دأبت الدراسات عن تاريخ الجمهورية الأولى في العراق على تجاهل خطب المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم عند دراستها لتلك المرحلة، على الرغم من إن تلك الخطب تشكل الرؤى أو المنهاج الفكري والسياسي لقائد ثورة 14 تموز 1958م وصانع قراراتها، لذا نجد إن قلة من الباحثين والدراسين قد رجعوا إلى تلك الخطب عند دراستهم إحداث 1958م – 1963م.ويشير الأستاذ – ماجد شبر – في مقدمة كتابه (خٌطَب الزعيم عبد الكريم قاسم 1958م - 1959م)، لبدء مشروعه بتجميع خطب الزعيم (رحمه الله)، إلى بداية عمله قبل أكثر من 15 عاماً عندما حاولت الاطلاع على تلك الخطب في لندن عند كتابتي عن ثورة 14 تموز وتأثيراتها الاجتماعية فلم اجد لتك الخطب وجوداً( إلا لجزء بسيط منها لعام 1959م في جامعة لندن)، وقد بحثت في أغلب مكتبات الجامعات الغربية وكذلك في بعض الجامعات العربية عن تلك الخطب فلم يكن الحال مختلفاً بالرغم أن اغلب تلك الخطب قد صدرت في شكل كتيبات في العراق أبان فترة الجمهورية الأولى. لقد استطعت الحصول على قسم من الخطب المطبوعة في الجامعة الأمريكية في بيروت ومكتبة الأسد والقسم الآخر عن طريق الجرائد وما نشر في مجلدات محكمة الشعب (المحكمة الخاصة لمحاكمة رجال العهد الملكي المعروفة بمحكمة المهداوي)، وكذلك من المكتبات الخاصة.أما في العراق فقد كان المنع قائماً على نشر تلك الخطب منذ سقوط الجمهورية الأولى في شباط عام 1963م حتى سقوط نظام البعث عام 2003م ( لقد كان متاحاً فقط لطلبة الدراسات العليا في العراق الاطلاع على تلك الخطب في المكتبة الوطنية).لقد كانت الحكومات المتعاقبة في العراق والتي سيطرت على الحكم في العراق ولمدة 40 عاماً معادية عداءً سافراً لحكومة عبد الكريم قاسم وهذا ما اثر كثيراً على تشويه الحقائق، لذا يقف الباحث طويلاً عند تقيم تلك الدراسات والمذكرات الشخصية والسياسية لكثير من السياسيين حيث أن قسماً ليس بالقليل من تلك الأبحاث والمذكرات مع الأسف تجانب الحقائق وتبتعد عن الموضوعية.لقد انعكس الوضع السياسي على الدراسات العربية التيس بحثت وكتبت عن حكومة الجمهورية الأولى وقد لعب الأعلام القومي (الناصري) دوراً أساسياً في تشويه الحقائق بل خلق أكاذيب كثيرة وهذا ما اثر على إعطاء صورة غير حقيقية وغير صحيحة عن الزعيم عبد الكريم قاسم(رحمه الله) وعن إحداث 1958م – 1963م، ومما ساعد على رسوخ تلك الصورة المشوهة إن كل الحكومات المتعاقبة في العراق والمنطقة العربية مهما اختلفت فيما بينها فأنها متفقة من الموقف السلبي من حكومة الجمهورية الأولى (حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم.. رحمه الله). شهادات تقيم الزعيم: - عالم الاجتماع الكبير الدكتور: علي الوردي(رحمه الله).يقول الوردي في تقييم عبد الكريم قاسم والمرحلة:- أني أشير إلى موقف الزعيم عبد الكريم قاسم في هذه المرحلة الاجتماعية الهامة من تاريخنا.؟ فلقد أعلن غير مرة انه فوق الميول والاتجاهات، واعتقد انه صادق فيما قال، ولكني مع ذلك لا أستطيع أن اعد موقفه هذا خالياً م الدقة والحراجة. انه ليس قائد حزب إنما هو قائد بلد تتصارع فيه الأحزاب وهو معرض للحيرة أكثر من تعرض أي قائد حزب آخر، وكلما تأملت حرجة موقفه هذا شعرت بالثقل الهائل الموضوع على عاتقه.أنني اشعر بالعجز في سياسية صف واحد من الطلاب، حين يشتد الجدل بينهم، فكيف بالرجل وهو يقود ثورة كبرى كثورة 14 تموز وفي مجتمع كالمجتمع العراقي. المؤرخ الكبير المرحوم مير بصري يقول في عبد الكريم قاسم:- رجل فذ حكم العراق أربع سنوات ونصف. وقد تجاذبته التيارات المختلفة ذات اليمين وذات اليسار، من وطنية وقومية وناصرية وشيوعية وبعثية وانتهازية، فحافظ على توازنه بصعوبة بالغة ومهارة عجيبة كسالك على الحبل الممدود في الهواء.كان عبد الكريم قاسم مزيجاً من الجندي والراهب: فهو رجل عزم وكتمان لا تنفذ إلى العيون إلى قرارة نفسه يقّرر الأمر ويسره في صدره حتى ينفذه يوماً من الأيام، لا يرجع عنه ولا يغيره. وهو إلى ذلك إنسان عاطفي سريع التأثر كثير الرأفة والحنان، نزيه مخلص لا تغّره المادة ولا يستهويه الترف والثروة. كان مؤمناً بالمساواة الاجتماعية، فعين أول امرأة وزيرة في الحكومة العراقية.كان عبد الكريم قاسم رؤوفاً بالأقليات الكثيرة التي يزخر بها الوطن العراقي. فقد اعترف بحقوق الصابئة واليزيدية والأكراد والتركمان والآشوريين والبهائيين، ومنع تهجير الإيرانيين الساكنين في العراق، والغى قانون إسقاط الجنسية عن اليهود العراقيين، ومنح الجنسية العراقية لآلآف الأكراد الفيلية، ووجدت في مكتبه بعد وفاته مئات الوشايات والتقارير المتعلقة بمختلف الأشخاص والقوميات فكان يكتفي بحفظها وإهمالها. ويقول المرحوم عبد اللطيف الشواف، عن عبد الكريم قاسم:-رحم الله قاسماً فقد عاش ومات وقتل ثم أغرقت جثته في دجلة، بغدادياً حقاً مما تنطوي عليه هذه المدينة - بغداد- من احتضان للأعراق وثقافات وقيم وتقاليد عديدة. ولم يكن المرحوم قاسم منغلقاً على عرق معين من واحد أو اكثر من هذه الأعراق، أو معه من دين أو تمايز طائفي أو جهوي أو موروث فلكلوري يؤثر على مزاجه الاجتماعي والروحي والثقافي.لقد تميز عهد الجمهورية الأولى بأنه من العهود التي لم تعرف عمليات سرقة واستيلاء على المال العام ولا انتفاخ جيوب الوزراء والمسؤولين ورؤساء المؤسسات في القطاعين العام والاشتراكي من العمولات التي تودع في الخارج، واستيراد البضائع من الشركات التي تدفع أعلى نسبة عمولة للموظفين المسؤولين عن استيراد تلك المواد في عهد البعث الزاهر!!!.
تخريج الكتاب:- إعداد وتقديم ماجد شبر، خٌطَب الزعيم عبد الكريم قاسم 1958م – 1959م ، شركة دار الوراق للنشر المحدودة، الطبعة الأولى، لندن، 2007م،.- تصميم الغلاف: جبران مصطفى، لوحة الغلاف الفنان: محمد صادق.- الناشر: شركة دار الوراق للنشر المحدودة، لندن. warraklondon@hotmail.com-
عرض وإيجاز ونشر: السفير انترناشونال للعلوم الإنسانية – بغداد(ضمن مشروعها أراكي أبجدية الحرف والكلمة والتدوين – بغداد تكتب .. تطبع.. تقرأ)، alsafeerint@yahoo.com
TEL: 964 7901780841
فهرست الكتاب: وتضمن تسلسل خطب وكلمات الزعيم، والبالغ عددها 88، تسبقها مقدمة الكتاب الموسعة، كمدخل موسع ومستفيض للتعريف بشخصية الزعيم والظروف العامة التي مرت بها مرحلة حكمه.
المصادر التي اعتمدها المؤلف:
1- مبادئ 14 تموز في خطب الزعيم، مطبعة الحكومة، بغداد، 1958م.
2- مبادئ 14 تموز في خطب الزعيم، مطبعة الحكومة، بغداد، 1959م.
3- مجلدات المحكمة العسكرية الخاصة (22 مجلد) مطبعة الحكومة، بغداد، 1958م – 1959م.
4- خطب الزعيم، كراسات، مطبعة الحكومة، بغداد، 1959م.
5- د. علي الوردي، الأحلام بين العلم والعقيدة، لندن، 1994.
6- عبد اللطيف الشواف، عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون، دار الوراق، لندن، 2004.
7- مير بصري، إعلام السياسة في العراق الحديث، دار رياض الريس، لندن، 1987م.
8- إسماعيل العارف، إسرار ثورة 14 تموز، مكتبة الماجد، لندن، 1986.
من هنا وهناك، مقتطفات من خطب الزعيم الخالد:-
- هدفنا في العالم هدف سلمي وليس لنا عدوان على أية دولة من دول العالم.
- نريد رفع مستوى شعبنا.
- كان مركزي في الجيش جيداً، فلم أكن مغبوناً ولا كنت متاخراً ولكنني نظرت إلى ابن الشعب وابن الشارع والبلد ومصالحه.
- ان الماء ماؤكم فاطلبوا وما علينا إلا التنفيذ.
- كنا لا نتمكن من التجارة إلا من جهة واحدة أما الان فإننا استطعنا أن نحصل بــ (100) ألف دينار ما كنا نحصله بمليون دينار.
- عليكم بالتسامح نحو الاخوان والأصدقاء وعفى الله عما سلف والإنسان غير معصوم من الأخطاء وهذا التسامح هو مبدأ من مبادئ التعاون بين أفراد الشعب المخلصين.
- أن الإصلاح الزراعي في طريقه إلى التنفيذ وسنعمل على رفع مستوى الفلاح ومستوى أفراد الشعب كافة ولكننا سوف لن ننكل بالملاكين ونظلمهم بل سنوقظ ضمائرهم ووجدانهم نحو أخوانهم أفراد هذا الشعب وبذلك سيسايرون ركب الانطلاق والتحرر والمساواة.
- تغمرني الان معكم فرحتان الأولى اجتماعي بكم كأفراد من أبناء هذا الشعب تتمثل بأشخاصكم، والثانية اجتماعي برجال الدين والإفراد الروحانيين من الطوائف المسيحية.
- لا فرق ولا تفريق بين الطوائف والعناصر. كل الإفراد متساوون في الحقوق تحت ظل العدل والحرية ونعمل جميعاً لبناء كيان أفضل للمستقبل. متحرراً من القيود وسائراً نحو عالم الحرية والنور.
- أصحاب الرأي والفكر لهم الفضل في توجيه الرأي العام توجيهاً سليماً.
- سوف لن نحيد عن أهدافنا لا يميناً ولا يساراً بل سنتجه إلى الأهداف التي تؤمن مصلحة الشعب دائماً.
- لقد وضعت التصاميم لتامين إنجازات وإصلاحات واسعة منها نظام توزيع الأراضي الذي سيرضي الفلاح والملاك وصاحب الأرض على السواء.
- أوصيكم بالتسامح والعفو عند المقدرة وهما العنصران اللذان يدفعان بالإفراد إلى الغايات النبيلة دائما.
- لقد كانت الشركات الأجنبية في السابق تشترك بالمقاولات والعقود بأوراق بيضاء فقد مدون عليها اسم الشركة فقد دون أي رصيد أما الان فقد عملنا على ضرورة إدخال رؤوس أموال الشركات إلى البلاد من الخارج والاستفادة منها في الداخل لخير الشعب.
- إنني إذ أعلن مولد قانون الإصلاح الزراعي إنما أسجل بفخر واعتزاز نهاية الإقطاع في العراق وحلول عهد جديد فيه خير كثير لأبناء الشعب كافة.
- إني أصارحكم يوم جئنا للمسؤولية والخزينة مدانة أربعة ملايين ونصف دينار.
- هذا يقول إن هذا قومي، والآخر يقول هذا شيوعي وهذا بعثي وهذا ديمقراطي، وانا أقول هذا وطني ابن البلاد.
- وبعد مدة وجيزة سوف لا ترون أي كوخ أو صريفة أو بيت خاوٍ داوٍ.
- إن الباري عزَّ وجلَّ إذا منح قوماً الحرية فمعنى ذلك أنه منحهم الحياة.
- إنني سوف أٌفنى في سبيل خدمة الشعب وبعد مماتي، سوف تبقى روحي نصيراً له.
***
لله درك ياكريم الفقراء وزعيمهم الخالد، مذ كان العراق عراقاً في جبين التاريخ وعلى اديم هذه الأرض، مذ سطوره الاولى والى يومنا هذاً.. من غيرك حكم البلاد والعباد وخرج من الدنيا مغدوراً دونما بيت.. دونما شيئاً يذكر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق