الأربعاء، 29 فبراير 2012

البراغماتية في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر، رسالة ماجستير(غير منشورة) تقدم بها الطالب: ميثاق مناحي دشر العيساوي، إلى مجلس كلية العلوم السياسية – جامعة بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، فرع الفكر السياسي، بإشراف: الأستاذ المساعد الدكتور عامر حسن فياض، شوال1432 هـ - بغداد- تشرين الأول 2011 م.

المقـدمـــة

البحث في الفكر السياسي الأمريكي لا بُدَّ أنْ يشكل أهمية كبيرة بالنسبة للمجتمع الإنساني, على الرغم من أن جذور هذا الفكر ليست بالبعيدة كما هو الحال في الفكر السياسي الأوربي . إلا انه استطاع أن يثبت جدارته في الساحة الفكرية العالمية بوصفه فكراً عالمياً, فقد كانت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر في بداية وعيها بإمكانيتها الثقافية بعد زمن الحرب الأهلية, حيث كان النشاط الفلسفي الأمريكي لحقبة طويلة من الزمن مجرد انعكاس للتأثيرات الأوربية - ويستطيع الملاحظ المدقق في الساحة الأمريكية في أوائل القرن التاسع عشر أن يلاحظ كما لاحظ بحق ( توكفيل ):" أن الفلسفة لم تؤخذ بأي قرن من قرون عالمنا المتحضر بصورة جدية بقدر ما أخذت بها في الولايات المتحدة الأمريكية. وربما يعود هذا إلى أن الفلسفة قد بدت على درجة كبيرة من الغموض وبصورة بعيدة للغاية عن اهتمامات دولة ناشئة قوية ".[1]
وقد شهد القرن الثامن عشر دفعة قوية جاءت على يد فلاسفة التنوير الفرنسيين، كما شهد القرن التاسع عشر دفعة أخرى جاءت من الرومانسية الألمانية، ألا إن منتصف القرن التاسع عشر قد شهد انتعاشاً فلسفياً جاء رافضاً للتقاليد الأوربية والأكاديمية السائدة . وفي غمرة هذا الانتعاش الفلسفي برز أول مذهب فلسفي - فكري يمكن إن ينتسب إلى الأرض الجديدة، إلا وهو المذهب العملي البراغماتي. ليتبلور خلال تطوره التاريخي بشكل فكر رسمي ساد القارة الأمريكية والعالم اجمع, وليصبح بعد ذلك الصياغة الحقيقة للفكر الأمريكي ولاسيما فكرها السياسي - الاقتصادي والمعبر عن الثقافة الأمريكية المعاصرة، ليطلق عليه بعد ذلك بالفكر السياسي الرسمي. ولاسيما بعد الانتعاش الفلسفي والفكري للقارة الأمريكية أو العصر الذهبي التي عاشتها الفلسفة الأمريكية إبان تلك الفترة التي عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون بذلك واحداً من أهم الأسس التي أنبنى عليها الفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وعاملاً مهماً في بناء الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة، لكون هذا الفكر يركَّز على المنفعة في الأفكار والنظريات مهما تكن هذه الأفكار إذ الغاية والنجاح هما الحكم والفيصل في قياس مدى أهمية الفكرة ونفعها والنتائج المتمخضة عنها. ليحتل هذا الفكر بعد ذلك السيطرة المطلقة على السياسة الأمريكية ولاسيما على الصعيد الخارجي وفي إطار العلاقات الدولية. ونتيجة لهذا أصبح الفكر السياسي الأمريكي فكراً براغماتياً وهو في جوهره نهج محافظ يرى من حقه إتباع كل وسيله ممكنة في سبيل الوصول إلى حقه في البقاء وان المصلحة والمنفعة والذاتية هي معيار الصدق والأخلاق . فبهذا أصبح الفكر البراغماتي الترجمة السلوكية الحقيقة للفكر السياسي الأمريكي والسياسة الأمريكية المعاصرين .
أهمية الدراسة ودواعي الاختيار
تكمن أهمية دراسة الفكر البراغماتي من كونه يبحث في واحدة من الأفكار الرئيسة للفكر السياسي الليبرالي الأمريكي فقد أثرّ تأثيراً مهماً في صياغة الثقافة الأمريكية والأطروحة الأمريكية المعاصرة، ليس على صعيد السياسة الداخلية فقط، وإنما الأهم من ذلك على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية ورسم مصلحتها القومية العليا وإستراتيجيتها. لأن الفكر الأمريكي قائم على مرتكزين ( المادي والبراغماتي ). فمن هنا تكمن أهمية البحث في هذا الفكر.
 وعلى الرغم من كثرة التيارات الفلسفية والفكرية التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ حوالي منتصف القرن التاسع عشر وحتى ألان ألا إن البراغماتية تعدٌ لأسباب عديدة أهمها جميعاً، فهي الفلسفة التي عبّرت عن واقع المجتمع الأمريكي وعن نجاح أفراده في التكيّف مع البيئة الجديدة التي انتقلوا إليها منذ اكتشاف أمريكا ونزولهم إليها ومحاولة مواجهة كل الظروف الطبيعية والبيئية الصعبة والتغلب عليها وتحويلها إلى أدوات أدت إلى هذا التقدم الهائل الذي تشهده الآن الولايات المتحدة الأمريكية كما أنها ومن خلال تأثر إعلامها بنظرية التطور – التي تعتبر من الفلسفات الديناميكية التي سعت وسعى أتباعها باستمرار إلى التطور والتجديد والنظر دائماً إلى المستقبل والبحث عن عوامل النجاح فيه. ليكون هذا واحداً من أهم الأسباب ودواعي البحث وأهمية المعاصرة التي دفعت الباحث لاختيار هذا الموضوع هذا من جهة . ومن جهة أخرى اعتبار هذا الفكر - الفكر الذي عبر عن واقع المجتمع الأمريكي الجديد الذي صنعه الإنسان في أمريكا عبر حبه للمغامرة وقدرته على التكيّف مع الواقع الجديد وقبوله للتغير والتجديد في كل شئونه فكرياً وسياسياً واجتماعياً وباعتباره أصبح ونحن عشنا نهاية القرن العشرين ومازلنا نعيش بداية القرن الواحد والعشرين هو الفكر الأكثر انتشاراً وشيوعاً في عالم اليوم شرقه وغربه، إذ أصبح إنسان اليوم في كل بلدان العالم تقريباً أنساناً براغماتياً مادياً نفعياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى فهو لم يعد يستهدف من إي سلوك أو من إي فعل قيمة أخلاقية أو دينية بل أصبح كل همّه السؤال عن النتائج العملية والمفيدة التي ستترتب على هذا السلوك أو ذاك . 
فواقعية هذا الفكر المعاصر كانت واحدة من أسباب ودواعي اختيار الموضوع . كذلك من الأسباب التي دفعت إلى هذا البحث هي الطريقة أو الكيفية التي وظفت فيها الولايات المتحدة الأمريكية هذا الفكر في سياستها المعاصرة لتحقيق مصلحتها القومية العليا وانفرادها في الصدارة العالمية وعلى الصُعُد والنواحي كافة خالقة بذلك الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة، التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ البشرية. وهذا في ظل ما تمتلكه من تقدم من الموارد البشرية وغير البشرية وما تمتلكه من تعامل براغماتي واقعي في سياستها الخارجية التي مكنتها من بناء تلك الإمبراطورية . وكذلك على الرغم من أهمية هذا الفكر ومكّانته العالمية إلا انه لا يزال مجهولاً في المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع العراقي بشكل خاص فهو مجهول حتى من المتخصصين بهذا الشأن، إضافة ألا انه موضوع حيوي ومعاصر ولم تكن هناك رسالة أو أطروحة مختصة في هذا الفكر بوصفه فكراً سياسياً معاصراً سواء في كلية العلوم السياسية أم حتى في الكليات والجامعات الأخرى سوى بعض الدراسات البسيطة والمحددة بشخص أو شخصيه واحدة. وهذه جملة من الأسباب التي جعلت هذا الموضوع محطة اختيار فضلاً عن الرغبة الشخصية بدراسة الفكر البراغماتي بشكل خاص والفكر الأمريكي بشكل عام.
فرضية الدراسة:
تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساس مفادها: أن الفكر البراغماتي جسد دوراً كبيراً ومؤثراً في الفكر الأمريكي المعاصر بأبعاده الدينية والأيديولوجية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ليصبح إحدى المرتكزات الرئيسة السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا تسعى الدراسة للإجابة عن جملة تسأولات منبثقة من الافتراض العملي ولعل أهمها مايأتي :
ما تعني البراغماتية؟ كيف نشأت البراغماتية؟ متى؟ ولماذا؟ وهل لها عمق فلسفي تاريخي في الفلسفة الإغريقية والفلسفة ألحديثه والوسيطة؟ أم انَّه نشأ بالمصادفة المجردة في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما أنواع وسمات هذا الفكر؟ وما الاتجاهات الأمريكية التي مهدت لظهور الفكر البراغماتي؟ وكيف تطّور تاريخياً؟ ومن إعلام هذا الفكر؟ وكيف استخدموه؟ هل بنسق واحد؟ أم هناك تعدد واختلاف في استخدام هذا الفكر؟ ولماذا اضطر ( بيرس) لتغير براغماتيتة إلى اسم أخر؟ وما معيار الحقيقة بالنسبة للفكر البراغماتي؟ وما سر نجاح هذا الفكر في أمريكا ؟ وعلى الساحة العالمية؟ وكيف تغلغل هذا الفكر في الخطاب الأمريكي المعاصر في الدين والسياسة والاقتصاد؟ وماهية الصورة الجديدة لهذا الفكر؟ وما أخر تجليات هذا الفكر على صعيد الفكر السياسي الأمريكي المعاصر؟ ومدى تأثر المدرسة الواقعية بهذا الفكر؟ ومدى تأثيره أيضا في صياغة المشروع الحضاري الأمريكي؟ ولماذا أطلق عليه الفكر السياسي الرسمي للولايات المتحدة؟ أسئلة عدة تحاول هذه الدراسة الإجابة عنها انطلاقا من فرضيتها العلمية .
صعوبات الدراسة
لا بد أن تكون هناك صعوبات عدة تواجه الباحثين خصوصا طلبة الدراسات العليا ولاسيما طلبة الماجستير بسبب قلة الخبرة في كتابة هذا النوع من الدراسة. والصعوبات التي تواجه الباحثين أصبحت من الأمور البديهية والمعروفة لدى الجميع ومعلومة للكثير، إلا أن هذه الصعوبات تختلف باختلاف الموضوعات والباحث في الفكر البراغماتي بوصفه فكراً سياسياً عانى من بعض هذه الصعوبات وهذه الصعوبات تتمثل في :
        · ندرة المصادر، والمقصود هنا بقلة المصادر ليس عدم وجود مصادر، وإنما المصادر التي تناولت هذا الفكر اقتصرت على بحثه بوصفه فلسفة وليس فكراً سياسياً. فقد واجه الباحث صعوبة كبيرة في استخراج ماده سياسية ولاسيما في الفصل الثاني، كذلك صعوبة الحصول على المصادر الانكليزية المعنية بهذا الموضوع مباشرةً  الأمر الذي دفع الباحث الاعتماد على مصادر انكليزية محدودة وبشكل غير مباشر والاعتماد على الكتب المترجمة بشكل اكبر. إما بالنسبة للمصادر العربية مثلت صعوبة كبيرة بالنسبة للباحث بسبب عدم تناولها لهذا الفكر بشكل موضوعي، وكذلك عدم وجود دراسات سابقة فيما يخص هذا الفكر.
        · هناك صعوبة كبيره في تفكيك النص لكون أكثر النصوص ـ نصوص فلسفية .
مناهج الدراسة
اقتضت المنهجية العلمية في هذه الدراسة الاعتماد على مناهج أساسية لتحقق من صحة الفرضية والمناهج هي (المنهج التاريخي الذي اعتمد بشكل كبير في انجاز هذه الدراسة والمنهج التحليلي وكذلك المنهج المقارن)، لأن موضوع الدراسة يفرض على الباحث عدم التقيد بـ أداة تحليلية واحدة من  دون أخرى .
مشكلة الدراسة
  تكمن المشكلة الرئيسة في هذه الدراسة في الشكوك والجدل اللذين أثيرا بين الباحثين حول أصالة الفكر البراغماتي الأمريكي الذي عدّه بعضهم فكراً أمريكيا بحتاً لا يتمتع بالعمق الفلسفي والأصالة الفكرية. كما هو الحال بالنسبة للاتجاهات الفلسفية والفكرية المعاصرة على الساحة الفكرية العالمية التي تتمتع بعمق فلسفي وأصالة فكرية تاريخية هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك الكثير من الباحثين الذين يعتبرون هذا الفكر ـ فكراً مغموراً ظهر لفترة وتلاشى بعد ذلك ولم يعُد له اليوم دور في عالمنا المعاصر ولا يصلح للتعامل ألا في البيئة الأمريكية لكونها بيئة متعددة الأعراق.
هيكلية الدراسة :
 الفصل الأول: ماهية البراغماتية : المفهوم ــ الأصول ــ النشأة .
المبحث الأول: مفهوم البراغماتية وأنواعها
المطلب الأول: البراغماتية لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثاني: أنواع البراغماتية. 
المبحث الثاني: الأصول الأوربية للبراغماتية.
المطلب الأول: أصول البراغماتية في الفلسفة الغربية القديمة والوسيطة.
الطلب الثاني: أصول البراغماتية في الفلسفة الغربية الحديثة وذلك من اجل أثبات الأصول الفلسفية والفكرية للفكر البراغماتي .
المبحث الثالث:  البراغماتية الأمريكية : الأصول والنشأة والتطور التاريخي.
المطلب الأول: الأصول الثقافية والفكرية للبراغماتية الأمريكية، إي الأصول التي سادت البيئة الأمريكية قبل صياغة البراغماتية الأمريكية بوصفها فلسفة وفكراً معاصراً والتي أصبحت بمثابة أصول فكرية أمريكية للبراغماتية.
المطلب الثاني: البراغماتية الأمريكية النشأة والتطور التاريخي.
الفصل الثاني:  أعلام البراغماتية الرائدة في الفكر السياسي الأمريكي
المبحث الأول: البراغماتية عند  تشارلس بيرس.
المطلب الأول:اثر كانط في براغماتية بيرس وسبب تغيير بيرس اسم البراغماتية إلى البراغماتيكية.
المطلب الثاني: نظريتي المعنى والاعتقاد وأهم مناهج تثبيت الاعتقاد عند (بيرس).
المبحث الثاني: البراغماتية عند وليم جيمس
المطلب الأول: (الحقيقة في فكر جيمس البراغماتي).
المطلب الثاني (الدين في فكر جيمس البراغماتي).
المبحث الثالث: البراغماتية عند جون ديوي.
المطلب الأول: الأداتية عند جون ديوي.
المطلب الثاني: نظرية ديوي السياسية في الديموقراطية والأخلاق والدين.
الفصل الثالث: البراغماتية " المرتكز ـــ المنهج ـــ الأثر" في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر.
المبحث الأول: البراغماتية ومرتكزات الفكر السياسي الأمريكي المعاصر.
 المطلب الأول: البراغماتية والمرتكز الديني للفكر السياسي الأمريكي المعاصر.
المطلب الثاني: البراغماتية والمرتكز السياسي ــ الاقتصادي للفكر السياسي الأمريكي المعاصر.
المطلب الثالث: المرتكز البراغماتي للفكر السياسي الأمريكي المعاصر.
المبحث الثاني: البراغماتية الجديدة والمنهج الواقعي.
المطلب الأول: ريتشارد رورتي والبراغماتية الجديدة.
المطلب الثاني: البراغماتية والمنهج الواقعي.
المبحث الثالث: أثر المنهج البراغماتي في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر.
المطلب الأول: أطروحة نهاية التاريخ وأثرها في صياغة المشروع الحضاري الأمريكي.
المطلب الثاني: أطروحة صدام الحضارات وأثرها في صياغة المشروع الحضاري الأمريكي.
ملخص الرسالـة
يعدُّ موضوع الدراسة من المواضيع الحديثة والمعاصرة التي باتت تشكل نقطة مهمة على صعيد الدراسات الإنسانية كون موضوع الدراسة يكشف البنية الحقيقية للفكر السياسي الأمريكي المعاصر ومدى تغلغل الفكر البراغماتي في العقلية الأمريكية وصياغة منهج التفكير الأمريكي , فقد مثّل الفكر البراغماتي الفكر الأمريكي بكل تجلياته ولا سيّما على الصعيد الخارجي ومنطق العلاقات الدولية , وقد كشفت الدراسة الى اي مدى بلغ تغلغل الفكر البراغماتي في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر من خلال المرتكزات الدينية والسياسية والاقتصادية والمرجعية الفكرية ( البراغماتية ) التي صاغت هذه المرتكزات على الصعيد الخارجي , فضلاً عن إنَّ التطرق إلى البراغماتية الأمريكية المعاصرة هو من الموضوعات المهمة , وذلك لانعكاسه على طبيعة الحياة الأمريكية برمّتها على الصعيدين الداخلي والخارجي وهذا ما بدا واضحاً من خلال التطور التاريخي للبراغماتية ابتداءً  من استقلال الولايات المتحدة الأمريكية من الاستعمار الانكليزي وحتى وقتنا الحاضر وهو ما بدا واضحاً وملموساً على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية وحاضراً بقوة زمن الحرب الباردة وبعد انتهائها وتفكيك الاتحاد السوفيتي بوصفه منظومة فكرية وهو ما تجلى بشكل فعلي في أطروحتي " نهاية التاريخ " و " صدام الحضارات " التي بلغ فيه العقل الأمريكي قمة هرمه البراغماتي بعدما تذرعت الأولى بانهيار الماركسية لتقفز إلى تمرير خطابها السياسي والإيديولوجي , ولتحكم بسقوط كل الإيديولوجيات ولتتهم كل الثقافات بالسلبية ولتبشر بزوالها ما لم تكن قابلة للأنظواء تحت مظلة الديموقراطية الليبرالية . وجزمت الثانية بحتمية الصراع والصدام الحضاري بين الثقافات المختلفة في شعوب العالم لتضع صانع القرار الأمريكي على أهبة الاستعداد لمواجهة العدوان الخارجي وتوكد عدم انسيابية السياسات الأمريكية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي . فهاتان الأطروحتان حكمتا العقل الأمريكي بعد الحرب الباردة ورسمتا الإستراتيجية الأمريكية وفق معطيات الديموقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان والحرب على الإرهاب وغيرها من الحجج والذرائع التي مثلت الفكر البراغماتي الأمريكي خير تمثيل بتجلياته الجديدة .
الخاتمة
البراغماتية بوصفها مدرسة سياسية شأنها شأن المدارس السياسية الاخرى ( كالماركسية والواقعية والمثالية .. وغير ذلك ) . تركز على النتائج الايجابية والمنفعة والثمار المستحصلة التي تؤثر على سلوكنا بشكل ايجابي من الافكار والقيم والمعاير الاخرى .فكل فكرة ناجحة لا بد أن يكون لها مردود ايجابي على صاحبها وقد طبقت هذه النظرية على كثير من مجالات الحياة أن لم تكن جميعها , فهي طبقت على السياسة ولاقتصاد والدين والاخلاق والادب والفن .. وغير ذلك .
ربما تكون هذه المدرسه قد ولدت بأفق ضيق واستخدمت في مجال محدد إلا إنهاَ من خلال التطور التاريخي التي مرت بها قد وسعت وشملت مجالات اخرى من مجالات الحياة ولا سيما على الصعيد السياسي الخارجي, لتتجاوز بذلك كل المدارس السياسية التي تحكم الدول في أطار تعاملها الخارجي بشكل خاص .
فالمدرسة البراغماتية التي تعدَّ من ابرز الأسس الفلسفية التي انبنى عليها الفكر السياسي والاستراتيجي الامريكي والسياسات الامريكية اللاحقة والمعاصرة . اصبحت اليوم المدرسة التي تحكم السياسة الامريكية بشكل كامل (داخلياً وخارجياً) لكونها تتلائم بشكل كبير مع المجتمع الامريكي بأعتباره مجتمع مهاجرين من عدة دول فتركيزها على العمل بشكل كامل وكذلك الانسان الفرد وقدرته على التفاعل مع الاخرين من خلال الافكار والاعمال التي يؤديها الفرد وعدم البحث والنظر الى جذور الماضي بل النظر الى المستقبل فقط وأعتبارها الفرد قيمة عليا وتركيزها على الافكار الصالحة والايجابية التي يقدمها الفرد هي المقياس الوحيد التي يمكن قياس الفرد فيها, وهذا ما يتلائم كثيراً مع المجتمع الامريكي. وربما يتهم بعضهم البراغماتية ويجردها من الاخلاق والقيم الدينية وهذا غير صحيح, فالبراغماتية كانت على يد مؤسسيها الأوائل (بيرس ـ جيمس ـ ديوي) تحكمها معايير اخلاقية وقيم دينية حتى أن كانت هذه المعايير تدور في نطاق المنفعة إلاّ إنَّ هذا لا يدل على تجريدها اخلاقياً باعتبارها المنفعة قيمة عليا لقياس الافكار البشرية, فهي واحدة من المدارس التي تؤمن بهذا المبدأ شأنها شأن بعض المدارس التي تؤمن بالقوة والمثالية وغيرها . ومن ثمَّ هذا مبدأ اساس من المبادئ أو السمات تأسست عليها البراغماتية . وهذا لا يعني انها لا تعطي للمعاير الاخلاقية والقيم الدينية أي محتوى فكري . والدليل على ذلك كان المؤسس الثاني للبراغماتية ( جيمس ) قد جعل اهتمامه البراغماتي الاول في المجالات الدينية والنفسية. وكذلك (ديوي) فقد كان اهتمامة الأول والاخير هو ( الاخلاق ) قبل كل شيء حتى ذهب في ذلك الى اعتبار الديموقراطية تصور اخلاقي. فالبراغماتية بشكل عام تحكمها معايير اخلاقية وقيم دينية بشرط أن تكون هذه المعايير والقيم لا تنفصل عن وسائل تحقيقها, فالاخلاق والقيم الاخلاقية حسب المفهوم البراغماتي تكون فارغة وعقيمة اذا انفصلت عن وسائل تحقيقها. فكل فكرة لا بد أن يكون هناك مجال لتطبيقها على ارض الواقع .
 ربما تكون هذه المعايير البراغماتية قد جردت من خلال السياسات الامريكية اللاحقة وبحكم منطق العلاقات الدولية وواقعية الحياة السياسية الدولية التي تتطلب حسب المفهوم الامريكي الواقعي عدم الالتفات الى المعايير الاخلاقية والمبادئ المثالية في اطار التعامل الدولي , والنظر الى المصلحة القومية والقوة كهدف اسمى لتحقيق السيادة الدولية بشكل كلي ورسم الاستراتيجية الامريكية على وفق منطق البقاء للاقوى. نعم تؤمن السياسات الامريكية الواقعية بالاخلاق والمعايير الاخلاقية ولكن ليس على نطاق الدولة كشخص عقلاني, وانما على نطاق المجتمع الدولي ومن اختصاص المحافل الدولية والمؤتمرات والقانون الدولي. فواقعية السياسة الدولية والعلاقات الدولية المعاصرة لا يتطلب على وفق هذا المفهوم العمل بالمبادئ والمثل الاخلاقية, فواقع عالمنا المعاصر تحكمة نظرية (داروين ) ( البقاء للاقوى والاصلح ) التي تعدٌ من أهم المرتكزات التي تأسس وانبنى عليها الفكر البراغماتي بشكل خاص والفكر السياسي الامريكي بشكل عام .
هذه النظرية تبدو عاكسة بشكل كامل واقعنا المعاصر, لا بل هي التي تحكم السياسة الدولية قاطبةً فكل دولة اليوم تبحث عن قوتها ومصلحتها اينما وجدت بغض النظر عن المعاير الاخلاقية اذا تعارضت مع تحقيق هذا الهدف وهذا ما يدل على بلوغ الفكر العالمي ولاسيّما الفكر السياسي- الاقتصادي قمة الهرم البراغماتي التي اصبحت الدولة فيه تبحث عن مصلحتها وقوتها اينما وجدت وبكل ما أوتيت من قوة وسعت من خلال الطرق الاخرى .
إنَّ واقعية السياسة الامريكية اليوم تطعم بقيم ومبادئ براغماتية ـ ذرائعية كانت ام عواقبية ويتم ذلك في اكثر من حالة وعلى اكثر من صعيد, والواقعية بهذا التطعيم تهدف للثورة على النظريات العقلانية وعلى السيطرة الفعلية على الدول الدستورية الى اقتراح مقترب ويصح أن نتدارس, من زاوية المشاكل المركزية للنظريات السياسية البراغماتية وفي سياقاتها الاقتصادية والثقافية او في الاقل في بعض هذه السياقات وتنطلق الواقعية في هذا التطعيم من الاعتقاد الراسخ بأن تجريد الأفكار عن الواقع كفصل الواقع عن الافكار هو عملية عاقره ولا تؤتي ثماراُ ولا مغانم.
 ذاً على وفق هذا السياق المعاصر لمفهوم المدرسة البراغماتية بوصفها مدرسة سياسية معاصرة, فلا بد أن نخرج بأستنتاجات عامة عن الفكر البراغماتي من خلال هذه الدراسة وهذه الاستنتاجات هـي:
        · لم تكن البراغماتية مختصة بمرحلة معينة أو وليدة حقبه واضحة أو بيئة محددة كما كثر الحديث عن ذلك الذي جعل البراغماتية فلسفة مختصة بالبيئة الامريكية. بل هي تبلورت بشكل فعلي كفلسفة وكفكر على يد الفيلسوف الامريكي ( تشارلس بيرس) في الولايات المتحدة الامريكية. نعم ربما يكون ولادة ونشأة البراغماتية من الناحية النظرية في البيئة الامريكية. ولكن لا يمكن الحكم عليها بأنها فلسفة منقطعة الجذور . ربما تكون كذلك للذي لا يبحث عن جذور هذه الفلسفة وانما من يريد الحكم عليها بحكم المنطق النظري وهذا لا يمكن ان يثبت علمياً طالما يفتقد للأدلة والبراهين العلمية .
        · اثبت الفكر البراغماتي احقيته كفكر معاصر وبعمق وآصالة فلسفية تاريخية عبر التطور التاريخي لهذا الفكر بدءاً من الفلسفة اليونانية, واستخدام مصطلح (براغما ) في النواحي العملية في الحياة ومن ثم الفلسفة السوفسطائية التي أعتبرت الانسان مقياس كل شئ مروراً ( بسقراط وافلاطون وارسطو) ومن بعدهم المدارس الفلسفية الاخرى ( الابيقورية والرواقية ) مروراً بعد ذلك بفلسفة العصور الوسطى والفلسفة الغربية الحديثة أمثال ( كوبرنيق وجاليلو وميكافللي وباسكال). ثم جاءت المدرسة التجريبية على يد بيكون ومن بعده ( لوك وهيوم وباركلي ) وغيرهم ثم ( كانط وكونت واتباع المدرسة النفعية ) ( بنثام ومل ) ليثبت الفكر البراغماتي بعد ذلك نفسه وبقوة وجدارة على الساحة الفلسفية الفكرية العالمية المعاصرة. لا بل تعدى كل اشكال الفلسفة والفكر اليوم ليرد على كل الذين شككوا في آصالته وبعمق تاريخي فلسفي طويل. الا ان هؤلاء الرواد كانوا ممهدين فقط للفكر البراغماتي على حد تعبير ( وليم جيمس) واستخدموه بعضاً لا كلاً ولم يُقدر للبراغماتية ان تعمم نفسها الا في زمننا المعاصر حيث اصبحت واعية برسالة عالمية تدعي ان مصيرها الفوز والغزو .
        · يعكس الفكر البراغماتي الروح العملية للفكر الانساني اولاً والروح الامريكية ثانياً ليتلائم مع متطلبات المجتمع الجديد فهو فكر عملي بالدرجة الاساس لكونه يهتم بالعمل كقيمة وهذا ما بدا واضحاً من خلال المعنى اللغوي للمصطلح . وهو يطلق على المذاهب الفلسفية التي ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية على يد ( بيرس ـ جيمس ـ ديوي ) الدال على الروح العملية الامريكية وهذا ما عكسه المعنى الاصطلاحي للفكر البراغماتي .
        · المذهب البراغماتي يقرر ان العقل يحقق هدفه المنشود حين يقود صاحبه الى العمل الناجح . فالفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة أي الفكرة التي تحققها التجربة ولا يقاس صدق القضية الا بنتائجها العملية وتعود بالنفع الايجابي على الانسان, فهي فلسفة انسانية وجدت لتجعل كل شيء في خدمة الانسان وسعادته .
        · كان ظهور البراغماتية ردَّ فعل على الفلسفات المثالية والميتافيزيقية التي كانت تعج بها الساحة الفلسفية العالمية .. وظهور البراغماتية خفف من ذلك الجدال النظري التي تعج بها الساحة الفلسفية بين مدرستين المدرسة العقلانية التي قالت أن العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة واحتارت في البحث عن المطلق والقوانين الثابتة . والمدرسة   التجريبية التي قالت (بأن الحس هو المصدر الرئيس للمعرفة) وبذلك فالصراع القائم بين هاتين المدرستين وغيرهما من المدارس الاخرى متعلق بالصراع مع ما هو كائن وليس مع ما سيكون, والحركة التوفيقية التي قامت بها البراغماتية لحل الصراع هو نقل  عملية التفكير الى ما ينبغي أن يكون أي البحث عن النتائج والآثار. فهي فلسفة تنظر الى المستقبل وعدم الالتفات الى الماضي.
        · تعدٌ الفلسفة البراغماتية فلسفة النتائج وهي وسط بين المدرستين فبوسعها ان تظل دينية كالمذاهب العقلية ولكنها في الوقت نفسه مثل المذاهب التجريبية تستطيع ان تحتفظ بأخصب واغنى صلة وثيقة بالحقائق والوقائع, وكما كانت البراغماتية محاولة لحل الصراعات بين المدارس الفلسفية. فهي كذلك محاولة للتوفيق بين الجانب الروحي لدى الانسان اي (الدين) وحب الانسان لطلب المعرفة. فاذا اثبتت الافكار اللاهوتية ان لها قيمة في الحياة.. فهي نافعة، فالبراغماتية بهذا المعنى هي فلسفة تجمع بين الامرين, الولاء العملي للحقائق وبين اليقين القديم في القيم الانسانية والتلقائية المحصلة سواء كانت من النوع الديني أم الرومانتيكي .
        ·البراغماتية هي محاولة في انصراف الفكر عن التجريد وان تحدث ارتباطاً وثيقاً بالعالم والانسان كباقي الفلسفات المعاصرة التي انتقلت بالبحث من مشكلات الوجود الى الانسان وقضاياه وكيفية حل مشاكله, فقد كان جلٌ اهتمام البراغماتية منصباً على محاولة حل المشكلات التي تحدث في الحياة الانسانية وكيفية ايجاد حل لهذه المشكلات التي تنشأ عن تغيرات مستمرة في حياته (الانسان).  
        · البراغماتية ترفض ضياع الطاقة العقلية في البحث في أشياء غير عملية ولا تعطي نتائج نفعية, كالبحث في طبيعة الكون والجوهر والموجودات ومصيرها لأنها ابحاث تبدد طاقة العقل ... وتستهدف المنفعة من العقل لأنه أداة عملية تنفع الانسان في حياته.
        · لم تكن البراغماتية فلسفة مغمورة كما رأى بعض الباحثين, وانما كان لها دور معاصر وحضور عالمي واضح وملموس ايضاً , فهي التي شكلت الاساس الذي بنيت عليه السياسات الأمريكية اللاحقة. ومتجهة بلا محال للسيطرة على الفكر العالمي ليبلغ الفكر العالمي قمة هرمه البراغماتي .
        · لقد كانت البراغماتية كفلسفة وكفكر معاصر هي النتاج الفكري للبحثين الذي نشرهما ( بيرس) في النادي الميتافيزيقي تحت عنوان ( كيف نجعل افكارنا واضحة لانفسنا ) و ( تثبيت الاعتقاد ) التي دعا فيها الى توضيح معنى الفكرة بمردودها الايجابي والمؤثر على سلوكنا.
        · إنَّ اعتماد النفع وحده للانسان وتقديس العمل والتغير والنسبية والفردية تعتبر بمثابة المرتكزات أو السمات الاساسية للفكر البراغماتي الامريكي .
        · كان للدين الأمريكي والاتجاهات الثقافية الاخرى (عصر التنوير والرومانسية ) التي سادت الولايات المتحدة خلال تلك الفترة دور كبير في صياغة الفلسفة البراغماتية الامريكية .
        · لم تكن براغماتية ( بيرس) براغماتية نفعية فردية وأنما كانت ذات بعد جماعي وبطرق علمية, ولم تجعل من العمل غاية في حد ذاته وأنما وسيلة للوصول الى غاية .
        · يبدو ان نظريتي ( المعنى والاعتقاد) وهما جوهر الفلسفة البراغماتية بالنسبه لـ ( بيرس) نظريتين لمشكلة واحده وهدفهما واحد وهو البحث عن النتائج والثمار المستحصلة من معنى الفكرة واعتقادك بفكرةً ما.
        · تبدو براغماتية ( جيمس) نظرية في الحق والحقيقة على خلاف براغماتية ( بيرس) التي تعتبر نظرية في المعنى, فـ ( جيمس ) يبحث عن منفعة فورية من كل فكرة او أعتقاد وبغض النظر عما تكون هذه المنفعة فردية أم جماعية مباشرة أم غير مباشرة .
        · يُتهم ( جيمس) من بعض الباحثين إنَّه فيلسوف فردي فقط ولا يهتم بالمجتمع والامور الاجتماعية وهذا لا يبدو بشكل قطعي في فكر (جيمس) البراغماتي . ربما يعطي للفرد دوراً اكبر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية الا انه نراه يتأرجح بين الفردية والاجتماعية, وفي بعض الاحيان يفضل الاجماع والتوافق على الفرد وهذا ما نراه واضحاً من خلال قاعدة الاتفاق التي يعدها (جيمس) الطريقة الافضل لوصف النتائج الذي يفترض بها ( جيمس) أن يكون هناك توافق من قبل بني البشر على انها صحيحةـ ومن ثمَّ فأن القياس والاختيار لصدق وربطها بالمصلحة والمنفعة الشخصية يعد امراً مردوداً, لان المنفعة الشخصية ليست سوى منفعة شخصية.
        · لم تكن دراسة ( جيمس) في الدين دراسة دينية تقليدية أو دراسة رجل دين وانما درس الدين وفق ما يتلائم مع مذهبة البراغماتي .
        · لم يكن ( جيمس) مهتماً بالسياسة والفكر السياسي كثيراً الا أن فكره السياسي تبلور من خلال افكاره الفلسفية ومفهوم الحقيقة والصدق العقلي ومعيار الحكم على الاشياء والافكار التي اصبحت افكاره لها تأثيرٌ كبير ومهم في حكم واقعنا المعاصر .
        · لم  يكن ( ديوي) فردياً وانما كان يعبر عن روح اجتماعية في جل افكاره. فالروح التي تتخلل فلسفة (ديوي) الاجتماعية هي روح المصلح وليس روح الثوري. وهو يرى أن المثل الاعلى للمجتمع الديموقراطي هو أن يتعاون الناس معاً كما يتعاون العلماء في المعمل, فهو يرفض النفعية بمعناها الفردي, كما يرفض اي تصور يقوم على اساس الغاية تبرر الوسيلة .
        · يرى ( ديوي) ان الفكرة  هي اختراع لحل أشكال, أو خطة للتغلب على صعوبة, او مشروع للتخلص من مأزق, فهي في كل الحالات أداة للعمل .
        · يبدو ان براغماتية ( ديوي) نظرية في المنطق لانها كثيراً ما تنسجم مع فلسفة الانسانية, فهو يرى في كل فكرة انما هي أداة لمساعدة الانسان في حل مشاكله والتغلب على متاعب الحياة, ويرفض كل شيء يتعالى على الانسان من اخلاق أم دين أم غير ذلك لان وجدت لتكون خادمة للانسان في حياته, وهذا ما نراه واضحاً في نظريته السياسية والاخلاقية ودراسته للدين, أذ انزل الاخلاق من عالمنا البعيد الى عالمنا الواقعي القريب, والأمر نفسه ينطبق على الدين, فهو الذي رفض الاديان السماوية وأعتبرها بقايا العصر ما قبل العلمي وما قبل التكنولوجي .
        · تعتبر فلسفة (ديوي) فلسفة اجتماعية غير فردية وهو كثير ما يقف ضد الفرد حتى انه اتهم بأنه ضد الفردية, ولهذا نراه يقف ضد القومية والعنصرية وغيرها من الأمور التي تعيق الأنسان للوصول الى مبتغاه.
        · يبدو إنّْ فكر ( ديوي) الديني يختلف عن مذهب (جيمس) الذي كان يريد أن يتحقق من نتائج مباشرة وغير مباشرة. فـ ( ديوي) يعطي الدين صفة الانسانية ويرفض ( ديوي) النظر الى الدين بشيء من القداسة التي لا يجوز المساس بها, فالدين هو ما يساعد افراد المجتمع على تسيير امورهم الدينية, فهو لم يرفض الدين بل اراد تخليصه من النظرة الجامدة وان يكون اكثر مرونة.
        · مثل الفكر البراغماتي المرجعية الفكرية للفكر الامريكي والسياسات الامريكية المعاصرة ولاسيما على الصعيد الخارجي والعلاقات الدولية من خلال تغلغل هذا الفكر في العقيدة الامريكية او ما يسمية الامريكان بـ الاطروحة الامريكية المتمثلة بـ ( الدين ـ الاقتصاد والسياسة ) بشكل واضح, لكون هذا الفكر يركز على المنفعة وعدم النظر الى الماضي أذ الغاية والنجاح هما الحكم والفيصل وهذا ما ينسجم مع تاريخ وشعب الولايات المتحدة الامريكية لانه شعب متعدد الاعراق من بلدان شتى.
        · يبدو أن تغلغل الفكر البراغماتي في الثقافة الدينية أو العقيدة الدينية الامريكية المعاصرة  ليس اليوم وانما من خلال ما أكدت علية هذه العقيدة وما شددت عليه البروتستانتية على اخلاق العمل ومسؤولية الفرد عن نجاحه أو فشله الشخصي في الحياة وما آمن به الامريكيون من ان كل فرد ان يلزم مكانه في الحياة وان يعمل في جد من اجل مصلحته  الذاتية ومصلحة المجتمع ايضاً وأن يكون اكثر واقعية. فالتعامل الواقعي والمصلحة  القومية وتمجيد العمل التي تتعامل بها الادارة الامريكية والسياسات الامريكية على الصعيد الخارجي ناشئة عن الترابط البراغماتي الواقعي الذي اصبح الخلفية السياسية الرسمية التي يرتكز عليها الفكر السياسي الامريكي المعاصر . وما أكدت علية البراغماتية في توجهاتها النفعية المادية اصبحت تمثل الفكر الاقتصادي الامريكي واصبحت واحدة من ديناميات الليبرالية ومرحلة من مراحل تطبيق الفكر السياسي الامريكي نتيجة لتوجهاتها الرأسمالية, ونتيجة لهذا التغلغل البراغماتي داخل جميع مفاصل الحياة الامريكية لا يمكن استبعاد هذا الفكر عن السياسات الامريكية المعاصرة برمتها والفكر الامريكي المعاصر في جميع توجهاته (السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.. وغير ذلك) بما يضمن الهيمنة والريادة العالمية للولايات المتحدة ليس لكونه فكراً امريكياً بأمتياز وانما رأت فيه ما يتلائم مع متطلبات الحياة الامريكية بكل توجهاتها وتطلعاتها الخارجية التوسعية .
        · تعد النظرية الواقعية التي تحكم السياسة الامريكية المعاصرة بعناصرها ( القوةـ المصلحة القومية ـ المعاير الاخلاقية ) ما هي الا فلسفة براغماتية, فالاصول الفلسفية لهذه النظرية ما هي الا أصول براغماتية, فالنزعة العملية التي تحكم النظرية الواقعية والمصلحة القومية وتمجيد القوة تجد أصولها في الفلسفة البراغماتية الامريكية. فالفلسفة التي تحكم الفكر السياسي الامريكي المعاصر هي الفلسفة البراغماتية بتطلعاتها الجديدة.
        · تمثل اطروحتا( نهاية التاريخ و صدام الحضارات) اخر اطروحتين كشف بهما الفكر السياسي الامريكي المعاصر تطلعاته الخارجية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وهما الاطروحتان اللتان تحكمان السياسة الامريكية المعاصرة في نشر الديموقراطية الليبرالية والحرب على الارهاب لتأكيد عدم انسيابية السياسة الامريكية في ظل غياب العدو وبناء ستراتيجية امريكية لسياسات الامريكية اللاحقة. وهاتان الاطروحتان ما هي إلاّ فكر براغماتي ـ ذرائعي . وقد بلغ الفكر السياسي الامريكي قمة الهرم البراغماتي بتذرعه بسقوط الشيوعية وانهيار الماركسية لتمرير خطابها السياسي  الايديولوجي وللتحكم بسقوط كل الايديولوجيات وليتهم كل ثقافة أو مفاعل ثقافي بالسلبية وليبشر بزوالهما مالم يكوناً يحملان قابليات الانظواء تحت الديموقراطية الليبرالية.
 تخريج الدراسة
البراغماتية في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر، رسالة ماجستير(غير منشورة) تقدم بها الطالب: ميثاق مناحي دشر العيساوي، إلى مجلس كلية العلوم السياسية – جامعة بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، فرع الفكر السياسي، بإشراف: الأستاذ المساعد الدكتور عامر حسن فياض، شوال1432 هـ - بغداد-  تشرين الأول 2011 م.
University of Baghdad
College of Political Science
Pragmatism In contemporary American political thoughtA thesis
Submitted by
Mithaq  Menahi Disher Al Issawi
To the Council of College Political Science / University of Baghdad As a Partial Fulfillment of the Master's degree  in the Political Science / Political Thought Department
Supervised  By
Ass. Professor Dr.
Amir Hassan Fayyad
1432 A. H           2011 A. D
Abstract

Out thesis deals with one of the most important themes in the contemporary political thinking, i.e. pragmatism  in the contemporary American politic thinking.
The necessity requires the division of thesis into three chapters in addition to an introduction and a conclusion. Chapter One studies pragmatism  and its type in which the concept of pragmatism  was tackled in language and in terminology, and the features and types of pragmatism  in general. That was tackled in the first inquiry, while the second inquiry tackled the non- American western philosophical origins of pragmatism  starting with the ancient Greek philosophy and the medieval philosophy. Even though the origins of pragmatism in these philosophy do not seem mature enough, but they were paving the way to the philosophy of pragmatism. The third inquiry was concerned with the cultural and intellectual origins of American pragmatism which dominated the United States before the pragmatism  thinking is manifested in the American pragmatic thinking officially on the hands of Peirce, which has become intellectual cultural origins of that thinking on the American level,. In addition to that, the foundation and development of American pragmatism   was tackled.
Chapter Two tackled pragmatism for the American notables like (Peirce – James - Dewey). Those thinkers were have been treated each separately. The chapter was subdivided into three inquiries; the first inquiry studied the pragmatic thinking of Peirce in terms of concept of pragmatism  and the effect of Kant and the two theories of meaning and thinking which was concerned to the study of the standard of truth in the pragmatic thinking of James. While the third inquiry was concerned to the study of pragmatism  for John Dewey as instrumentalism in his thinking, which is one form of instrumentalism forms that associated with Dewey in relation to the relationship between the individual and the group and also the relationship of the national and the humanitarian and his criticism to western nationalism.
Chapter three which was entitled (pragmatism: the Base – the Methodology – the trace in the contemporary thinking),which studied in three inquiries. The first inquiry tackled pragmatism   and the bases of the American contemporary thinking, through which the intellectual bases of the American contemporary thinking (religious, political, economical and pragmatic base), and how pragmatism   penetrated inside the contents of this bases and its role in the formulation of the American contemporary thinking. The second inquiry was concerned with the study of the new pragmatism
and the realistic approach. Pragmatism   was studied in its new form and with its contemporary pioneers. Also, the relation of the realistic approach with  pragmatism   thinking which formed the pivot of the American post-war policy and during the cold war were treated. The third inquiry,(Effect of pragmatism Thinking in American contemporary political thinking) studied the end of history and the civilization clash and their effect in the formulation of the American civilized project and in drawing the American strategy following Cold War and the fall of the communist bloc and to affirm the flow of the American policy in the absence of an enemy.
The study comes up with a conclusion that the pragmatism  thinking was behind the American contemporary policies all and it formed the intellectual historical thinking of the pragmatism  thinking and the American policies since independence from the English colonial  until this day. That is not due to void ,which was dominant in the American continent, but for the flexibility of this thinking and its future insight and readiness of time and place. pragmatism  is in the American frame of mind in all details. That was clear after the cold war and the disintegration of the USSR as an ideological system before the liberal pragmatism  system. To affirm that pragmatist is the right in the political thinking arena.   

العرض الالكتروني والاعلام والتبادل العلمي: ببليوغرافيا إراكي
07901780841
P.O
BOX 195
BAGHDAD  IRAQ


[1] - نقلاً عن: مهران، محمد، ومدين، محمد، مقدمة في الفلسفة المعاصرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع،  القاهرة، 2004، ص41 .

ليست هناك تعليقات: