المقدمة:
هذه فصولٌ سبعة أرٌيد بها الوقوف عند مفهوم الشعر عند العرب القدماء وأهم قضاياه، مقارناً-أحيانا- بمفهومه عند المعاصرين.
والبحثٌ في الشعر العربي بحر زاخر بكل بديع عجيب، ولا بدَّ من دراسة أصوله وأسسه التي بٌني عليها قبل الخوض النظريات الأدبية والنقدية الحديثة التي تنطبق على الشعر أكثر من أنطباقها على الشعر القديم.
وفصول هذا الكتاب هي: مفهومٌ الشعر عند العرب، وقد وقف البحث عند المعالم العامة التي تلقي ضوءاً عليه. وجرى مِثلٌ ذلك في الفصول: نظم الشعر، موسيقى الشعر، ولغة الشعر، وصور الشعر، واتساق الشعر. وهذه الفصولٌ من أهم ما يتصل بالشعر العربي القديم، وتتصل بالشعر الحديث إلى حَدّ كبير إِلاّ ما كان من نظريات استجدَّت في العصر الحديث، وكان معظمها وافداً يمثلٌ الشعر الأجنبيَّ أكثر مما يٌمثّلٌ الشعر العربي.
إنَّ دراسة مفهوم الشعر عند العرب تٌعدَّ منطلقاً مهماً لفهمه، ولابدَّ قبل إرساء الأصول الجديدة مِن قَتْلِ القديم دَرْسا، لأنه يمثل طبيعة الشعر العربي في مسيرته الطويلة، ولا يبعد الشعر الجديد كثيراً عنه في اللغة والصياغة والتصوير إلا ما استجدَّ من أساليب ابتدعها المعاصرون الذين يٌمثلون زمانهم، إَذ لكل عصر فنونٌٌه، ولكل مبدع أسلوبٌه، ولا يتأتىَّ الإبداع من الفراغ، وإَنمّا هو امتدادُ للقديم، وبناءُ جديد يستشرفُ المستقبلَ الذي قد تكن له فنون جديدة، وأساليبُ فريدة، وهكذا تتواصل موجاتُ الإبداع والتجديد.
وهذه الفصول السبعة ترسُمُ خطوطاً عامة لمفهوم الشعر العربي، وقد تُثير نقاشاً يؤدي إلى استكشاف آفاقٍ جديدةٍ للدراسة التنظرية قَبْلَ البَدْءَِ بالدراسة التطبيقية التي تستند إلى أسس التنظير القويم. وأُلْحِقََتْ بها المصادر* لتكن دليلا لمن يريد البحث في قضايا الشعر، وقد جمعت بين القديم والحديث، واتصلت بمفهوم الشعر العربي اتصالاً وثيقاً.
* اشتملت الدراسة على 191 مصدراً.
تفصيل قائمة المحتويات
- مفهوم الشعر: الشعر، القصيدة، الشاعر، أقسام الشعر، أغراض الشعر، غاية الشعر.
- نظم الشعر: الشياطين والعرائس، التنقيح، أوقات النظم، خطوات النظم.
- موسيقى الشعر: الوزن، القافية، الخروج.
- لغة الشعر: اللغة ونموها، خصائص الألفاظ، الشعر لغة خاصة.
- معاني الشعر: مسألة المعاني، ألفاظ الشعر ومعانيه، تجدد المعاني، عمود المعنى، أنواع المعاني، الغموض، المعاني الخاصة للشعر.
- صور الشعر: الصورة، المحاكاة، الخيال.
- أتساق الشعر: ألاتساق، الوحدة، القدماء والوحدة،المعاصرون والوحدة، العقاد، طه حسين، آخرون.
الخاتمة، قائمة المصادر.
تفصيل تخريج وتوثيق الكتاب
- د. احمد مطلوب الناصري، فصُول في الشِعر، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1420هـ - 1999م.
- رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 314 لسنة 1999.
- يقع الكتاب في 270 صفحة، 24سم.
الخاتمة
هذا ما كان مِن أمْر الشعر عند العرب القُدامى وبعض المعاصرين، ولكنْ أيظل مفهومه عربَيا بعد أن ارتفعت أصواتُ تدعو إلى تجاوز لغته وطمس أوزانه وقوافيه؟ وهل سيكون في القرن القادم "غريبَ الوجه واليد واللسان" كما قال المتنبي شاعر العرب الأكبر؟ وهل سيقول الأتون"ما شِعْرنا بشعر العرب" كما قال عَمْرو بن العلاء عن لغة حمير:" ما لسانُ حِمْير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتُهم بعربيتنا"؟
وأكبر الظن أنه على الرغم ن كل تزييف سيحتفظ بسماته العامة، وسيبدأ في القرن الحادي والعشرين يُعيد رسومه الأصلية كما أعادها رجال النهضة العربية في مطلع القرن العشرين، وسيكون صوت الأمة المعبرَ عن أهدافها ورسالتها في الحياة الكريمة، لان القرن القادمَ عَهْدُ تَحدّ للعرب، وعَهْدُ غَزْو ثقافي يقتلع الجذور ما لم يقف المبدعون موقفاً عربياً، ويتقدمون الصفوف كما تقدمها المؤمنون بأمتهم يوم رانَ عليها ظلام رهيب، ولفّها ليل بهيم.
إنَّ الشعر عند العرب هو كما الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)-:(( علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه))، لأنه (( ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، واليه يصيرون)). وسيكون له دور كبير في استنهاض الهمم، وتحدي مَنْ يريد بالأمة العربية شَرَّا، وهو بمفهومه العربي أكثر تأثيراً من شعر يبعث الخَدَرَ في النفوس، ويُبْعِد القوم عن معترك الحياة، ويجعلهم يهيمون في كل وادٍ، بعيداً عن واقعهم وما تطلبه الأمة منهم في الزمن الصعب، عصر التحديات.
إنَّ في الأفق الأدبي اليوم سَحابا خلبَّاً وسرابا (( يَحْسَبُهُ الظمآنُ ماءً، حتى إذا جاءَه لم يَجِدْه شَيْئاً)) وعلى الشعراء الآتين أنْ لا تخدعهم دعاوى باطلة، وعليهم أنْ يُعَبروا عن الواقع فَضْحاً للزيف، وهتكاً للضلالة، وكشْفاً عما يُبيّته الأشرار. وحينما يقف الشاعر مع أمته يحق لها أنْ تُقيم له التكريم كما كان العرب يكرمون الشاعر، إذ (( كانت القبيلةُ من العرب إذا نبغَ فيها شاعرُ أتَت القبائلُ فهنَّأتها، وَصَنعَت الأطعمة، واجتمع النساءُ يلعبن بالمزاهِر كما يَصْنَعون في الإعراس، ويتباشرُ الرجالُ والولدْان، لانّه حمايةُ لإعراضِهم، عن أحسابهم، وتخليدُ لمآثرهم، وإشادةُ بذكْرِهم)).
ولن يكون الشعرُ عربياً ما لم يتمثل روحَ الأمة، وما لم يكن منهج أصيل لكي لا يُقال للعرب (( هذه بضاعتُنا رُدَّ الينا))، وقد كان للعرب القدامى منهج لاحِبُ ترسَّمه المبدعون، ونهل منه الدراسون. فهل يكون للنقد الأدبي عند العرب منهج سديد يُعَبَّرُ عن أصالتهم؟ ذلك ما يلوح في الأفق، وإنَّ غداً لناظره قريب.
***
**
*
وبعد: فليست هذه الفصولُ فَصْلِ الخطاب، وإنّما هي صُور يهتدي بها مَنْ يشاء، وما هذا الكتابُ الذي ضمَّها إِلاّ تمهيدٌ لدراسات تطبيقية تنهل من التراث العربي ما تنهل، وتأخذ من الجديد ما فيه الخير العميم.
د. احمد مطلوب الناصري
عضو المجمع العلمي وأمينه العام
بغداد – السبت
الأول من محرم الحرام 1420هـ
17 نيسان 1999م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق