السبت، 20 فبراير 2010

المصايد والمطارد (عرض كتاب).



مقدمة المحقق
لما كنت في هران سنة 1946م، عثرت اثناء تنقيبي عن ذخائر العربية فيها على نسخة نفيسة من كتاب (المصايد والمطارد) "لكشاجم"، الكاتب والشاعر المعروف فاقتنيتها وحرصت على العناية بها حين قرأتها وعرفت ما احتوت عليه من علم غزير، وأدب وفير، وفن ظريف. ولما عدت إلى سورية اخبرت شيخنا المرحوم الأستاذ العلامة محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي السابق بعثوري على ذلك الكتاب النفيس واعتززت باكتشافه فأخبرني أنه يريد إن ينشر كتاباً في الموضوع وهو كتاب "البيزرة" لبازيار العزيز بالله الخليفة الفاطمي. واخذ يقرأ علّي كثيراً من فصول هذا الكتاب ومن تعليقاته فكنت ابين له رأيي في تعليقاته واكشف له ما فيها من الخطأ على ضوء ما وجدته في كتاب كشاجم، وأريته ان كثيراً مما ذكره صاحب البيزرة وهو منقول بالحرف من كتاب كشاجم، وان صاحب البيزرة قد سطا عليه، فكان الأستاذ كرد (رحمه الله)، يقبل اقوالي، ويصحح نسخته على نسختي ويقيد ذلك في هامش نسخته كما كنت كثيراً ما ابين له بعض الملاحظات فكان يدونها على هامش نسخته وهو يقول قولته المعروفة "يا عيني عليك، والله معك الحق وبارك الله فيك" ثم طلب مني"كتاب المصايد والمطارد" فقدمته إليه على شريطة ان من ينشر كتابه قبل صاحبه يبين ما أفاده من كتاب صاحبه ويشهد بجهوده، وكان السيدان الفاضلان معالي الأستاذ خليل مردم رئيس المجمع العلمي العربي والأديب الكريم ياسين الخانجي كثيراً ما يشهدان جلساتنا ويسمعان تعليقاتنا، وكان الأستاذ الخليل يشاركنا في بعض تعليقاتنا وبخاصة ما كان مختصاً بأمر الشعر. وهكذا كانت لنا جلسات في دار المجمع، دأب، كرد علي (رحمه الله)، فيها على إخراج كتابه وتحقيقه.
ثم وقعت في سورية الحبيبة الإحداث الانقلابية في سنة 1949م فاضطررت على تركها واللجوء إلى العراق الأشم إلى ان يكشف الله الضر عنها، وشرعت أعيد النظر في مخطوطاتي وآثاري العلمية وإعدادها للنشر ومن بينها كتاب (المصايد والمطارد)، ولما آذن الله بنشره وبدأت بطبعه علمت ان المجمع العلمي العربي بدمشق قد باشر بنشر "البيزرة" فتوقفت عن الطبع إلى ان جاءني مطبوع المجمع العلمي العربي فقرأته فوجدت فيه كثيراً من الأخطاء التي صححها كرد علي (رحمه الله)، علّي أو على نسختي ولكنها قد شوهت أو حرفت أو أغفل ذكر مصدر تصحيحها. وكان جديراً بمن اشرفوا على طبع الكتاب ان يشيروا إلى ذلك، ويذكروا ان الأستاذ كرد علي- الذي توفى اثناء طبع الكتاب- كان قد اعتمد علّي وعلى كثير من تصويباتي وملاحظاتي وتعليقاتي، وان كثيراً من التصحيحات قد نقلها من تعليقاتي على كتاب (المصايد والمطارد)، للنشر كما يرى القارئ المنصف المدقق في كتابي هذا وفي كتاب "البيزرة" ولكن وفاته- اسكنه الله الجنة- قد حالت دون ذلك.

وصف المخطوطة
هي نسخة جد نفيسة، وقد كتبت عنها بحثاً مفصلاً في المقالة التي نشرتها في مجلة المجمع العلمي العراقي، - المجلد الثاني سنة 1952م- وعرّفت المشتغلين بالأدب وبتاريخ الحضارة العربية، بقيمة هذا الكتاب الخطير الفريد، وقلت إنني عاكف على نشره، وقد قيض الله لي ذلك فله الحمد والمنة.
ومخطوطتنا هذه كتوبة على ورق عادي بقلم نسخي جيد مضغوط في الغالب، وعدد أوراقها (208)، بحجم (18,5 في 12,5 سنتيماً)، وقد جاء في آخرها ما نصه:( فرغت نساخة هذا الكتاب في يوم الثلاثا الثالث من شوال سنة سبع عشرة وستمائة للهجرة الطاهرة، ونسخ هذا الكتاب من نسخة قد ضعفت وخربت وأكلت الأرضة كثيراً فلا ينتقد على ناسخها إذا ما وجد القارئ في هذه شيئاً من خطأ أو زلل كما قال الحريري..
وان تجد عيبا فسد الخللا
فجلّ من لا عيب فيه وعلا).
فالنسخة اذن منقولة عن نسخة أخرى مكتوبة قبل سنة 617هـ وناسخ نسختنا هذه قد تعب كثيراً في إصلاحها ونسخها لان نسخته القديمة كانت مأروضة، ولقد قاسى عناء كبيراً حتى استطاع ان ينسخ هذه النسخة، وعلى انه قد ترك بعض المواضع خالية من الكتابة فجاء في النسخة بعض الخروم، وقد أشرنا إلى ذلك في مواضعه.


مؤلفها
هو الشاعر الكاتب الأديب أبو الفتح محمود (بن محمد) بن الحسين بن السندي بن شاهك، المتوفى حوالي سنة 358هـ.
ولا نكاد نعرف شيئاً ثابتاً عن اوليته، وأقدم ترجمة له نجدها في (فهرست ابن النديم)، فقد عده بين الكتاب والخطباء والمترسلين ورجال الخراج والدواوين وقال عنه " هو الفتوح محمود بن الحسين، وأدبه وشعره مشهور، وله من الكتب (أدب النديم) و (كتاب الرسائل) و(ديوان شعره)". ويقول ابن خلكان في الوفيات اثناء كلامه عن السري الرفاه الشاعر انه "كان مغرى بنسخ ديوان كشاجم الشاعر المشهور وهو إذ ذاك ريحان الأدب بتلك البلاد، والسير في طريقه يذهب، وعلى قالبه يضرب، فكان يدس فيما كتبه من شعره أحسن شعر الخالدين ليزيد في حجم ما ينسخه، وينفق سوقه ويغلى سعره، ويشنع بذلك عليهما، ويغض منهما، يظهر مصداق قوله في سرقتهما، فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ( ديوان كشاجم) زيادات ليست في الأصول المشهورة". ويقول الجلال السيوطي " كشاجم اسمه محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك يكنى أبا نصر، وقال صاحب سجع الهديل: كان اقام بمصر فاستطابها ثم رحل عنها فكان يتشوف إليها فقال:
قد كان شوقي إلى مصر يؤرقني
فلآن عدت وعادت مصر لي دارا"


***

تفصيل تخريج الكتاب
المصايد والمطارد، أبى الفتح محمود بن الحسن الكاتب المعروف بكشاجم، حققه وعلق عليه الدكتور محمد أسعد طلس، مطبوعات دار اليقظة، مطبعة دار المعرفة، بغداد، 1954م.

ليست هناك تعليقات: