التطورات السياسية في العراق 1941-1953
( عرض كتاب)
المقدمة:
تناول تاريخ العراق بالدراسة في عهد الانتداب عدد كبير من العرب والأجانب وقد ساعد على ذلك وفرة المصادر والوثائق الأولية الباحثة عن تلك الفترة، وكلما تقدمنا في عهد الاستقلال قلت هذه الدراسات والبحوث لصعوبة الحصول على الوثائق الرسمية، وبخاصة الفترة التي أعقبت حوادث مايس 1941.
لقد جلبت هذه الناحية انتباهي فجاءت هذه الدراسة محاولة متواضعة لسد شيء من هذا الفراغ في دراسة تاريخ العراق السياسي المعاصر، فتركزت على التطورات السياسية خلال الفترة ما بين (1941-1953). وبالرغم من إحداث العراق هي حلقات متصلة مع بعضها، إلا إننا نستطيع القول بأن هذه الفترة كانت متميزة الفترات، فأغتيال الملك غازي في نيسان (نيسان 1939)، ومجيء عبد الآله وصياً على العرش، وإعلان الحرب العالمية الثانية وما تبع من تدهور العلاقات – البريطانية والحرب العراقية- البريطانية في (نيسان 1941)، واحتلال العراق ثانية من قبل بريطانيا، كل ذلك يعتبر نقطة تحول في تاريخ العراق المعاصر ميزت هذه الفترة من الفترات السابقة.
ولا يخفى أن صعوبة البحث في هذه الفترة ترجع إلى صعوبة الحصول على الوثائق الرسمية، سيما وأن الوثائق لا زالت سرية باعتبارها تعود الى فترة جداً من تاريخ العراق وتتعلق بأشخاص لا زالوا على قيد الحياة او مجال ممارسة الحياة السياسية أو الإدارية هذا من ناحية، ومن ناحية فأن بعض الموظفين ممن يشرفون على حفظ هذه الوثائق يعتبر إخراجها وإعطاءها الى الباحث ليس من ضمن واجباته الوظيفية، وإنه يتطلب وقتاً وجهداً وصبراً يتعامل به مع الباحث.
ضم هذا البحث بين دفتيه أربعة أبواب، تناول الباب الأول منها أوضاع العراق خلال الحرب العالمية الثانية(1941- 1945)، واحتوى على أربعة فصول:
الفصل الأول:- منها للإحداث التي أدت إلى تدهور العلاقات البريطانية– العراقية، وحدوث التصادم العراقي- البريطاني في مايس (مايس1941).
الفصل الثاني:- فتناول الإحداث التي أعقبت انهيار نظام رشيد عالي الكيلاني والتي أدت إلى عودة الوصي عبد الآله إلى حكم العراق ثانية وما تبع ذلك من احتلال بريطانيا للعراق عسكرياً، ومظاهر هذا الاحتلال المختلفة.
الفصل الثالث:- تناول حالة العراق السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وموقف الجهات الوطنية المختلفة خلال هذه الفترة ودور نوري السعيد في الإحداث السياسية.
الفصل الرابع:- فهو دراسة أوضاع العراق في أواخر الحرب، وما ظهر من تيارات سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة كان لها تأثيرها الفعال على تطور العراق من الناحية السياسية.
وتناول الباب الثاني بعث الحياة الحزبية، وضم ثلاثة فصول.
الفصل الأول: دراسة عن الأحزاب القومية (الاستقلال، الأحرار، الديمقراطي الكردي).
الفصل الثاني: عرض للأحزاب الديمقراطية (الوطني الديمقراطي، الاتحاد الوطني، الشعب).
الفصل الثالث: كشف للحركة الشيوعية السرية والانشقاقات التي تعرض لها الجوب الشيوعي العراقي، ودراسة مؤسساته العلنية ] عصبة مكافحة الصهيونية والهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني[. وقد حاولنا في هذا الباب بيان موقف كل من هذه الأحزاب والحركات من القضايا الوطنية والقومية، ومن التطورات السياسية والاجتماعية الحديثة، ومدى تعبيرها عن ظروف المرحلة التي ظهرت فيها، وانعكاساتها على الرأي العام، وبيان أسباب عدم توحدها، واثر ذلك على الحركة الوطنية وعلى السلطة القائمة.
إما الباب الثالث، فهو دراسة لسياسة مقاومة الحركات الوطنية التي بدأها أرشد العمري في (حزيران 1946)، وانتهت بالإطاحة بحكم صالح جبر في أواخر(كانون الثاني 1948) وقد ضم هذا الباب فصلين:
الفصل الأول:- سياسة القمع والإرهاب التي اتبعتها وزارة ارشد العمري، وما أعقب ذلك من إجراء انتخابات نيابية قامت بها وزارة نوري السعيد في (آذار 1947) وقوطعت من غالبية الأحزاب السياسية. وقد مهدت هذه الانتخابات لتولي صالح جبر الوزارة ليصبح كبش الفداء لنوري السعيد من اجل تنفيذ المشاريع الاستعمارية وعلى رأسها مشروع الشرق الأوسط الذي يهدف إلى تكوين حلف يضم بعض الدول العربية وتركيا للوقوف بوجه ما سمي بالتوسع الروسي.
الفصل الثاني:- احتوى على معاهدة بورتسموث وتطور العلاقات العراقية- البريطانية، ومحاولات تعديل معاهدة (1930)، والمفاوضات التي أجرتها وزارة صالح جبر، واثر توقيع المعاهدة على الجماهير العراقية والعربية، وما أعقب ذلك من انتفاضة أطاحت بحكومة صالح جبر.
وتناول الباب الرابع دراسة الحركة الوطنية من وثبة 1948 إلى انتفاضة تشرين 1952. وقد ضم هذا الباب ثلاثة فصول.
الفصل الأول:- أشتمل على دراسة الحرب الفلسطينية والآثار السلبية التي تركتها على الحركة الوطنية في القطر العراقي والتطورات السياسية التي أعقبتها، ومنها تجديد الوعي لأقامة الاتحاد العراقي - السوري بحجة الوقوف بوجه التوسع الصهيوني.
الفصل الثاني:- احتوى على دراسة النهوض الجديد للحركة الوطنية بعد الغاء الإحكام العرفية من قبل وزارة علي جودت الأيوبي، وما أعقب ذلك من ظهور أحزاب وحركات وطنية علنية وسرية ساهمت بفعالية في الإحداث السياسية خلال الخمسينات، كان أبرزها حزب البعث العربي الاشتراكي ومنظمة أنصار الإسلام والجبهة الشعبية المتحدة.
الفصل الثالث:- قد حوى دراسة انتفاضة تشرين الثاني 1952، والعوامل الممهدة لها، وأسبابها وحوادثها ونتائجها، بالإضافة إلى آراء بعض الصحف العربية والأجنبية عن الانتفاضة. واختتم الفصل بتتويج فيصل الثاني على عرش العراق وانتهاء عهد الوصاية.
تفصيل فهرست الكتاب:
المقدمة،
تمهيد: وضع العراق عند إعلان الحرب العالمية الثانية.
الباب الأول: العراق خلال الحرب العالمية الثانية
الفصل الأول:- مسيرة العلاقات العراقية- البرطانية ( تدهور العلاقات العراقية- البريطانية، الحرب بين العراق وبريطانيا مايس 1941).
الفصل الثاني:- احتلال بريطانيا للعراق
أ- في أعقاب حرب مايس، ب- وزارة جميل المدفعي، ج- مظاهر تزايد النشاط البريطاني.
الفصل الثالث:- العراق في عهد نوري السعيد 1941- 1944.
أ- سياسة نوري السعيد، ب- الوضع الداخلي في عهده.
الفصل الرابع:- في أواخر الحرب وزارة حمدي الباجه جي.
1- في السياسة الخارجية ( إقامة العلاقات مع الاتحاد السوفيتي- جامعة الدول العربية- الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة).
2- في السياسة الداخلية ( إجازة النقابات العمالية- المطالبة بأصلاح حالة الفلاح- تبلور الحركة الطلابية- الدعوة للحريات الديمقراطية).
الباب الثاني: بعث الحياة الحزبية
الفصل الاول:- الاحزاب القومية، وزارة توفيق السويدي الثانية واجابة بعض المطاليب الشعبية، حزب الاستقلال، حزب الاحرار، بارتي ديمقراطي كورد- عراق.
الفصل الثاني:- الاحزاب الديمقراطية: جماعة الاهالي، حزب الوطني الديمقراطي، حزب الاتحاد الوطني، حزب الشعب.
الفصل الثالث:- الحركة الشيوعية (الحزب الشيوعي العراقي- عصبة مكافحة الصهيونية).
الباب الثالث: مقاومة الحركات الوطنية
الفصل الأول:- تطبيق سياسة الشدة تجاه المعارضة:
أرشد العمري وموقفه من المعارضة، نوري السعيد والانتخابات النيابية، صالح جبر والسعي لتعديل المعاهدة العراقية- البريطانية.
الفصل الثاني:- معاهدة بورتسموث:
1- المفاوضات لتعديل المعاهدة العراقية- البريطانية.
2- الوثبة.
الباب الرابع: من الوثبة إلى الانتفاضة 1948- 1953
الفصل الأول:- الحرب الفلسطينية والجزر السياسي في الحركة الوطنية.
1- وزارة الصدر والحرب الفلسطينية.
2- مزاحم الباجه جي وعودة البورتسموثين إلى الحكم.
3- نوري السعيد والسعي لتحقيق الاتحاد العراقي السوري.
الفصل الثاني:- النهوض الجديد للحركة الوطنية
1- علي جودت وإلغاء الإطعام العرفية.
2- توفيق السويدي واسقاط الجنسية عن اليهود.
3- الأحزاب والحركات الجديدة.
أ- حزب الإصلاح، ب- حزب الاتحاد الدستوري، ج- حزب الأمة الاشتراكي، د- حزب الجبهة الشعبية المتحدة، و- حزب البعث العربي الاشتراكي، ز- أنصار السلام.
الفصل الثالث:- انتفاضة تشرين 1952
1- الدعوة لتأميم النفط واتفاقية 1952.
2- تصاعد الاضطرابات العمالية والحركات الفلاحية.
3- المطالبة بالانتخاب المباشر وأصلاح الوضع الداخلي.
4- الانتفاضة.
5- اصداء الانتفاضة في بعض الصحف العربية والأجنبية.
6- تسلم فيصل الثاني للطاقة الدستورية وانتهاء الوصاية.
الخاتمة:
تميزت هذه الحقبة من تاريخ العراق المعاصر بحوادثها الجسام التي أدت إلى تصادم مصالح الطبقة الحاكمة ومن ورائها الاستعمار البريطاني خاصة، مع مصالح الشعب الذي كان يتوق إلى ممارسة الحياة الديمقراطية، ويتطلع إلى الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، ويطالب بتطبيق النظام الدستوري البرلماني السليم وإصلاح الأوضاع السيئة السائدة في البلاد، هذه الأوضاع التي كانت تتمثل في حكومة أوليكاركية خولت لنفسها احتكار العمل السياسي والإداري فلم تشرك معها أحد من افراد الشعب بما فيهم الطبقة المثقفة النيرة، بل عملت على العكس من ذلك كله فحرمتهم من أبسط حقوقهم الأساسية التي كفلها الدستور، ولقد التفت حول هذه الحكومة جماعة من ذوي النفوذ والثروة من أصحاب الاراضي وشيوخ العشائر وأثرياء المدن ووجهائها، لتعمل بكل اخلاص على تلبية رغباتها وتطمين مصالحها سعياً إلى كسب تأييدها المطلق.
برزت على المسرح السياسي خلال هذه الفترة شخصية الوصي عبد الآله الذي لم يكن قبل توليه الوصاية على الملك الطفل فيصل الثاني في (4 نيسان 1939) من الشخصيات البارزة سياسياً وثقافياً. ويبدو أن حوادث مايس 1941 قد أثرت فيه تاثيراً عظيماً بحيث دفعه إلى فرض هيمنته الكاملة على شؤون الدولة المختلفة بالتعاون مع بريطانيا، وراح ينفذ لها مطالبها دون النظر إلى مصلحة الشعب الذي كان قد قاوم احتلالها للبلاد بشدة، وطالب بتحسين الأوضاع الداخلية. وسعي الوصي بكل طاقته إلى الانتقام ممن كان قد تعاون مع حركة رشيد عالي الكيلاني أو تعاطف معها فأعدمهم وسجن كثيراً منهم. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تظاهر الوصي بالحرص على الحريات الديمقراطية فيمح بأجازة بعض الاحزاب السياسية، إلا انه سرعان ما خشي منها فعمل على محاربتها والتضييق عليها.
وقد أدى تطور الإحداث إلى وثبة الشعب في (كانون الأول 1948)، ومناداة المتظاهرين في إثناء ذلك بسقوط الملكية والهتاف بحياة الجمهورية، مما أفقد الوصي توازنه فحاول مهادنة الحركة الوطنية، إلا إن التناقضات الحادة بين إطراف الحركة الوطنية وثقة الأحزاب العلنية بالوعود الرسمية المعلنة أسفرت عن التصادم بينها، وأتاحت للوصي فرصة أعادت سيطرته القوية مجدداً وبالتالي انتكاس الحركة الوطنية في الفترة(1948-1950). ولكن الحركة الوطنية سرعان ما استعادت قوتها واستطاعت إن تهز العرش العراقي بانتفاضة تشرين 1952 وأحداثها الدامية التي ارتفعت خلالها شعارات وطنية وديمقراطية تطالب بإشراك الشعب وزيادة مساهمته في السلطة. واستمرت هيمنة الوصي على شؤون الدولة حتى قيام ثورة (14 تموز 1958) بالإجهاز على الملكية، برغم انتهاء عهد وصايته بتتويج فيصل الثاني في (2 مايس 1953).
أما الشخصية الثانية فكانت شخصية نوري السعيد، فالبرغم من انه كان بارزاً منذ أوائل تأسيس الحكومة العراقية إلا ان شخصيته إزدادت أهمية في اثناء عهد الوصاية، فقد شكل نوري السعيد ثلث عدد الوزارات التي تألفت خلال هذه الفترة وشغلت وزاراته حوالي نصف مدة عهد الوصاية، وتمكن من ان يوجه السياسة العراقية في الأوقات التي يكن فيها خارج الحكم، ويكون الرجل المعتمد للحفاظ على مصالح بريطانيا في العراق. وقد عمل بحزم على الوقوف بوجه المطالب الوطنية باستعادة ثروة العراق النفطية وأخذ على عاتقه عقد اتفاقية 1952 النفطية للرد على المطالب المنادية بتأميم النفط.
أما الحياة البرلمانية، خلال تلك الفترة، فكانت امتداداً للفترات السابقة حيث تميزت بالضعف والخضوع للسلطة التنفذية. وكان البرلمان عرضة للحل والتأجيل والانتخابات النيابية تعاني من التزوير والتدخل الحكومي، والنواب يعينون في المجلس تعييناً. وكاد يتعذر على الأحزاب الوطنية والشخصيات المستقلة ان تحتل بعض مقاعد البرلمان نتيجة التزوير ونفوذ رجال الإقطاع والعشائر على الفلاحين. فكانت غالبية المناطق الانتخابية مقفلة لهم يفوزون فيها بالتزكية. ولم يكن لتعديل قانون الانتخاب في عام 1946 وتصغير الدوائر الانتخابية أي اثر في دعم النظام البرلماني. وقد حاولت الحركة الوطنية في عام 1952 تقويم الحياة النيابية ومشاركة الشعب في الحكم بالمطالبة بالانتخاب المباشر واصلاح الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان ذلك احد الأسباب في انتفاضة تشرين من العام نفسه.
وظهرت في تلك الفترة أحزاب سياسية منظمة عبرت في أهدافها عن متطلبات المرحلة التي ظهرت فيها ومثلت تجربة في الحياة السياسية الديمقراطية أثرت في الرأي العام. وإنقسمت هذه الأحزاب إلى علنية وسرية. وقد أمتازت الاحزاب السرية ( البعث العربي الاشتراكي، والشيوعي العراقي، والديمقراطي الكردي)، بأنها أكثر دقة في التنظيم وأكثر فعالية في النشاط السياسي، وساهمت مع الأحزاب العلنية في نضالات الشعب الوطنية. ويلاحظ على تلك الأحزاب بصورة عامة كونها أحزاباً عقائدية تعتمد على المبادئ أكثر من اعتمادها على الشخصيات، وأنها ليست أحزاباً برلمانية وعليه فهي لم تستطع الوصول إلى الحكم، كما في مصر، هذا إذا استثنينا بعض المشاركات الفردية كأشتراك حزبي الوطني الديمقراطي والاحرار في وزارة نوري السعيد في ( تشرين الثاني 1946)، ومشاركة حزب الاستقلال في وزارة الصدر في (شباط 1948).
أما حزب نوري السعيد ومساهمته في الحكم فلم تكن تمثل في الواقع ظاهرة حزبية تولت الحكم على اساس برلماني، ذلك لأن حزب الاتحاد الدستوري لم يكن حزباً عقائدياً، وهو ليس سوى تجمع شخصيات حاكمة. أما الانتقاد الذي يوجه إلى الأحزاب الوطنية عموماً في هذه الفترة فهو عدم توحدها أو تآلفها في جبهة وطنية أو أي شكل أخر من إشكال الاتفاق وقد يسر هذا الأمر على السلطة الحاكمة ضرب الأحزاب اليسارية (الاتحاد الوطني والشعب)، وتحريمها عام 1947، ثم تصفية الحياة الحزبية بعد ذلك.
ويلاحظ أيضاً بروز الحركة العمالية كقوة سياسية ومهنية ساهمت في الإحداث السياسية. وكان لظروف الحرب العالمية الثانية أثر فعال في ذلك. وقد طالبت الحركة العمالية في بداية الأمر بالتنظيم النقابي وتحسين ظروف العمل والحياة الاقتصادية. فقام بسلسلة من الإضرابات وتقديم المذكرات حتى أضطروا السلطة القائمة إلى تلبية طائفة من مطاليبهم وسمحت لهم بتأسيس بعض النقابات. وقد ساهمت الحركة العمالية نتيجة لأنتشار الأفكار الديمقراطية بعد الحرب في النشاطات السياسية بفعالية، وطالب العمال في مظاهراتهم واضراباتهم بالحريات الديمقراطية وأجازة الاحزاب السياسية وأطلاق السجناء السياسيين والانتخاب المباشر وقد انتقدت بعض الفئات تدخل العمال في شؤون السياسة بحجة ان ليس ذلك من شأنهم. والواقع ان أمثال هذه الانتقادات لا تستند إلى أساس معقول فعمال إحدى فصائل الشعب الوطنية ساهمت مع الاحزاب السياسية في المطالبة بالإصلاح السياسي. وكان من المقدر للحركة أن تلعب دوراً أكبر لو كان ثمة اتفاق بين الاحزاب إذ ان الصراعات الحزبية إنعكست على الحركة العمالية فشلت أثارها السلبية بعض النقابات فيما أضعفت تأثير بعضها الآخر.
أما الفلاحون الذين كانوا ينؤون تحت وطأة الفقر والجوع والمرض وتفشي الأمية وعدم اهتمام السلطات بأحوالهم فأن ثمرة جهودهم كانت تذهب إلى جيوب المالكين وذوي النفوذ واصحاب الثروة وكانوا بعيدين في بداية تلك الفترة عن ممارسة الشؤون السياسية. أما الدعوات التي ظهرت لأصلاح حالة الفلاح والمطالبة بالإصلاح الزراعي فأنها كانت بتأثير مثقفي المدن الذين قلما استطاعوا الاتصال الفعلي بالفلاحين ولم تظهر مشاركة الفلاحين في الحياة السياسية إلا في أوائل الخمسينيات، وقد أسفرت عن انتفاضة آل فرطوس في العمارة واستيلاء الفلاحين على أراضي الإقطاع بالقوة.
وفي نهاية لا بد من القول ان الفئة الحاكمة تمتعت بحماية الدول الاستعمارية مدة طويلة. وقد شهدت الحقبة إستمرار وزيادة المصالح البريطانية في العراق فضلاً عن نمو المصالح الأميركية. وظهرت الدعوة إلى المشاريع الأجنبية الاستعمارية كمشروع الدفاع عن الشرق الأوسط ومشاريع المعاهدات الثنائية كالمعاهدتين العراقية – التركية، والعراقية- الأردنية، ومعاهدة بورتسموث، والنقطة الرابعة الأميركية.
وقد قوبلت كل هذه المشاريع بمقاومة من قبل الحركة الوطنية بلغت حد التصادم مع السلطة القائمة وسقوط عدد من الشهداء والجرحى بنتيجة ذلك ولعل أبرزها ما حدث في ( كانون الثاني 1948)، تلك الوقفة المعروفة بوجه معاهدة بورتسموث الاستعمارية، وموجات الاستنكار التي قوبل بها مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط عام 1951.
ان كل هذه التطورات السياسية التي شهدها العراق خلال الفترة بين (1941-1953)، قد أثرت في مسيرة الحركة الوطنية اللاحقة حيث مهدت السبيل امام ثورة الشعب ضد النظام الملكي، بعد ان ادركت كل القوى الوطنية استحالة تقويض الحياة السياسية الشاذة قبل رص الصفوف وتوحيد الجهود في إطار جبهة وطنية متينة، أمكن تحقيقها عام 1957، فقادت الشعب حتى تكللت مساعيها بالانتصار بقيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، وإعلان الجمهورية العراقية.
تفصيل المصادر:
أولاً- الوثائق الرسمية غير المنشورة، وزارة الداخلية (مديرية القلم السري- مديرية الأمن العامة- مديرية الشرطة العامة)، وزارة الخارجية، المركز الوطني لحفظ الوثائق.
ثانياً- وزارة الداخلية ( الأمن العام- التحقيقات الجنائية- الدعاية العامة). وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وزارة العدلية – التدوين القانوني، محاضر مجلس الأمة (مجلس الأعيان- مجلس النواب)، المناهج الحزبية، وثائق متفرقة، وثائق بريطانية.
ثالثاً- المقابلات الشخصية.
رابعاً- الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية.
خامساً- الكتب العربية والمترجمة (108).
سادساً- الكتب الأجنبية (38).
( يقع الكتاب في 772 صفحة) الكتاب في الأصل رسالة ماجستير بتقدير جيد جداً، من جامعة بغداد، بأشراف الدكتور محمد محمد صالح.
تفصيل تخريج وتوثيق الكتاب:
المؤلف: جعفر عباس حميدي، التطورات السياسية في العراق 1941-1953، مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 1976م الموافق 1396هـ.
- ساعدت جامعة بغداد على نشره، رقم التعضيد 62 لسنة 1975م.
- رقم الإيداع في المكتبة الوطنية ببغداد 1049 لسنة 1976م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق