الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

شعر الخاصة في العصر العباسي الثاني

نال الشعر العربي اهتماما كبيرا عند الدارسين ، فتناولوا موضوعاته وخصائصه وميزاته وغير ذلك بالبحث والدراسة، وقد تأتى هذا الاهتمام لما للشعر من منزلة عظيمة في نفوس ابناء العربية على اختلاف مستوياتهم وثقافاتهم.
وقد شهدت الحقبة الزمنية المحصورة بين (232 هجرية – 334 هجرية)،المتمثلة بالعصر العباسي الثاني، ازدهاراً شعرياً كبيراً، ونمواً واسعاً في عدد من الإغراض الشعرية ذات السمات والخصائص المميزة، فضلا عما شهدته هذه الحقبة من تجديد في بعض الإغراض الشعرية التقليدية، واستحداث لموضوعات لم تطرق .
وموضوع هذا البحث يتناول – بالدراسة والتحليل – شعر فئةٍ انمازت عن فئات المجتمع العباسي، هي فئة الخاصة، التي اتسمت بالمكانة الاجتماعية المرموقة والسلطة والنفوذ في الدولة والمجتمع، فكان منهم : الوزراء، والكتاب، وأصحاب الدواوين، والقضاء وغيرهم، فقد اثر عن هؤلاء شعر ذو قيمة فنية متميزة وخصائص وسمات بارزة استحقت البحث والدراسة.
وربما يحق لسائل، بعد قراءة الرسالة، إن يسأل: ما الذي منع من دراسة شعر الخلفاء في هذه الرسالة، مع أنهم يمثلون خاصة الخاصة، وعلية القوم، بل هم أصل الخاصة وأصولها. وجواب ذلك: انه قد كفانا مؤونة ذلك، الباحث – احمد حسين محمد الساداني، في رسالته للماجستير الموسومة بـ (شعر الخلفاء العباسيين ) والمقدمة الى جامعة الموصل كلية الآداب، فبعد تقويم الرسالة والتثبت من مادتها وما حوته من منهج عام شامل وتفصيلات داخلية دقيقة، ثبت لي أنها قد أحاطت بالموضوع وشملت جوانبه مما يغني عن الخوض في تفاصيل شعر الخلفاء .
وأود إن الفت النظر الى إن فكرة هذه الرسالة مستوحاة من مقالة الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي التي نشرها في مجلة كلية الشريعة لسنة 1978 – 1969 م والمسماة بـ (نظم الشعر عند خاصة العباسيين)، إلا ان الملاحظ على هذه المقالة:
انها دراسة ركزت الاهتمام على شعر الخلفاء من خاصة في اغلب صفحاتها دون ان يكون لغيرهم اثر واضح فيها .
***
تخريج الرسالة:
- شعر الخاصة في العصر العباسي الثاني.
- الباحث: سلام احمد خلف الدليمي.
- المشرف: د. فاضل بنيان محمد.
- رسالة ماجستير غير منشورة.
- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الجامعة الإسلامية، بغداد، كلية اللغة العربية وعلوم القران، التخصص: أدب عباسي، (1420هـ - 1999م).
- عرض وإيجاز ونشر على شبكة الانترنت: السفير انترناشونال للعلوم الإنسانية، ضمن مشروعها: ببليوغرافيا أراكي.. بغداد تكتب، تطبع، تقرأ .

alsafeerint@yahoo.com
TEL: 964 7707902338

***
محتويات الرسالة:
المقدمة:التمهيد:
مفهوم الخاصة وعوامل نشأتها، الحياة العامة في العصر العباسي الثاني، الشعر في العصر العباسي الثاني.
الفصل الأول:
الدراسة، الموضوعية،مدخل،الوصف، الغزل،الهجاء،المدح، الشكوى، الفخر،الرثاء، الاخوانيات، الزهد، موضوعات أخرى..
الفصل الثاني:الدراسة الفنية،مدخل، ظواهر بنائية في شعر الخاصة، اللغة والأسلوب، الصورة الشعرية، موسيقى النص الشعري.
الخاتمة ،مصادر البحث ومراجعه وقد شملت 146 مصدر أساسي ومرجع حديث، ملخص باللغة الانكليزية.

الخاتمة
وبعد، فان لكل بداية نهاية، ولكل حديث خلاصة وغاية، ولا بد من وقفة تأمل واستذكار لما حققه البحث من مقاصد، وما توصل إليه من نتائج. لذا فقد أثمر البحث عن نتائج نود تثبيتها هنا لتعيين الباحثين على معرفة ما اكتنزه شعر الخاصة من معالم أدبية:
تبين لنا ان طبقة الخاصة تمثل فئة من فئات المجتمع العباسي امتازت بما تمتلك من سلطان التأثير على طبقات العامة، فهي الطبقة العليا وهي الفئة المهابة، لذا التفتت إليها أعين المؤلفين المتقدمين كما نجد ذلك في كتاب (خاص الخاص) للثعالبي، فقد عقد فيه بعض الأبواب التي تتعلق بالخاصة .
تمثلت الخاصة كما أدته الدراسة في أصحاب المناصب الإدارية لذا سلط الضوء على طبقة خاصة أولاد الخلفاء (استثنينا الخلفاء، لأنهم سبقت دراستهم من باحث آخر كما مر ذكر ذلك في المقدمة)، والولاة، وكتاب الدواوين، والقادة، والأمراء، والوزراء، والقضاة، والندماء. وذلك ضمن المدة الزمنية المحصورة بين (232 هجرية – 334 هجرية).
لا نعدم التفاوت في الخصوصية بين طبقات الخاصة، وهذا التفاوت قد يكون نابعاً من اضطراب حياة الفئة العليا، إذ هي مزيج من التناقضات التي جرت إليها تلك الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لذا يظهر لنا في شعرهم خليط عجيب من النظرات والأفكار إذ لم يغن عنهم انتمائهم الى فئة واحدة.
لقد نسج شعراء الخاصة مع الإغراض الشعرية كثيرا من الموضوعات المستجدة التي تبنوها من طبيعة العصر الذي كان يرنو الى التجديد الذي أصابه اثر الثقافات الأجنبية، فلم يكن شاعر الخاصة يمدح أو يهجو أو يرثي كما كان يفعل شاعر العصر الأدبي السابق كما نجد ان الغرض الشعري أضحى يمثل استقلالا تاما في القصيدة العباسية ، فالشاعر يشرع بذكر غرضه الأساس دون ان تكتنفه المقدمات الطللية أو وصف الرحلة ، وما الى ذلك مما كان يعالجه الشاعر القديم .
هناك شعراء من الخاصة تمكنوا من إرسال قواعد جديدة لباب في شعر الوصف العربي وهو شعر الطبيعة الذي نما واستطال على يد الصنوبري والقاضي التنوخي الكبير وغيرهما من الخاصة .
والفينا في اوصافهم من يتخطى جانب المنهج الشكلي الى حال من التفاعل الوجداني المرهف مع الشيء الموصوف ، وهذا مما يبعث في نفس الشاعر احاسيس اجتلبتها من بيئته الخاصة وطبيعة حياته التي يعيشها .
غدا شعر الهجاء عند الخاصة يعبر عن نزعة شعبية استقلت في مقاطعات قصيرة لم ترتق الى مصافي القصيدة العربية ، واكثر ما غلب عليه ميله الى الفكاهة والسخرية الى الحد الذي يفقد فيه الجدية .
واغلب الاتجاهات التي سادت هجاء الخاصة هو ما يتعلق بنقد الواقع الذي تعيشه دار الخلافة ، وهذا ولا شك وليد الحياة السياسية المضطربة التي كان يعيشها العصر العباسي الثاني كل ذلك دفع شعراء الخاصة – بحكم موقعهم من الخلافة – الى هجاء الملوك والقادة والوزراء وغيرهم من المتنفذين.
ازدهر غرض الغزل عند شعراء الخاصة في ذلك العصر ازدهاراً كبيراً في حين لم يختلف هذا الغرض عما كان عليه في العصور السابقة من حيث مضامينه العامة ، الا انه شهد تطوراً وتجديدا في هذه الحقبة من خلال استحداث صور شعرية، بتأثير طغيان الثقافات الدخيلة المتنوعة ، وما كان يتمتع به شعراء الخاصة من ترف معيشي وثقافي .
في حين نجد ان إغراضاً أخرى، كالمديح والفخر، كان التجديد في صورها الشعرية وأخيلتها قليلاً قياساً بالغزل.
اظهر البحث ان غرض الاخوانيات قد حظي باهتمام شعراء الخاصة، ورجح الباحث بان سبب ذلك تنوع موضوعات هذا الغرض، ومناسبته لحال تلك الشريحة، إذ ان المنادمة والمعاتبة وسواهما مما تتلاطف به الخاصة في مجالسها، فهو ليس كالمديح، الذي يبتغي الشاعر من ورائه مالا ، وليس كالهجاء، الذي يشتد عند استعار العصبية القبلية أو المشاحنات الفردية، فيكون الهجاء استفراغاً لمثل تلك المنازعات.
ونلحظ في نصوصهم الشعرية التي نظموها في الاخوانيات، انها نهلت من نبع انتمائهم الأصيل، ووعيهم المدرك لمنزلتهم الخاصة المميزة وطبعهم المهذب الصافي، ومشاعرهم الصادقة الأمينة، بعد ان غابت عن وعيهم الغايات ذات الطابع النفعي.
اظهر البحث، من خلال الدراسة الفنية لشعر تلك الحقبة، ان ثمة أبحر شعرية قد وجدت لها متسعا رحبا في هذا النتاج، كالخفيف والسريع ومجزوء الكامل، ولعل من أسباب ذلك: ملائمة هذه الأبحر لإغراض شعراء الخاصة التي نظموا فيها، ومناسبتها لطبيعة التوجه الحياتي الذي ساروا عليه، ولا سيما أنهم عاشوا في الحواضر، فضلا عن بواعث أخرى، بعضها مرتبط بطبيعة هذه الأبحر، وما يمكن ان تهيء للشاعر فرصة ضخ الألفاظ ذات الجرس الموسيقي المميز والصناعة المنسوجة بنسج يتوافق وتفعيلاتها .
ولا نعدم انتشار الأبحر الهادئة ذات الإيقاع الثقيل مثل: الطويل والبسيط والكامل في النتاج الشعري في ذلك العصر إلا انها لم ترق الى مستوى الأبحر السابقة في الازدهار والشيوع، في حين قلت، قلة ملحوظة، أبحر أخرى، كالرمل والوافر والمتقارب.
ثبت لدينا ان شعراء الخاصة قد التزموا التزاما كبيراً ظاهرة (التصريع) في قصائدهم، وعزا البحث علة ذلك الى نمط الحياة الهادئة والوضع النفسي المستقر الذي عاشه هؤلاء الشعراء، فكان همهم ان يأتي نتاجهم الشعري مقتفياً الأثر الفني الذي سارت عليه عموم نصوص الشعراء الآخرين التي رافقت ولادتها وضعاً نفسياً مستقراً وهادئاً .
واظهر البحث في ظاهرة (التصريع) عند شعراء الخاصة حقيقة أخرى مهمة، هي تكرار التصريع في أبيات القصيدة الواحدة، حرصا من شعرائها على زيادة أنغام جديدة على النص الشعري، بغية توظيفها أكثر في خدمة الصنعة الفنية للقصيدة، مما يحقق لهم إحساساً اكبر باللذةِ الفنية .
التزم النص الشعري في قصيدة خاصة العباسيين بالوحدة الموضوعية، مع انه قد يبدو متعدد الموضوعات – فقد يدخل بعض الشعراء في نصوص المديح فخراً قبلياً او مدحاً للخصال او السجايا الذاتية التي يتصف بها الممدوح او الدعوة الى التحلي بمثل تلك الخصال باطار من القول الحكمي، كلها تكاد تكون موضوعاً واحداً وان بدت مشتملة على إغراض أخرى وذلك مما لا يقدح في وحدة العمل الشعري عند هذه الشريحة، بل يبدو الخروج الجزئي عن الموضوع الرئيس أمراً ضرورياً في العمل الشعري عندهم، إذ نلمس فيه تقوية وإسناد للأثر الذي يمكن ان يخلفه موضوع النص الشعري في نفس المتلقي عموماً.
مال شعراء الخاصة الى التحرر من التزام المقدمات التقليدية في مطلع قصائدهم، لذا جاءت الكثرة الكاثرة منها خالية من تلك المقدمات. وهي نتيجة تبدو اعتيادية بالنظر الى ميل القصيدة تحت ظل أولئك الشعراء – الى الالتزام بالوحدة الموضوعية للقصيدة، فضلا عما توفره حالة التخلي عن المقدمات التقليدية للشاعر من إمكانية طرق موضوعاته الشعرية دون الحاجة الى الوقوف على مقدماتها، مع إننا لا نلغِ – في الوقت نفسه – التزام قسم من قصائدهم المقدمات نتيجة لمناسباتها الحالات التي قيلت فيها القصيدة اذا توافرت لأصحابها ظروف مهيأة لإنشاء النصوص الشعرية ذات المقدمات التقليدية، على ان تلك المقدمات لم تكن سائرة في درب المقدمات التقليدية في شعر العصور السابقة، فلم يبق لقيم الموروث فيها سوى الخطوط العامة أو الإطار العام في حين جاء التعبير عن محتواها تعبيراً متميزاً وجديداً .
تلك أهم النتائج التي توصل إليها البحث اعتماداً على الاستقراء والتحليل والإحصاء ضمن مباحثه التي توخينا خدمة الأدب في حقبة مشرقة من تاريخنا العربي الزاهي.

ليست هناك تعليقات: