الجمعة، 23 ديسمبر 2011

أحمد بن بلّة ودوره السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ حتى عام 1965م، رسالة تقدمت بها: مائدة خضير علي السعدي، كلية التربية، ابن رشد، جامعة بغداد وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير آداب في التاريخ الحديث، بإشراف: الأستاذ الدكتور نوري عبد الحميد العاني، 2004م-1424هـ

المقــدمة
يعّد أحمد بن بلّة من الشخصيات البارزة في العالم، بوصفه احد زعماء الثورة الجزائرية الذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية التصدي للاستعمار الفرنسي، ليغدو بعدها الرجل الاول الذي قاد حركة الاستقلال الوطني الجزائري، مما اهله ليكن فيما بعد اول رئيس للجزائر، وذلك بعد ان تظافرت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية في وصوله الى سدة الحكم، واهمية الموضوع لا تكمن فقط في كون أحمد بن بلّة واحداً من زعماء الثورة البارزين، ولا في كونه اول رئيس للجزائر، ولكن تكمن ايضاً في اهمية المرحلة التي برز خلالها قائداً للثورة اولاً ورئيساً للجمهورية الجزائرية ثانيا، وهي مرحلة اندلاع الثورة ومن ثم مرحلة الاستقلال، بكل ظروفها وملابساتها، اذ حاولنا من خلال دراسة شخصية أحمد بن بلّة تسليط الضوء على مرحلة هي من اهم مراحل التاريخ الجزائري، بغض النظر عن الاهمية الكامنة في دراسة الشخصيات التاريخية نفسها، اذ ان الانسان كان ولا يزال احد العناصر الاساسية في صنع الحدث التاريخي، فضلاً عن المكان والزمان.
قسمت هذه الرسالة على مقدمة وستة فصول وخاتمة، تناول الفصل الاول المرحلة الاولى من حياة أحمد بن بلّة حتى عام 1951 ، اذا استعرضنا فيها اصله وحياته المبكرة فضلاً عن نشأته وتعليمه وثقافته واهم الشخصيات التي تأثر بها وأثرت فيه، وانعكاس كل ذلك على شخصيته وتكوينه الفكري، قبل ان نعرض خدمته في الجيش الفرنسي وبدايات نشاطه السياسي.
اما الفصل الثاني فقد عرضنا فيه الأثر الذي أحدثه أحمد بن بلّة في اعلان الثورة الجزائرية حتى اختطافه عام 1956، من خلال عرض المساعي التي بذلها لدى الحكومة المصرية من اجل دعم كفاحه المسلح، ومدى استجابة مصر لذلك، مع عرض اهم المشاكل والمعوقات التي اعترضت سبيله في أثناء ذلك، قبل ان ينتهي الامر باختطافه.
وتضمن الفصل الثالث جهوده في حركة الاستقلال الجزائري، من خلال عرض جهوده في التوصل الى اتفاقيات افيان من داخل المعتقلات الفرنسية، قبل ان يتم الافراج عنه بعد التوقيع على تلك الاتفاقيات، وعرضنا في الفصل نفسه الازمة السياسية التي نشبت بينه وبين الحكومة المؤقتة حول السلطة عام 1962، وكيفية تحالفه مع الجيش من اجل ضرب الحكومة المؤقتة والوصول الى السلطة، التي انتهت بانتخابه رئيساً لاول دولة جزائرية مستقلة.
اما الفصل الرابع فقد تناول السياسة الداخلية لأحمد بن بلّة، على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفيه تم عرض اهم الانجازات التي حققها او التي سعى الى تحقيقها على الاصعدة كافة، بالشكل الذي كان يراه مناسباً لخدمة الجزائر المستقلة في مرحلة هي من احرج المراحل في تاريخها الحديث، ولاسيما في ظل المشكلات التي واجهتها عقب اعلان الاستقلال الوطني.
وجاء الفصل الخامس مكملاً للفصل الرابع، اذ عرضنا فيه السياسة الخارجية لأحمد بن بلّة على الصعيد العربي والافريقي والدولي، من خلال استعراض العلاقات الجزائرية مع الدول الاخرى في عهده، وما وصلت اليه تلك العلاقات، مع بيان موقفه من القضايا القومية والدولية، فضلا عن بيان أثره في حركة عدم الانحياز وموقفه منها.
وكان الفصل السادس خاتمة الفصول وفيه جرى عرض مراحل بلوغ أحمد بن بلّة ذروة سلطته وصولاً الى مرحلة الانقلاب والاطاحة بحكمه، وذلك من خلال عرض اسباب ذلك الحدث الذي نفذه الجيش بقيادة هواري بومدين.
اعتمدنا في دراستنا هذه على عدد كبير من الوثائق والكتب العربية والمعربة والاجنبية، والدوريات والرسائل الجامعية والمقابلات الشخصية.
ومن ذلك الوثائق غير المنشورة، التي تمثلت بوثائق البلاط الملكي وملفات مجلس السيادة المحفوظة في دار الكتب والوثائق ببغداد، التي افادت الباحثة من عدد منها في فصول الرسالة، ولاسيما الفصل الثاني والثالث، فضلاً عن مجموعة الوثائق الاجنبية المحفوظة في دار الكتب والوثائق، ومنها وثائق امريكية محفوظة على شكل رقائق (مايكرو فيلم)، اما الانواع الاخرى من الوثائق فهي المنشورة التي تمثلت (بالوثائق العربية) الصادرة عن الجامعة الامريكية ببيروت.
حظيت الكتب العربية والمعربة باهتمام كبير في جميع فصول الرسالة، ولاسيما الكتب الوثائقية، ويأتي في مقدمتها كتاب (محمد حربي) (جبهة التحرير الوطني الاسطورة والواقع) وكتاب (عبد الحميد الابراهيمي)(في اصل الازمة الجزائرية 1958-1999) اذ تكمن اهمية هذين الكتابين ، كون مؤلفيهما من الشخصيات المعاصرة لأحمد بن بلّة، ولكونهما من رجال الثورة، ومن الرجال الذين اضطلعوا بمسؤوليات رئيسة في حكومته، فضلاً عن كتاب (فتحي الديب) (عبد الناصر وثورة الجزائر) الذي اعطانا تصوراً واضحاً عن المرحلة التي قضاها أحمد بن بلّة في القاهرة، وعن المساعدات المصرية التي قدمت اليه، ولكنه كان من المصادر التي اخذنا منها بحذر شديد لأنه أفتقر الى الدقة، فضلاً عن انه كان مثالا للتحيّز والمبالغة لصالح أحمد بن بلّة، والحكومة المصرية معاً، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لرجل كفتحي الديب الذي كان ضابط استخبارات معروف واحد رجال جمال عبد الناصر المقربين، وكان كتاب (روبير ميرل) (مذكرات أحمد بن بلّة) من المصادر المهمة التي اعطتنا تصوراً عاماً لمراحل حياة أحمد بن بلّة منذ ولادته الى حين خروجه من السلطة.
وكانت الكتب الاجنبية من المصادر الاساسية والمهمة التي عززنا بها المعلومات والحقائق الواردة في بحثنا، لاسيما كتاب (Arslan Humbaraci) (Algeria revolution that failed) الذي تكمن اهميته في كون مؤلفه اعتمد في رواية تفاصيل الحقائق الواردة في كتابة على مشاهداته الحية لما كان يحدث في الجزائر من خلال معاصرة تلك الاحداث، ومعاصرة صانعيها، فضلا عن كتاب (Lan clegg) (workers’ self-manegment in Algeria).
وكان للصحف والمجلات العراقية والعربية والاجنبية اهميتها في الحصول على الكثير من المعلومات وتأتي في مقدمتها (جريدة العلم المغربية) و (جريدة العمل التونسية) و (جرائد الاخبار والزمان والبيان العراقية) و(مجلة السفير البيروتية) و (مجلة الوطن العربي) فضلاً عن المجلات المصرية، اما الاجنبية فاهمها الـ (The middle East journal , middle East studies and African diary).
وتكمن اهمية هذه الدوريات في ان اهم ما جاء فيها كان مقابلات وحوارات شخصية مع أحمد بن بلّة، او تصريحات له.
وحظيت الرسائل الجامعية باهمية تذكر في فصول الرسالة كلها؛ لما احتوت عليه من معلومات بالغة الاهمية عن الكثير من الاحداث السياسية التي شهدتها الجزائر في عهد أحمد بن بلّة سواء كان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر. واهمها رسالة الماجستير لمها ناجي حسين (العلاقات الجزائرية – الفرنسية- دراسة تاريخية في تطور العلاقات الاقتصادية 1954-1978)، واطروحة الدكتوراه للعربي الزبيري (جبهة التحرير الوطنية الجزائرية 1954-1964 – المسار والفكر)، وتكمن اهميتها كون الباحث من الذين عملو في مكتب جبهة التحرير الجزائرية.
وافدنا من المقابلات الشخصية في الحصول على عدد من المعلومات المتعلقة بحياة أحمد بن بلّة والتي لم يرد ذكرها في المصادر والمراجع والتي مثلت وجهة نظر اصحابها، غير ان اخذنا منها كان بمنتهى الدقة والحذر فيما يخدم اغراض البحث.
وكان الرافد الاخر الذي استقينا منه معلوماتنا هو شبكة المعلومات (internet) والتي عززت مصادرنا بمصادر جديدة متنوعة، توزعت بين مقالات صحفية ، وبحوث وتقارير، ومقابلات شخصية، اختصت بالدراسة والبحث عن أحمد بن بلّة وحياته.
وقد واجهتنا في اثناء بحثنا عدة صعوبات تكاد لا تخلو منها أية دراسة علمية اكاديمية، وان اختلفت في مداها بين دراسة واخرى، ولعل في مقدمة تلك الصعوبات فشلنا في الاتصال بأحمد بن بلّة نفسه على الرغم من محاولاتنا المتكررة للاتصال به عن طريق مخاطبة عدد من الاصدقاء والمقربين الذين كانوا على صلة به، فضلاً عن تقاعس الجهات الجزائرية عن تقديم أي مساعدة تذكر بهذا الشأن، سواء كان ذلك عن طريق السفارة الجزائرية، أو الجهات الجزائرية في داخل الجزائر نفسها، وكانت قلة الوثائق من الصعوبات الاخرى التي واجهتنا لاسيما الوثائق المختصة بسرد المعلومات المتعلقة بتفاصيل حياته المبكرة (حول اصله - اسرته - نشأته) فضلا عن صعوبة الحصول على الكثير من المصادر المهمة والرئيسة سواءاً كانت عربية ام كانت اجنبية ولاسيما المصادر الفرنسية؛ ولم يكن هذا بسبب ندرتها او عدم وجودها ، ولكن بسبب عدم توافرها في مكتباتنا التي اصبحت مراجعتها معاناة يومية يعيشها جميع باحثينا، ولعل ما زاد الامر سوءاً هي الاوضاع الراهنة التي يعيشها بلدنا، ولاسيما الاحداث الاخيرة التي انعكست نتائجها السلبية بلا شك على نشاطنا العلمي.
قائمة المحتويات (هيكلية الدراسة)
- المقدمة:
- الفصل الاول: المرحلة الاولى من حياة أحمد بن بلّة حتى عام 1951م.
اولاً: اصله وحياته المبكرة، ثانياً: نشأته ومنابع تكوينه الفكري، ثالثاً: خدمته في الجيش الفرنسي، رابعاً: بداية نشاطه السياسي.
- الفصل الثاني : الدور السياسيّ لأحمد بن بلّة حتى عام 1956م.
اولاً: دوره في اعلان الثورة الجزائرية، ثانياً: مؤتمر الصومام ومحاولة عزل أحمد بن بلّة عن قيادة الثورة، ثالثاً: اختطاف أحمد بن بلّة ورفاقه.
- الفصل الثالث: الدورالسياسي لأحمد بن بلّة حتى تسلمه السلطة عام 1962م.
اولاً: دوره في حركة الاستقلال الجزائرية، ثانياً: الافراج عن أحمد بن بلّة ورفاقه المعتقلين، ثالثاً: الصراع على السلطة وانتخابه رئيساً للجمهورية.
- الفصل الرابع: سياسة الجزائر الداخلية في عهد أحمد بن بلّة.
مشاكل الاستقلال: اولاً: المجال السياسيّ، ثانياً: المجال الاقتصاديّ، ثالثاً: المجال الاجتماعيّ
- الفصل الخامس : سياسة الجزائر الخارجية في عهد أحمد بن بلّة.
اولاً: السياسة العربية، ثانياً: السياسة الإفريقية، ثالثاً: السياسة الدولية.
- الفصل السادس : الإطاحة بحكم احمد بن بلّة.
اولاً: اشتداد المعارضة ضد تحالف أحمد بن بلّة مع الجيش، ثانياً: الأسباب الممهدة للانقلاب، ثالثاً: انهيار تحالف احمد بن بلة – الجيش، رابعاً: انقلاب التاسع عشر من حزيران عام 1965م، خامساً: الموقف الداخلي والموقف الخارجي من الانقلاب.
- الخاتمة، المصادر.
الخاتـــــــمة
في ضوء متابعتنا للدور النضالي الذي اضطلع به احمد بن بلّة يمكننا تقسيم حياته على مرحلتين رئيسيتين، المرحلة الاولى تمتد منذ ولادته الى تسلمه السلطة عام 1962م، في حين تمتد المرحلة الثانية منذ تسلمه السلطة حتى خروجه منها عام 1965م، على اثر انقلاب التاسع عشر من حزيران.
تتقسم المرحلة الاولى من حياته بدورها على مرحلتين، الاولى تشمل حياته المبكرة، والثانية تشمل دوره في الثورة الجزائرية.
نشأ أحمد بن بلّة وترعرع في اسرة فلاحية متواضعة في بلده مغنية، وفيها تلقى تعليمه الابتدائي، قبل ان ينتقل لاكمال دراسته الثانوية في تلمسان، شهدت المرحلة الاولى من حياته بدايات نشاطه السياسي، في ظل تنظيم حزب الشعب الجزائري، وخدم في الجيش الفرنسي، وشارك في معارك الحرب العالمية الثانية ضد المانيا الفاشية، واظهر فيها شجاعة فائقة شهد لها الاعداء قبل الاصدقاء، حتى ان الجنرال ديغول، قام بمكافئته بنفسه على تلك الشجاعة.
ادى أحمد بن بلّة دوراً رئيساً فعالاً في اعلان الثورة الجزائرية من خلال الجهود الكبيرة التي بذلها، بعد ان اخذ على عاتقه مسؤولية اعادة جمع شمل المناضلين، وتوحيد صفوفهم على اثر حل تنظيم المنظمة الخاصة- الجناح العسكري لحزب الشعب- اولاً، والعمل على طلب مساعدة الحكومة المصرية من اجل دعم نضالهم المسلح ثانياً، ومن ثم السعي لتوفير السلاح والعتاد للمناضلين في داخل الجزائر على الصعيد العسكري، فضلاً عن المساعي التي بذلها لكسب تأييد الراي العام الدولي لقضيتهم على الصعيد الدبلوماسي.
لا يمكن نكران الدور الذي أداه أحمد بن بلّة في اعلان الثورة الجزائرية، ولكن الحقيقة الاخرى التي لا يمكن نكرانها ايضاً هي ان أحمد بن بلّة ليس رجل الثورة الاول، ولا صاحب الفضل الوحيد عليها، فذلك العمل الجبار كان وراءه رجال اشداء بذلوا الغالي والنفيس من اجل التمهيد لاعلان الثورة، ولعل جهودهم فاقت الجهود التي بذلها أحمد بن بلة، وذلك امثال محمد بلوزداد ومصطفى بن بولعيد (من رجال الثورة الاوائل)، فأحمد بن بلّة في الحقيقة اكمل ما بداه اولئك الثوار.
كان أحمد بن بلّة المستهدف الاول في عملية الاختطاف التي تعرض لها عام 1965م، على يد السلطات الفرنسية، وذلك لدوره في الثورة، ولعلاقته بمصر.
كان لأحمد بن بلّة دور مباشر في توجيه دفة مفاوضات الاستقلال مع فرنسا عام 1960م – 1962م، رغم انه لم يشترك عملياً فيها، انما اقتصر دوره على تقديم التعليمات والارشادات للوفد الجزائري المفاوض.
دخل أحمد بن بلّة عام 1962م في ازمة سياسية مع الحكومة المؤقتة، انتهت بتسلمه السلطة من خلال دعم الجيش المباشر له، فالحقيقة الاكيدة ان الجيش صاحب الفضل الاول وراء وصوله الى السلطة.
حقق أحمد ابن بلّة على الصعيد الداخلي بصفته رئيساً للجمهورية الكثير من الانجازات المهمة التي حاول من خلالها مواجهة المشاكل التي واجهت حكومته بعد الاستقلال، بوصفها الحلول المناسبة لتلك المشاكل، غير ان تلك السياسة اثبتت فشلها في الكثير من جوانبها، لان بعضها لم يكن ملائماً طبيعة المجتمع الجزائري ولا المرحلة التي كانت تعيشها، في حين ان البعض الاخر رغم جدواها من حيث المبدأ- لم يكن يمتلك الامكانيات ولا الادوات لتحقيقها لذلك بقيت مجرد شعارات ظل يرددها طوال مدة حكمه، وخير مثال على ذاك سياسة الحزب الواحد- التي عدّها البعض انها الخطيئة الوحيدة التي ارتكبها ابن بلّة- فقد كان مثل غيره من الحكام العرب المعاصرين ازاء اعتماد سياسة الحزب الواحد لقمع كل معارضيه ليتمكن من البقاء في السلطة، ودعا ايضا الى التمسك بالعروبة والاسلام ولم يكن يحسن اللغة العربية، فضلا عن دعوته للاشتراكية لكسب الجماهير دون ان يتخذ اجراءات حازمة لتحقيقها، ولاسيما فيما يتعلق بسياسة التسيير الذاتي، ثم انه قام باعمال مظهرية لا تمس جوهر الواقع الجزائري مثل حملة ماسحي الاحذية، او المشاركة في مؤتمرات واتصالات خارجية ترفع من مركزه في الداخل، بغض النظر عن الاهداف التي كانت تسعى هذه المؤتمرات والاتصالات لتحقيقها.
اما بالنسبة لسياسته الخارجية فهي الاخرى كانت عرضة للكثير من الانتقادات، اذ كانت مثالاً للمبالغة ولحب الظهور في الكثير من اوجهها، فقد تجاوزت الامكانيات الحقيقية للجزائر، ولاسيما فيما يتعلق بدعم قضايا التحرر الافريقية.
بعد عرض مجريات انقلاب التاسع عشر من حزيران، وعرض أسبابه المباشرة وغير المباشرة واهم نتائجه، انتهينا الى جملة من الاستنتاجات التي حاولنا من خلالها الاسهام في استكمال الحقيقة.
فلقد اتهم أحمد بن بلّة بالحكم الفردي واحتكار السلطة، وسط جملة من الانتقادات الاخرى بشأن سياسته الداخلية والخارجية، وهي الحقيقة التي اتفقت عليها اغلب المصادر التي تناولت الحدث بالدراسة، غير ان الوجه الاخر لتلك الحقيقة، التي يجب الانتباه اليها ان الدكتاتورية التي اتهم بها أحمد بن بلّة كانت من صنع متهميه، بمعنى اخر ان الجيش وعلى رأسه هواري بومدين كان وراء انفراده بالسلطة، بعد ان مهد له الطريق للوصول الى ما وصل اليه، فالجيش كان السبب في منحه الصلاحية المطلقة في الدستور، ووراء استحواذه على مراكز مهمة في الدولة، ووراء انفراده في رسم سياسة البلد الداخلية والخارجية، والاهم ان الجيش هو من كان الاداة الطيعة بيده للقضاء على جميع معارضيه.
والشيء الاخر الذي يجب الانتباه له، ان تحركات أحمد ابن بلّة وسعيه للسيطرة على كل شيء لم تكن بالنسبة للجيش مشكلة، ما دام لم يتعرض للمساس بالجيش وبمصالحه، فالجيش لم يتحرك ضد أحمد بن بلّة الا عندما بدأ هذا الاخير يعمل من اجل فرض سيطرته عليه، وهنا فقط اصبح أحمد بن بلّة دكتاتورياً بالنسبة اليه، وهنا فقط اصبحت سياسته التي كان احد مؤيديها خطراً على الامة والوطن.
لقد وقف هواري بومدين مع أحمد بن بلّة في كل الظروف، وهيأ له اسباب الوصول الى السلطة، واسباب الهيمنة عليها، ولكنه وقف ضده عندما عمد أحمد بن بلّة الى ضرب نفوذه ومركزه، واتخذ هواري بوميدن من الدكتاتورية ذريعة للاطاحة به، والحقيقة انه لم يكن يختلف عنه بعد تسلمه السلطة، وبالعكس من ذلك كان عهده امتداداً لعهد أحمد بن بلة، مع بعض الفروق اليسيرة، وربما فاقه في كثير من الاشياء.
وكانت الاتهامات التي واجهت أحمد بن بلّة في محلها، فقد كانت تنقصه الحكمة والجدية اللازمة لمواجهة المشاكل والصعوبات التي اعترضته، ولاسيما ان حكومته جاءت عقب استعمار طويل ومدمر، اذ كان مندفعاً باصدار الكثير من القرارات، وكان مندفعاً في توجهاته الخارجية، فضلاً عن انه لم يكن حكيماً في التعامل مع خصومه ومعارضيه في سبيل وحدة الصف من اجل بناء وطن، كان اهم ما يخدمه هو وحدة رجاله.
فلقد فاق طموح أحمد ابن بلّة قدراته الحقيقة، ولاسيما فيما يتعلق بعلاقاته مع الجيش وهواري بومدين، فالاجدر به كان العمل من اجل تدعيم تلك العلاقات، وعندها قد لا يفكر الجيش بالانقلاب عليه.
ولكن من جهة اخرى يجب ان لا ننسى ان حكومة أحمد بن بلّة كانت اول حكومة جزائرية مستقلة بعد الاحتلال، فلذلك لايمكن موازنتها باية حال من الاحوال بأية حكومة اعقبتها، من حيث الانجازات التي حققتها، ولم يكن الانقلاب باي حال من الاحوال، حلاً صائباً لمعالجة مشكلة الحكم، التي اعترضت سبيل النخبة الثورية في الجزائر، ولاسيما ان الجزائر انذاك كانت في طريقها لافتتاح اكبر محفل دولي تشهده على الاطلاق الا وهو المؤتمر الافرو-اسييوي، وما كان سيشكله ذلك المؤتمر من اهمية لها على الصعيدين الاقليمي والدولي، ولم تكن التبريرات التي لجأ اليها منفذو الانقلاب في محلها.
الحقيقة الاخرى التي من الضروري ذكرها، هي ان الانقلاب لايمكن الجزم به كونه كان حركة داخلية بحتة، وقد تكون وراءه قوى خارجية تدعمه، ولاسيما بعد ان سكتت المصادر عن تاكيد هذه الحقيقة او تلك.
شهدت حياة أحمد بن بلّة من خلال دراستنا لسيرته الذاتية اربعة منعطفات مهمة، الاول هو انتقاله الى تلمسان للدراسة، لانه المنعطف الذي وضعه على طريق العمل السياسي بعد ان ادرك حقيقة واقع الشعب الجزائري، اما المنعطف الثاني فكانت حادثة سطيف عام 1945، وفيه وصل الى قناعة بان العمل المسلح هو الحل الوحيد لمجابهة الاستعمار الفرنسي، في حين كان المنعطف الثالث هو انتقاله الى مصر عام 1952-1953، وفيه نجح في تفجير ثورتهم المباركة بوصفها اعظم حدث عرفته الجزائر عبر تاريخها الطويل، وقد انتهت باستقلالهم الوطني، اما المنعطف الرابع فكان انقلاب التاسع عشر من حزيران عام 1965، لانه المنعطف الذي غير الكثير من مفاهيمه ومن تصوراته فيما بعد.
امتاز أحمد بن بلّة بالشجاعة والتواضع والهدوء وبالوطنية الصادقة، غير انه كان مستبداً برأيه، متقلباً في مواقفه، ومستهينا بطبيعة المشاكل التي واجهت حكومته، والتي كانت تتطلب منه الكثير من الحزم والجدية بعيداً عن التظاهر وحب البروز، لذلك جاءت الكثير من قراراته وسياساته مشوشة ومرتبكة.
اتهم أحمد بن بلّة كون فرنسا ومصر وتحديداً جمال عبد الناصر- بانهما كانتا وراء شهرته وبروزه زعيماً للثورة الجزائرية غير ان ذلك جزء من الحقيقة، والحقيقة هي انه فضلا عن ذلك كان يتمتع بالكثير من الصفات التي اهلته ليكن في طليعة زعماء الثورة.
وأخيراً يمكن القول ان تجربة أحمد بن بلّة كانت احدى تجارب العالم الثالث، ولا سيما فيما يتعلق بتجربة التسيير الذاتي (الزراعي،الصناعي)، التي حاول ان تكون صورة عن التجربة الصينية والكوبية واليوغسلافية، غير انها اصطدمت بكثير من المعوقات، والتي تمخضت عنها العديد من النتائج السلبية موازنة مع نتائجها الايجابية.

AHMED BEN BELLA
AND
HIS POLITICAL, ECONOMIC, AND SOCIAL ROLE UNTIL 1965
A THESIS SUBMITTED BY
MA’AIDA KHUDAYER ALI AL-SA’ADY
TO THE COUNCIL OF THE COLLEGE OF EDUCATION IBN RUSHD- BAGHDAD UNIVERSITY IN PARTIAL FULFILLMENT OF THE REQUIREMENTS FOR THE MASTER DEGREE IN MODERN HISTORY
SUPERVISED BY
PROF. DR. NORI ABD AL-HAMEED AL-A’ANY
1424 A. H & 2004 A.D
Abstract
Ahmed Ben Bella is considered one of the noteable characters in the world, being one of the leaders of the Algerian revolution who have taken on their shoulders the responsibility of conflicting with the French colonialism to become the first man who has led the Algerian movement for national independence. This thing qualified him later on to be the first president of Algeria. Many internal and external factors combined to bring him to the government.
The importance of the topic does not lie only in that Ahmed ben Bella is one of the prominent leaders in the Algerian revolution, and not in his being the first president of Algeria, but in the importance of the period in which he has come to be known as leader of the revolution, first, and president of the Republic, second. This is the period of the revolution outbreak, afterwards the independence period in all its circumstances and difficulties.
We have tried, through the study of the biography of Ahmed ben Bella, to shed the light on an important period in the Algerian history, in addition to the potential importance of the historical character study in itself, considering that man is one of the basic elements in the making of the historical event, besides space and time. The thesis is divided into an introduction, six chapter, and conclusion.
Chapter one deals with the first stage in the life of Ahmed Ben Bella until 1951. Chapter two tackles the role he plays in the announcement of the Algerian revolution until his kidnapping in 1956. Chapter three includes Bella’s efforts in the movement for Algerian independence. Chapter four is devoted for Bella’s internal policy in the political, economical, and social fields. Chapter five completes Chapter four, it reflects Bella’s external policy in the Arab, African, and international scenes. Chapter six ends the Chapters; in it we discuss the stage of Bella’s reaching the top of his power until the coup detat stage and his fall. We have done this through the discussion of the reasons and treaties leading to that event accomplished by the army and led by Hawary Bu Midian in the nineteenth of June 1955.
In conclusion, we can divide the life of Ahmed ben Bella on the basis of our present study into two main stages. The first stage spans the period from his birth to his reaching the power in 1962, and the second stage from 1962 to his loss of power in 1965.
Through our study of the biography of Ahmed ben Bella, we notice four importance turning points : the first his movement to Talmisan for study, as it is the turning point which has put him on the road of political activity, after his recognition of the reality of the Algerian people. The second turning point is Sateef’s incident in 1945; in it Bellah has reached to the concusion that the armed resistance is the only solution for the confrontation of French colonialism. The third turning point is Bella;s movement to Egypt in 1945; in it he succeeds in the outbreak of his revolution, which is the greatest event Algeria has witnessed in its modern history, and which has ended with the Algerian national independence. Finally, the fourth turning point is the coup d’etat of the nineteenth of June 1965, since it is the turning point which has changed many of Bella’s conceptions and perceptions.
العرض الالكتروني والاعلام والتبادل العلمي: ببليوغرافيا إراكي
07901780841
P.O BOX 195
BAGHDAD IRAQ


ليست هناك تعليقات: