث‌) توحيد الحركة الشيوعية.
(ج‌) المجلس الحزبي الثاني(الكونفراس)أيلول 1956.
(ح‌) وضع الحزب الشيوعي قبيل ثورة 14 تموز 1958

2- حزب البعث العربي الاشتراكي
(أ) أوجه النشاط العلني لحزب البعث.
(ب) المؤتمر القطري الأول.
(ج) كشف التنظيمات الحزبية.
(د) حزب البعث وانتفاضة 1956.
(هـ) اتساع نشاط حزب البعث في عام 1957.
(و) موقف الحزب من الوحدة بين مصر وسورية.

3- الحزب الدمقراطي الكردستاني (البارت).
4- التيار الإسلامي.
(أ‌) الأخوان المسلمون.
(ب‌) حزب التحرير.

ثالثاً- جبهة الاتحاد السرية.
(أ‌) فكرة الجبهة والظروف السياسية التي أدت إلى تشكيلها.
(ب‌) تنظيمات الجبهة.
(ت‌) مواقف الجبهة من الإحداث والعربية والعالمية.
الفصل الخامس: الوضع السياسي العام في العراق قبيل ثورة تموز 1958 وتنظيم الضباط الأحرار.
1- وزارة علي جودت الأيوبي ومحاولة إبعاد نوري السعيد عن الحكم نهائياً.
2- الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد العربي وموقف الجماهير الشعبية منهما:
(أ‌) وزارة عبد الوهاب مرجان وتأثير قيام الجمهورية العربية المتحدة على السلطة الحاكمة والرأي العام العراقي.
(ب‌) الاتحاد العربي بين العراق والأردن.
(ت‌) توتر الوضع السياسي وعودة نوري السعيد إلى الحكم.
3- أتساع المقاومة الجماهيرية واشتداد نضال الفلاحين في سبيل الأرض والمشاركة في الحياة السياسية.
تنظيم الضباط الأحرار وقيام الثورة
1- تطور تنظيم الضباط الأحرار
(أ) بدايات التنظيم.
(ب) تشكيل اللجنة العليا.
(ت) مبادئ ومقررات الضباط الأحرار.
2- الأحزاب السياسية وتنظيم الضباط الأحرار
(أ‌) الحزب الشيوعي العراقي.
(ب‌) حزب البعث العربي الاشتراكي.
(ت‌) حزب الاستقلال.
(ث‌) الحزب الوطني الدمقراطي.
3- السلطة وتنظيم الضباط الأحرار.
4- محاولات القيام بالثورة.
الخاتمة
تفصيل مصادر ومراجع البحث:
أولاً:- الوثائق غير المنشورة
1- وزارة الداخلية ودوائرها: ملفات القلم السري، ملفات مديرية الأمن العامة، ملفات الشرطة العامة.
2- وزارة الدفاع.
3- وزارة الخارجية.
4- الميثاق الوطني لحفظ الوثائق.
5- الرسائل الشخصية.
6- وثائق وبيانات الأحزاب السياسية.
ثانياً:- الوثائق المنشورة
1- الاحزاب السياسية، 2- الأمن العامة، 3- التوجيه والاذاعة العامة، 4- الدفاع، 5- محاضر مجلس الامة، 6- مطبوعات حكومية، 7- وثائق بريطانية مترجمة.
ثالثاً:- الصحف والمجلات:
الصحف الحزبية والعامة، العراقية والعربية والأجنبية.
رابعاً:- المذكرات الشخصية.
خامساً:- الكتب العربية 26 كتاب.
سادساً:- 13 كتاب.
سابعاً:- المقابلات الشخصية.

الملاحق:
1- البيان الأول لجبهة الاتحاد الوطني.
2- رسائل نوري السعيد إلى خليل كنة تعكس آراءه في الوضع السياسي في العراق خلال صيف 1954.
3- محضر اجتماع قصر الرحاب حول الموقف من العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.
4- تقرير خاص لبهجت العطية، مدير الأمن العام، يعكس موقف الرأي العام من الفئة الحاكمة.


المقدمة:

إطار البحث وتحليل المصادر

لعل من المفيد هنا أن استعيد ذكر مما سبقت الإشارة إليه في مطلع رسالتي للماجستير حول دوافع اختياري هذا الموضوع لاجتياز مرتبة الدكتوراه بالقول أن دراستي في الماجستير للسنوات (1941-1953) أقنعتني بأن أقرر تكملة البحث ليشتمل الفترة الممتدة حتى قيام ثورة (14 تموز 1958)، كيما يعطي بعد ذلك صورة متكاملة عن الظروف السياسية في العراق طيلة تلك المدة المهمة من تاريخ هذا القطر العربي، على أمل أن يكن هذا العمل المتواضع جزءاً من عمل كبير يدرس التطورات السياسية للوطن العربي كله ويضطلع به نفر من الباحثين المقتدرين في المستقبل.
ارتكز البحث على التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق خلال (1953-1958)، وبرغم أن احداث العراق هي حلقات متصلة ببعضها غير أنه يمكن القول أن انتقال الحكم إلى الملك فيصل الثاني في (2 مايس 1953)، وانتهاء عهد وصاية عبد الآله يمثل مرحلة جديدة حاولت الحركة الوطنية استغلالها لتحقيق الحكم الديمقراطي والعمل على الاستجابة للمطالب الشعبية، بيد أن إصرار عبد الآله وبطانته من الساسة القدماء على الحيلولة دون اتصال الملك الجديد بجماهير الشعب قاد النظام نحو نهايته المحتومة، بكبحه جماح الحركة الوطنية وضرب تطلعاتها عن طريق مكافحة الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وحكم البلاد حكماً ديكتاتورياً.
انقسم البحث إلى مدخل وخمسة فصول، استعرض المدخل السمات الأساسية للحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية التي كان لها أثرها الفعال في مسيرة الحكم في الفترة اللاحقة.
وتناول الفصل الأول، دراسة مشاكل العهد الجديد الذي أعقب تتويج فيصل الثاني، ومنها المطالبة بتغيير الوجوه الحاكمة القديمة وإصلاح نظام الحكم، ومقاومة الفئة القديمة لكل محاولة للتغيير وتمسكها بأساليبها المتخلفة واستمرارها على سياسة الشدة في ضرب الحركة الوطنية، حتى أنها قامت بإطلاق النار على السجناء السياسيين في بغداد والكوت وقتلت عدداً منهم. وقد حاول العهد الجديد أمام اشتداد المطالبة الجماهيرية بإصلاح الأوضاع أن يقوم بـأليف وزارة من نمط جديد، غير أن رئيسها فاضل الجمالي كان من الفئة الحاكمة ذاتها، وبالرغم من محدودية الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها فإنها سرعان ما سقطت بسبب معارضة الفئة القديمة لها بزعم يساريتها وتطرفها.

واحتوى الفصل الثاني على دراسة سياسة مقاومة الحركة الوطنية إثر الانتخابات النيابية التي أجريت في عهد وزارة أرشد العمري الثانية في حزيران 1954. وقد بدأ نوري السعيد بعد توليه الوزارة في (3 آب 1954) بحل الأحزاب السياسية وإغلاق الصحف الوطنية والنقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية، ومنع الاجتماعات العامة، وإسقاط الجنسية العراقية عن المهتمين بترويج ما سمي بالمبادئ الهدامة، وذلك بقصد تهيئة الأجواء المناسبة للسير في طريق تحقيق مشاريعه في السياسة الخارجية التي أسفرت عن عقد ميثاق بغداد وعزل العراق عن باقي الأقطار العربية.

وبحث الفصل الثالث في انتفاضة العراق في (تشرين الثاني 1956)، والعوامل الممهدة لها ومنها موقف الحكومة العراقية المعادي لحركة التحرر القومي وتآمرها مع بريطانيا لإسقاط جمال عبد الناصر في مصر، ومحاولة استغلال ظروف العدوان الثلاثي لمهاجمة سوريا والاستحواذ عليها، إلا إن وعي الحركة الوطنية لهذه المخططات أدى إلى إحباطها في مهدها، وأجبر الحكومة على توجيه قصارى جهودها لكبح انتفاضة الشعب ضدها، تلت الانتفاضة التي عمت أرجاء العراق واتخذت صوراً شتى أوضحت مدى الاستياء الشعبي من استمرار الأوضاع الشاذة في القطر.


وكشف الفصل الرابع عن نشاط الأحزاب السياسية ، العلنية والسرية، ومبادئها وأهدافها وموقفها من النظام الملكي والأحداث السياسية المختلفة، والعلاقات بين الأحزاب وبين أجنحتها المختلفة، والانشقاقات التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي، ثم الظروف التي جابهت الأحزاب جميعها حتى دفعتها إلى التماسك وتأليف جبهة الاتحاد الوطني التي عبرت في مناهجها عن أهداف الحركة الوطنية في تكوين عراق ديمقراطي حر بعيد عن التكتلات والأحلاف الاستعمارية.

وتناول الفصل الخامس دراسة الوضع السياسي في العراق قبيل ثورة (14 تموز 1958)، وتأثير أحداث الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد الهاشمي في ذلك، ثم دراسة تنظيم الضباط الأحرار الذي مهد لقيام الثورة، وأهداف التنظيم ومبادئه، ومدى معرفة السلطات بوجوده، والإجراءات التي اتخذت، ومحاولة الإطاحة بالنظام الملكي التي تكللت بقيام الثورة في (14 تموز 1958)، وإعلان الجمهورية العراقية.


اعتمد البحث في إعداده على المواد الآتية:

1- الوثائق غير المنشورة، 2- الوثائق المنشورة، 3- الصحف والمجلات، 4- المذكرات الشخصية، 5- الكتب العربية والأجنبية، 6- المقابلات الشخصية.
1- الوثائق غير المنشورة:
اعتمدت هذه الدراسة على الوثائق بالدرجة الأولى، وليس أمر الحصول عليها بيسير على الباحث لا تزال سرية ولا يوجد نص قانوني يسمح بإعطائها أو حجبها، ويحدد فترة زمنية لذلك، وإنما يعتمد الأمر على جهود الباحث الشخصية المضنية في سبيل ذلك، وهي زيادة على ذلك غير محظوظة في مركز مختص بها على نحو المركز الوطني لحفظ الوثائق فهي متفرقة في دوائر الدولة المختلفة، ولا تزال طرق حفظها بدائية، ولا تتفق عناوين ملفاتها في أغلب الأحيان مع محتوياتها. وقد استفدت من وثائق وزارة الداخلية ومديرياتها المختلفة (الأمن العامة والشرطة العامة وشرطة بغداد وغيرها)، ووثائق وزارتي الدفاع والخارجية.
هيأت وثائق وزارة الدفاع-الدائرة القانونية- للباحث وثائق كثيرة على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تضم مجموعتين من الوثائق:

الأولى- الوثائق التي اعتمدتها المحكمة العسكرية العليا الخاصة- محكمة الشعب- في محاكمة رجال العهد الملكي وقد هيأت المحكمة جميع المستمسكات والمستندات المتعلقة بهؤلاء وذلك برجوع الهيئة الخاصة إلى دوائر الدولة المختلفة وجلب جميع الوثائق المتعلقة بنشاط هؤلاء الساسة، زيادة على الوثائق التي عثرت عليها السلطة في دورهم ودوائرهم عند القاء القبض عليهم.

الثانية- الوثائق الخاصة بالمجالس العرفية العسكرية التي شكلت في العراق في فترات مختلفة وهي غنية بالمستمسكات والمبرزات التي ضمت بيانات الأحزاب ونشراتها وتقارير وافية عن نشاط أعضائها.

وأوضحت وثائق وزارة الداخلية ومديرياتها موقف السلطة وتقاريرها وإجراءاتها المتخذة ضد الحركة الوطنية، مع بيانات الأحزاب ومنشوراتها عن تطور الأحداث الداخلية. وتعطي وثائق وزارة الخارجية معلومات مهمة جداً عن إسرار السياسة الخارجية وانعكاساتها على الرأي العام، زيادة على تقارير السفارات في الخارج، مع قصاصات الصحف العربية والأجنبية عما يدور من أحداث داخل العراق.
ولا بد من التركيز على طائفة من الوثائق المهمة التي استفدت منها في إلقاء أضواء جديدة على تطور الأحداث في العراق، من ذلك الرسائل الشخصية لنوري السعيد، ورسائل خليل كنة، وهي بمجموعها ذات قيمة تاريخية لأنها تكشف لأول مرة عن آراء نوري السعيد الشخصية، وتلقي أضواء ساطعة على الأوضاع السياسية في العراق تعارض ما اعتاد المؤرخون ذكره. ومنها محاضر اجتماعات قصر الرحاب التي أوضحت ما يجري بين رجال السياسة من أحاديث تخص الأحداث السياسية في العراق. زيادة على " التقارير الخاصة" التي كانت تعدها مديرية التحقيقات الجنائية ثم مديرية الأمن العامة بعد انشائها عام (1957)، وهي تقارير سرية جداً ترفع إلى الملك ورئيس وزراء ووزير الداخلية وتمتاز هذه التقارير في الأعم الأغلب بالموضوعية في عكس موقف الرأي العام من الإحداث السياسية الداخلية والفئة الحاكمة، إذ انها توضح تذمر جماهير الشعب من استمرار الأوضاع الشاذة وتردي الأحوال الاقتصادية، وندعو إلى اتخاذ الإجراءات الفعالة لامتصاص النقمة الشعبية. وهنالك التقارير الأسبوعية لمديريات الأمن، وبخاصة مديرية أمن بغداد، عن النشاط السياسي في القطر، ونشاط الأحزاب ونشراتها.

ومن الوثائق التي تعتبر العمود الفقري للبحث وثائق الحركة الوطنية المتمثلة في بيانات الأحزاب ونشراتها المختلفة. ولا أبالغ فيما إذا قلت أنني اطلعت على أغلب ما صدر منها، وقد عانيت مصاعب جمة في سبيل ذلك، لأن هذه الوثائق موجودة في ملفات كثيرة تقدر بالعشرات، وفي دوائر مختلفة وتحت عناوين لا تمت إلى مواضيعها بصلة. وأن التعامل مع هذه الوثائق يتطلب من الباحث نظرة فاحصة دقيقة لأنها كتبت بروح وطنية جياشة، أهمها إظهار معايب النظام لشحذ روح المقاومة له لدى الجماهير، ولهذا عمدت إلى موازنتها بما تيسر من وثائق دقيقة.

2- تعتبر محاضر مجلس الأمة العراقي (النواب والأعيان) من الوثائق المهمة في دراسة العراق السياسي، إذ برغم ضعف المعارضة في المجالس النيابية أو انعدامها فان مناقشاته تلقي الضوء على إمكان تطوير هذه التجربة الديمقراطية لو كان قد فسح المجال أمام انتخابات نيابية سليمة. وهناك وثائق منشورة تتمثل في خطب نوري السعيد وعبد الكريم قاسم أصدرتها مديرية الدعاية العامة، وزيادة على ذلك كراس " حقائق في السياسة العربية يبحثها مجلس النواب العراقي"، وكتاب "ميثاق بغداد" الذي قام حسن الدجيلي فيه بترجمة محاضر مجلس العموم البريطاني بصدد مناقشة انضمام بريطانيا إلى الميثاق والاتفاق الخاص مع العراق مع نصوصهما. وكتاب "كفاح الشعب في العراق ضد حكم نوري السعيد الدكتاتوري، ضد حلف بغداد والاستعمار" لمؤلف مجهول، لعله أحد العراقيين الذين كانوا يعيشون في دمشق والقاهرة، وقد ضم بين دفتيه جميع المذكرات التي قدمتها الحركة الوطنية والأحزاب السياسية خلال أحداث عام 1956 إلى الملك والجهات العليا.
3- الصحف والمجلات:
والصحف على نوعين، علنية وسرية، والعلنية تمثل اتجاهات تتراوح بين التأييد للسلطة والمعارضة لها. وقد عرف من الصحف المعارضة صحف الأحزاب العلنية، لا سيما صحيفتا لواء الاستقلال وصوت الأهالي، زيادة على عدد من الصحف التي ظهرت في بداية عام (1954). ولكن مجيء نوري السعيد في (3/8/1954) أدى إلى صدور مرسوم الصحافة الذي أغلقت بموجبه جميع الصحف الوطنية المعارضة حتى لم يتبقى سوى سبع صحف موالية للسلطة، وهي قليلة الأهمية بالنسبة للبحث لأنها أصبحت عبارة عن نشرات إخبارية حكومية لا تعلق على الإحداث السياسية إلا ما ندر. إما الصحف السرية فهي صحف الأحزاب السرية، حزب البعث العربي الاشتراكي والحركة الشيوعية بمختلف كتلها، والحزب الديمقراطي الموحد لكردستان العراق. وقد اطلعت على جميع هذه الصحف تقريباً، وهي وثائق مهمة في دارسة تاريخ الحركة الوطنية والأوضاع السياسية في العراق، إذ نظر إليها نظرة علمية ناقدة.

4- المذكرات الشخصية:
وهي تمثل وجهة نظر شخصية تجاه الأحداث من خلال إسهام كاتبها فيها. وتعود هذه المذكرات إلى رجال من الفئة الحاكمة من أمثال توفيق السويدي وخليل كنة وفاضل الجمالي وعلي جودت، أو رجال الحركة الوطنية من أمثال كامل الجادرجي ومحمد مهدي كبة وصالح الحيدري، ولا بد الإشادة بالمعلومات التي تضمنتها مذكرات صالح الحيدري الخطية لكشفها بعض جوانب الحياة السياسية في العراق لأول مرة. وعلى أية حال فانه ينبغي أن تؤخذ المذكرات جميعها بالحذر الشديد وتوازن بالوثائق الأخرى إن وجدت ذلك لأنها تطرح وجهة نظر صاحبها.

5- الكتب العربية والأجنبية:
يوجد كثير من الكتب الباحثة عن تاريخ العراق. غير أنها مقتضبة وغير دقيقة وتشتمل على أخطاء تاريخية أحياناً، وقد أخذت منها ما ثبتت صحته بمقابلته بالوثائق، ولم أشر إلى أخطائها لأن ذلك يؤدي إلى زيادة حجم الرسالة دون ضرورة. ومن الكتب المهمة التي أنوه بها هنا كتاب "انتفاضة العراق الأخيرة" الذي أصدره أحرار العراق في دمشق أو القاهرة على الأرجح، وتناول تفاصيل أحداث انتفاضة تشرين الثاني 1956. وكتاب الدكتور فاضل حسين"سقوط النظام الملكي في العراق" الذي ضم بحثاً مستفيضاً عن تنظيم الضباط الأحرار. وكتاب الدكتور مجيد خدوري"العراق الجمهوري" الذي ضم فصلاً عن التنظيم نفسه. وكتاب ولدمار غولمان، السفير الأميركي في العراق في السنوات (1954- 1958) بعنوان " lraq under General Nuri" حيث ضمت مذكراته عن عمله في العراق، ونظرته إلى أحداثه السياسية. وكتاب (Birdwood) الموسوم " Nuri As-Said, Astudy in arab leadership" الذي تضمن معلومات كثيرة عن العراق ونوري السعيد بصفة خاصة من وجهة نظر بريطانية، ودي كوري "De Gaury" في كتابه " Three Kings in Baghdad 1921-1958" الذي تأتي أهميته في كون مؤلفه من أصدقاء عبد الآله وقد روى عنه أحاديث شخصية مهمة. هذا فضلاً عن عدد من الكتب الأخرى التي ورد ذكرها في حواشي الرسالة.

6- المقابلات الشخصية:
دفع الحرص على تجاوز النقص في بعض الموارد إلى مراجعة الأشخاص الذين كانوا قد ساهموا في صنع الأحداث لمحاورتهم والحصول على ما يسد هذا النقص وأشير إلى رجال الأحزاب السياسية وضباط الجيش، الذين شاركوا في تشكيل تنظيم الضباط الأحرار وأبدوا للباحث مساعدة مكنته لاستجلاء ما أشكل عليه خلافاً لسواهم ممن أظهروا كثيراً من التحفظ ولم يسعفوا الباحث بشيء يذكر. عل ى أن يؤخذ على المقابلات الشخصية ما أخذ على المذكرات.



الخاتمة:
أظهرت هذه الدراسة وجود صراع عميق بين جيلين، الأول- الجيل القديم الممثل في شخص نوري السعيد وإضرابه ممن تولوا مسؤولية الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية، وتخلفوا عن استيعاب التطورات التي شهدها العالم في الميادين كافة، لا سيما تلك التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية فاستمروا على الحكم بمساندة طبقة محدودة من ذوي النفوذ والثروة من أصحاب الأراضي وشيوخ العشائر وأثرياء المدن من الكومبرادور. حتى صار الحكم الوليكركيا بكل ما تحمله الكلمة من دلالات على تضييق طبقة الحاكمين وتركيزها في يد حفنة قليلة من الناس لا تملك شيئاً من الدقة والمهارة في حكم الاوليكاركي ذاته استناداً إلى غير الشعب.
والآخر- الجيل الجديد الذي ضم في صفوفه فئة من الناس كانت قد ثقفت على أساليب الحكم الغربية، وتأثرت بالعقائد السياسية الحديثة. فسعت إلى تأليف الأحزاب السياسية والانضمام إليها في سبيل إزاحة الطبقة الحاكمة القديمة، تساندها في ذلك البرجوازية الوطنية النامية التي أصبحت ذات شان كبير في الحياة الاقتصادية منذ أوائل الخمسينات ورأت ان ما حققته من نجاحات في المجال الاقتصادي لم يعد يتناسب مع موقعها السياسي، اذ السلطة ما زالت بيد الإقطاع والكومبرادور. وكان هذا الجيل يدعو إلى الحياد بين المعسكرين المتصارعين، ويتحمس لتحقيق الوحدة العربية، والقيام بإصلاحات اجتماعية جذرية وسريعة بهدف رفع المستوى المعاشي للمواطنين وتقوية البلاد اقتصادياً اعتماداً على الزيادة الواسعة في الثروة النفطية.

كتبت " فريا ستارك" الجاسوسة البريطانية محاولة القاء الضوء على ذلك الصراع خلال احداث العراق في آيار 1941 تقول:

" مما يدعو الى الأسف ان الشباب في اغلب دول العالم ليسوا معنا. ففي العراق قد عهدت دفة شؤون الدولة منذ 30 سنة الى فئة قليلة من الأشخاص المسنين المعروفين بولائهم لبريطانيا العظمى. وقد دفع ذلك شباب البلد الذين يتوقون إلى ارتقاء سلم الحكم الى الانضمام الى لواء واحد لمقاومة هذا النظام. وقد دل ذلك على قصر النظر السياسي وترك دائرة الحكم ضيقة لهذه الدرجة، فصارت الفئة الحاكمة تتقاذف كرة القوة من يد الى يد ضمن دائرة محدودة وان لم تكن ارستقراطية وفيما خلا فترة الحكم العسكري لم يزد سوى قطرة بسيطة جديدة الى الدم السياسي في العراق منذ بدأ سيله قيد الارشاد البريطاني. وكانت النتيجة ان بريطانيا اختصت نفسها بفئة من ذوي الصلابة الذين يحرصون على مصالحهم الشخصية والطاعنين في السن، وبذلك اوجدنا سبباً عاماً لتذمر الشباب وتركنا الثورة تختمر بشدة واننا الآن نكبح جماحهم على افضل وجه نراه امامنا..."
لم تستجب بريطانيا لهذه الأراء واستمرت بعد الحرب العالمية الثانية على تأييد الطبقات الحاكمة المعهودة في العراق والأقطار العربية لسهولة التأثير فيهم عند الضرورة.
وظهر أيضاً بان النظام الملكي كان يسير نحو نهايته المحتومة منذ عودة عبد الإله إلى الوصاية بحراب الانكليز في حزيران 1941، وما أعقب ذلك من نكسات منها هزيمة الأنظمة العربية في فلسطين في عام 1948 وقيام الكيان الصهيوني الذي أثر في كل زاوية من الحياة السياسية في الوطن العربي، وعودة الجيوش العربية، ومنها الجيش العراقي، وهي تحمل مرارة الانتكاسة وتتحفز إلى الإطاحة بمسببي الانتكاسة.
هيأ تولي الملك فيصل الثاني لسلطاته الدستورية في 2 مايس 1953 الفرصة لترميم النظام بغية الإبقاء عليه لأطول فترة ممكنة، إلا ان الفئة الحاكمة القديمة وقفت بكل قواها وحشدت صفوفها للوقوف بوجه كل حركة ترمي إلى الاستجابة للمطاليب الشعبية الداعية إلى الإصلاح، حتى انها وصمت رفيقها فاضل الجمالي ووزارته بالتطرف واليسارية، وعجلت في اسقاط وزارتيه.
وعمل نوري السعيد، ممثل الفئة الحاكمة، على الوقوف بوجه كل حركة إصلاحية تريد تطوير النظام البرلماني وتعمل عل تقويته لعدم إيمانه بالديمقراطية الصحيحة اسلوباً للحكم، فلم يبق منها إلا قشورها وراح يبني على أساس هذه القشور حقوقاً شرعية لمطالبته بالحكم بزعم انه صاحب الأكثرية، وعمد إلى حل المجلس النيابي الذي انتخب في حزيران 1954 بعد جلسة واحدة فقط ضارباً عرض الحائط بالرأي العام الذي لم يكن يقيم له وزناً، فسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ مخلفة اليأس والقنوط في النفوس، وتحول الحكم إلى حكم أشبه بالدكتاتورية، حيث حٌلت الأحزاب السياسية، وأغلقت الصحف الوطنية والنقابات العمالية، ومنعت الاجتماعات العامة، وأصدرت مرسوم اسقاط الجنسية عن عراقيين تمهيداً لعقد ميثاق بغداد والاتفاق الخاص مع بريطانيا.
قابل الشعب العراقي سياسة نوري السعيد هذه بالمعارضة التي تمثلت في عدد من الانتفاضات الجماهيرية على نحو انتفاضة عام 1956 مساندة مصر في نضالها ضد العدوان الثلاثي عليها. فاستخدمت السلطة مختلف وسائل البطش والقسوة للقضاء عليها، مما دفع الحركة الوطنية إلى توحيد صفوفها في إطار جبهة وطنية أعلن عن تشكيلها في شهر شباط من عام 1957، وساهمت في طرح أهداف الحركة الوطنية في التحرر والاستقلال التام.
أدركت القوات المسلحة أخيراً ان طاقات المدنين غير المسلحة لم تعد قادرة على اسقاط نوري السعيد والنظام الملكي الذي كان يمده بالدعم والتأييد فحزمت امرها عل الاخذ بزمام المبادرة الى تقويض اركان النظام وتغييره بالقوة المسلحة، فعمدت الى رص صفوفها في تنظيم للضباط الاحرار تبنى المطالب الاساسية للحركة الوطنية بالتفاهم معها لنكلل جهودها بعد ذلك بالاطاحة بالنظام الملكي ومؤسساته واعلان الجمهورية العراقية في يوم (14 تموز) من سنة 1958 وسط مساندة الشعب وجبهته الوطنية وتأييدهما وحفاوتهما بها.
لقد اعترف عدد من أقطاب النظام الملكي بأن النظام كان يحمل في طياته بذور فنائه. وارجع فاضل الجمالي سقوط النظام إلى ايغال الفئة الحاكمة يوماً بعد آخر في اجراءتها لخنق المعارضة وعدم فسح المجال لها للتعبير عن آرائها بطريقة مشروعة لا تجعل منها أداة للهدم، وبعد الشقة بين الحكومة والشعب لانقطاع الصلة الروحية بينهما، والصراع الدائر داخل الفئة الحاكمة من الاستئثار بالسلطة، هذا فضلاً عن استشراء الفساد في جهاز الدولة لا سيما عن طريق المحسوبية والمنسوبية. وأجمل خليل كنه أسباب انهيار النظام الملكي بعدم فسح المجال إمام الجيل الجديد من الشباب المثقف للمساهمة في خدمة العراق، وتزييف الحياة الديمقراطية، والأسلوب الاوتقراطي في الحكم، واستمرار الصراع الدائر بين الساسة القدماء على السلطة، وبروز القومية العربية كقوة سياسية ترى في الغرب انه المسؤول عن جميع المآسي التي حلت بالعرب، زيادة على ظهور جمال عبد الناصر.



***
**
*

وأخيراً لا يسعني إلا ان أتقدم ببالغ الامتنان إلى جميع من أسهم أو ساعد على إخراج هذا الجهد المتواضع، لا سيما أستاذي الدكتور الفاضل ( محمد محمد صالح)، الذي اشرف على إعدادي لرسالة الماجستير وكان لتوجيهه القيم الأثر الجليل في إعداد هذه الأطروحة وأستاذي المشرف الدكتور ( فاضل حسين) الذي لم يبخل علّي بوقته وصحته، بالرغم من مرضه، لقراءة هذا البحث ومناقشة كل ما ورد فيه، وأستاذي الدكتور ( عبد القادر أحمد اليوسف) الذي كان لآرائه ومناقشاته تأثير كبير في وضع خطة البحث، وأساتذتي في كلية الآداب/ جامعة بغداد، وأعضاء لجنة المناقشة التي كان لآرائها الأثر الكبير في تقويم الهنات التي وقعت فيها، والأستاذ ( علي صائب) لمراجعته لغة الأطروحة، والعميدين المتقاعدين ( رجب عبد المجيد- محسن حسين الحبيب) لقراءتهما البحث المكرس لدراسة تنظيم الضباط الأحرار إبداء الملاحظات حوله، فضلاً عن كل من بذل من جهده ووقته ما مكنني من الحصول على الوثائق الرسمية، سائلاً الله التوفيق لخدمة الوطن والأمة العربية المجيدة.
الدكتور جعفر عباس حميدي



ليست هناك تعليقات: