الخميس، 15 أكتوبر 2009

الأمثال العربية القديمة دراسة في كتابي ( مجمع الأمثال ) للميداني و ( المستقصى في أمثال العرب ) للزمخشري (دراسة موضوعية وفنية).

كما كان القرآن الكريم حافزاً في تعقيد اللغة العربية لضمان سلامة نطقه فهو الان عامل مهم ودرع حصين للدفاع عنها من التشويه والتحريف وسيظل مداداً لا ينضب وكلمات لا تنفذ في رفد الدرس اللغوي، قال تعالى:( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )(1).
وفي كل مسالة لغوية نجد المثل القرآني حاضراً إمامنا في الآيات الكريمة فهو موطن خصب للدارسين ونموذج لا يوازي في النظم والتأليف. قال تعالى:( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(2)، فقد عنيت الأمثال القرآنية وعالجت كثيرا من موضوعات ابتداءاً من عبودية الله عز وجل وتدرجاً إلى تقنية النفس وتصفيتها من إمراض القلوب كالحقد والحسد والغرور وتعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة، وكان ورود الأمثال في القران الكريم دليلا على أهميتها فلا يستطيع باحث إن يتغافل عن ورودها فيه ، ولا عما يتريب على ذلك من شرف مكانتها وسمو منزلتها، فأكثر الله عز عجل من ضرب الأمثال وتصوير الممثل له تصويرا دقيقا وذلك لان الأمثال صور الأشياء فما ظهر في الصورة ما هو إلا انعكاس لصاحبها وبراعة الرسام لا تظهر في قدرته على إظهار الجميل بمظهر القبيح، وإنما تظهر تلك البراعة في قدرته على المشابهة والمطابقة بين الصورة وصاحبها .
وان تراثنا الأدبي العربي بحر غني بالتجارب الإنسانية، لا أقول هذا جزافاً أو تعصباً إنما يشهد على ذلك من خاض عباب ذلك البحر وغاص ليصطاد أنفس اللآليء وأجود الجواهر.
وإذ وقفت على ساحل هذا البحر، أخذتني الدهشة، وتملكني الخوف، إمام هذه الثروة الهائلة من تجارب الشعراء والأدباء .
يعد الشعر العربي سفرا خالداً ضم بين ثناياه العديد من الظواهر الأدبية التي لفتت انتباه الدارسين إليها فتناولوها بالبحث والدراسة، ومنها موضوعنا الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتراث العربي الخالد، الذي طالما شدني إليه، ولعل الفكرة السائدة لدى أدباء العرب والتي ترى ان الأمثال هي في الأساس جاءت نثراً ثم ضمنت في الشعر هي إحدى أسباب هذا الميل. وما من شيء أهم وأدق في تحديد أهمية الأمثال والحكم القرآنية مما ذهب إليه القرآن الكريم نفسه ومن هنا كان لزاماً على الباحث إن يقف وقفة تأمل وتدبر على ما تحدث به القران في هذا الشأن قبل إن يقف على ما تحدث به غيره، ولقد وردت الأمثال والحكم في القران الكريم، فلا يستطيع باحث يتغلغل عن ورودها فيه، ولا عما يترتب على ذلك من شرف مكانتها، وسمو منزلتها، اذ لولا عظم شانها لما تضمنها يضاف إلى ذلك ان القران الكريم لم يقتصر على إيرادها والإكثار منها، وإنما أكثر من الآيات التي أشادت بها حتى كادت كثرة تلك الآيات ان تكون مبعث حيرة فيما يأخذ منها وما يدع، وبأيها يمكنه إن يبتدئ حديثه وبأيها يستطيع إن يختمه.
وزادت أهميتها عندما استعملها النبي محمد(ص) في حديثه الشريف فكان يذكر الأمثال والحكم إثناء كلامه مع المسلمين، وفي إجاباته على أسئلتهم تتعلق بحياتهم ومعادهم ، وكان القران الكريم معجزة النبي (ص) فقد تحدى العرب بفصاحته وأعجزهم ببيانه وأسلوبه، ولم يتمكنوا من الإتيان بمثله مع ما اتصفوا به من إسرار البلاغة والفصاحة، وعلى هذا فقد انصرف كثير من العلماء والدارسين والباحثين قديما وحديثا لدراسة أساليب القران الكريم البلاغية ووضعوا المؤلفات المختلفة في الدراسات القرآنية، ومنها ما تختص بالأمثال والحكم في القران الكريم.
ومهما يكن من شيء فان الأمثال عظيمة القدر فالخائض بها لا يسلم من النقد فتوكلت على الله عز وجل وخضعت غمار هذا الشائك الشائق، فبدأت مرحلة جمع المادة، واستغرقت في قراءة كتب تاريخ الأدب العربي والكثير من الدواوين، وكتب الأمثال، والكتب التي عنيت بالأمثال في الشعر واطلعت على الكتابين بكل أجزائهما وبدأت رحلتي معهما وواجهت من الصعوبات الكثير.
وكذلك تشعب الموضوع في اتجاهات متعددة استلزم الإلمام بمختلف الاتجاهات وهو ليس باليسير.
ونظرا لفروع البحث الكثيرة، وتوزيعها بين البحث القراني والنحوي والدلالي، والتأويلي فقد أدى هذا إلى تنوع المصادر والمراجع التي استعنت بها في هذه الدراسة ، لتنوع الجهود العلمية وتعددها عند رجالها .
1- سورة الكهف: الآية 109.
2- سورة البقرة: الآية 23.

تخريج الأطروحة:
- شعر الأمثال العربية القديمة دراسة في كتابي (مجمع الأمثال) للميداني و (المستقصى في أمثال العرب ) للزمخشري (دراسة موضوعية وفنية).
- الباحث: د. سلام احمد خلف الدليمي.
- المشرف:أ.م.د أحمد الشحاذ.
- أطروحة دكتوراه غير منشورة.
- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الجامعة الإسلامية، بغداد، كلية اللغة العربية وعلوم القران، التخصص: أدب عباسي، (1427هـ - 2006م).
- عرض وإيجاز ونشر على شبكة الانترنت: السفير انترناشونال للعلوم الإنسانية، ضمن مشروعها: ببليوغرافيا أراكي.. بغداد تكتب، تطبع، تقرأ .
alsafeerint@yahoo.com
TEL: 964 7901780841

***

تفصيل محتويات ومحاور الأطروحة:
التمهيد: عراقة الأمثال
الفصل الأول: دراسة موضوعية للمثل العربي الجاهلي والإسلامي، تعريف المثل، الحديث عن البيئة العربية واثر المثل فيها واختلاف الرواية في المثل، العلاقة بين موضوع المثل والذاتية المجردة عن الواقع، التفريق بين الحكمة والمثل في التراث الجاهلي والمفهوم القراني، علاقة المثل بالشعر الجاهلي، جمع الأمثال قبل الميداني والزمخشري، ترجمة الميداني والزمخشري ومنهجهما وعلاقتهما وطبعات كتابيهما.
الفصل الثاني: اثر المثل ودلالته على نفسية العربي، دلالته على نفسية العربي، دلالته على العلاقات الاجتماعية.
الفصل الثالث: التحليل الموضوعي للمثل العربي في الكتابين، منهجا الميداني والزمخشري في كتابيهما، التحليل الموضوعي للأمثال العربية في الكتابين.
الفصل الرابع: دراسة فنية للأمثال العربية في الكتابين، الخيال في الأمثال، المستوى التركيبي، المستوى البياني والبلاغي.
ثم ختمت الأطروحة بأهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي فيها.

الخاتمة
لاشك في إن الأمثال العربية اكتسبت خاصة للحقبة التي قيلت فيها، فكانت مصدراً مهماً من مصادر اللغويين، يستقون منها شواهد لغوية ونحوية في معرض كلامهم على إحكام لغوية وأنظار نحوية فلا غرابة إن تحظى بعناية الدارسين القدماء والمحدثين، ويمكن إجمال ما توصلت إليه خلال مسيرتي في البحث والتتبع من نتائج على الوجه الأتي : -
المثل عبارة موجزة اللفظ مكثفة الصورة تطلق متى ما حصلت مشابهة بين موقفين موقف سابق وأخر لاحق.
المثل عبارة عن جملة موجزة تدل على معنى مؤثر، ولا يتعدى حدود التمثيل والتذكرة في اغلب صورة، ذلك لأنه يحرك إحساس المتمثل به وسامعه، فيتبين لنا من خلال ما وصل الينا من كتب الأمثال إن العرب تنبهوا على التأليف فيها منذ وقت مبكر، فقد كانت تفتقر إلى مواصفات منهجية في أول الأمر، إلى إن مر التأليف بمراحل حتى أصبح على الشكل الذي رأيناه في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، وكتاب حمزة الاصبهاني، وكتاب ابي هلال العسكري اذ كانت كتبهم تتميز بالتقسيم، والترتيب .
فضلا عن ذلك هناك تطور واضح في تأليف كتب الأمثال يظهر من خلال تسمية الكتب اذ نرى إن أكثر كتب الأمثال تحمل اسم كتاب الأمثال للأصمعي مثلا، إما بعد ذلك فقد حمل أسماء أخرى ككتاب الفاخر للمفضل بن سلمة الضبي وكتاب الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر بن الانباري، وكتاب الجمهرة لأبي هلال العسكري ويرجع عدم اهتمام المفضل الضبي بالجانب اللغوي في كتابه أمثال العرب إلى حداثة التأليف في هذا الفن خطى أبو فيد مؤرج السدوسي في كتابه الأمثال خطوة أولى في معالجة المثل لغوياً.
وجدت الأمثال لدى الشعوب السامية ومن بين الشعوب السامية التي اشتهرت بأدب الأمثال والحكم السومريين والبابليون بيد إن نشأتها لديهم قد ارتبطت بجوانب دينية متعلقة بالكهانة والعرافة اللتين عرفهما السومريين والبابليون والأشوريون والمصريون والعبرانيون والأحباش منذ القدم نتيجة لحاجة كل من الكاهن والعراف إلى العبارات ذات ذات الصور المجازية الممتلئة بالتشبيه والتصوير حيث يجد فيها مجالاً للموارية الإيماء والرمز، (لتكن فيه قابلية التفسير والتأويل وإعطاء كثير من الاحتمالات) والعرب كغيرهم من بين شعوب الشرق عامة والسامية خاصة شديدو الميل إلى إرسال الحكمة وضرب المثل ، فقد جرت الحكم والأمثال على السنة العرب بكثرة معززين بها الأقوال والأفعال .
اشار علماء العرب عدم إمكان حصول التغيير في عبارة المثل، وإنما تجري مثلما جاءت عليه، على إننا من خلال عملية سير البحث وصدنا للتغييرات التي قد تطرأ على عبارة المثل بفعل تقادم الزمن، وبتأثير العوامل المحيطة بالاستعمال اللغوي، فقد قمنا بتقسيم هذه التغييرات – التي هي بالنتيجة تعد نوعا من أنواع التطور – إلى ثلاثة مناحٍ هي:
أ - تطور بسبب تغير في لفظ المثل حذفاً أو إضافة، ب - تطور بسبب تغير في معنى المثل، ج - تطور بسبب تغير في لفظ المثل ومعناه لدخول المثل في الشعر، أو بتأثير العوامل المحيطة به.
وجدنا المثل اصدق دلالة على نفسية العربي من الشعر ذلك لان الشعر يقوم على أساس عاطفي وينبع من إغراض ومقاصد فردية أو قبلية على حين إن المثل يكاد يخلو من هذا التحكم ، فالمدح والهجاء بين الشعراء كانا في اغلب الأحيان نتيجة للتصادم القبلي والمنافرات العشائرية فكانت الأهواء والإغراض تلعب دوراً رئيسياً في توجيه هذين الفنين اللذين يقوم عليهما اغلب الشعر العربي .
وقد تبين لنا إن ملامح نفسية العربي التي تبرزها أمثاله تتلخص في حبه للكرم والشجاعة واحتقاره للبخل والجبن، ومن ذلك أيضاً اعتزازه بالخصال الحميدة كالوفاء والصدق والأنفة وغيرها، وذمه لما يناقضها من خصال كالكذب والغدر والتذلل والخضوع ، وقد تعرضنا لهذه الملامح بالتفصيل، واستشهدنا على كل ذلك بما وجدناه من الأمثال، وقد لاحظنا إن أمثالهم في الكرم والحث عليه ووصفه اقل منها في البخل والبخيل وأوصافه، وقد أرجعنا ذلك إلى إن الكرم شيء طبيعي وصفة أصيلة من صفات العربي فلم يحتاجوا إلى توكيده بأمثالهم .
إما البخل فهو خصلة ذميمة لا يرتضيها العربي لنفسه ولا لغيره من أبناء العرب بل هي عار في نظره يحط من قدر الرجال ويأنف منه الناس، لذلك كثرت أمثالهم في ذمه وحث الناس على الابتعاد عنه، ووصفوا البخيل في أمثالهم وصفاً دقيقاً، كما أنهم وصفوا الشره والحرص وجاؤا بأمثال تنهي عنهما. وما قيل عن قلة الأمثال في الكرم وكثرتها في البخل يقال أيضاً في قلتها في الشجاعة والقوة وكثرتها في الجبن والضعف، لذلك كثرت أمثالهم في الجبن والجبان وصفاته وأحواله فقد كثرت أمثالهم في كذب وعيد الجبان وفي الإجابة على وعيده وتهديده لغيره، ومن ابرز ملامح نفسية العربي أنفته وغيرته، فهو يأنف من كل ما يشين، كان يكن ثقيلا على غيره ويأبى الظلم ويثور على ظالمه ويتذمر لخصمه مدافعاً عن شرفه وكرامته بما لديه من قوة او يموت دون ذلك، ويأبى الغش والخداع وان تغمط حقوقه ويترقع عن التكسب بالإعمال الدنيئة وامتهان المهن الشائنة ولو أدى به ذلك إلى الجوع والحرمان، وغبره العربي من ابرز شمائل الشرف عندهم فلا يكون الشرف لديهم الا بالدفاع عن الحق والغيرة على الحرمات، فالذليل عندهم من استبيحت حرماته والشريف من يمت دون ذلك فلا بد من الدفاع عن الحمى وبذل النفس والنفيس دون الحرمات، وللنساء عنده حرمة خاصة يحافظ عليها العربي بكل ما يستطيع، وشرف العربي يأبى عليه إلا إن يحترم شرف النساء وان كن من نساء أعدائه ، وقد اتضح كل هذا جلياً في أمثالهم التي استشهدنا بها في مواضعها، وقد كثرت أمثالهم أيضا في الصبر على الملمات والحث عليه ، وهو خصلة يتحلى بها العربي الذي يعيش عيشة ضنكة في صحراء مجدبة بكل ما فيها من أهوال ومخاطر وقحط وسنين عجاف .
وكثرت أيضا أمثالهم في الحلم والعفو عند المقدرة، وهما من أنبل الصفات التي يشترط توفرها في من يسود ويسوسهم، وللعرب في أمثالهم حديث طويل عن الدهاء والذكاء والحمق وحسن التدبير وسوئه، وفي الحذر والاحتياط، وكان للرجل الداهية الذكي شان عظيم بين قومه وأبناء عشيرته لان القبيلة وهي مجتمع صغير متنقل، أحوج ما تكون إلى رجال دهاء، ومن تلك الملامح أيضا حبهم للصدق وكرههم للكذب، لذلك لان الكلمة البليغة اثر في أنفسهم، وقد كان الكلام سلاحهم إثناء السلم والحرب ولا غرابة في أنهم كانوا ينفرون من الكذب ويحبون الصدق، وقد تجلى ذلك في أمثالهم. كما أنهم أحبوا الفصاحة وكرهوا العي، ومن أحسن ما يمتدح المرء عندهم انه فصيح اللسان منطيق ومن اسوأ هجائهم للرجل انه عيّ.
وقد تناولنا أيضا دلالة المثل على علاقات العرب الاجتماعية ونظرتهم إلى الاحساب والأنساب، فهو يبين لنا تلك الرابطة القوية التي تشد العربي إلى أسرته وقبيلته فنراه يسترخص التضحيات عندما يحيق الخطر بأهله وعشيرته ثم ان العربي ينسى ما يضمره من حقد وضغينة تجاه قريبه حينما يقع في خطر أو تحيق به مصيبة، وكثير ما كانت تقوم الحروب وتسيل الدماء نتيجة لذلك التعصب للأهل، وأيام العرب تشهد على ذلك.
ومن دلالة المثل على العلاقات الاجتماعية حثه على الكتمان وعدم إفشاء السر وقد وجدنا الأمثال التي تتعرض لهذا الموضوع على أربعة نماذج: منها ما يحث على الكتمان بصراحة ترغيباً أو ترهيباً، وهذه الأمثال اقرب ما تكن إلى الحكم، ومنها ما يذم من يفشي السر فشبهوه تارة بالأحمق الذي لا يحبس لعابه وتارة أخرى بالحق الذي لا يحتمل حمل بعير، ومنها ما يصور إظهار السر بصورة مستمدة من حياتهم اليومية فشبهوه بالأسير إذا بقي مخفيا وبالأسر إذا ظهر. ومنها انه استعملوا التصوير البليغ في أمثالهم التي تحث على كتمان السر وعدم إفشائه فقد شبهوه تشبيهات كثيرة تعرضنا لها في أماكنها على ان العربي لم يكن يخفي سره عن أهله وذويه فهو يبوح لهم به ويفضي بما في نفسه من إسرار.
وكما حثت الأمثال على كتمان السر وعدم إفشائه فقد وجدناها تحث أيضا على الوفاء بالوعد وعدم الخلف فيه، فالوفاء عند العربي من الخصال الجميلة التي يتحلى بها، بل ان الوفاء عنده من القدسية بمكان بحيث قالوا: الوفاء من الله بمكان. وذموا الخلف بالوعد واستهانوا بالرجل الذي لا يصدق وعده واشتهر عندهم عرقوب بخلف الوعد فضربوا به الأمثال الكثيرة، كما اشتهر عندهم بالوفاء رجال كالسمؤال وعوف بن محلم والحارث بن ظالم وغيرهم ممن ذكرناهم .
وللمودة والصداقة شان عند العربي لا يقل أهمية عما لغيرهما، وقد قوت هذه الصداقة والمودة بينهم حياتهم الصحراوية التي يحتاج فيها الرجل إلى صديق يرافقه ويستعين به عند الملمات، والأمثال التي تتناول المودة والصداقة قسمان منها: ما تتناولها بالوصف ومنها ما يحث على التماسك بها وعدم التفريط بأصحابها .
وقد تعرضنا أيضا للأمثال التي تحث على ترك مودة وصداقة من لا يستحقهما وأمثالهم في ذلك كثيرة، وقد اشرنا هنا إلى علة هذا التناقض فيما جاء من الأمثال التي تحث على المودة والصداقة مرة، وتحث على ترك الناس والعزلة تارة أخرى، وأرجعنا ذلك إلى ان الأمثال مرآة صادقة تعكس نماذج مختلفة من الناس تحث على ذلك، وفيها أيضا طائفة لا تحب مخالطة الناس وتفضل العزلة وهي أيضا لها أمثالها .
ومن الأمثال الاجتماعية تلك الأمثال التي تتعرض للشرف والجاه فلهذه الصفة مكانة رفيعة لا تضاهيها صفة أخرى، فللشريف منزلة عظيمة عندهم، وذلك كثرت الأمثال التي تدور حول الشرف والشريف ومكانته، ويستطيع الباحث ان يستخلص من الأمثال الخصال التي يتمتع بها الرجل فيصبح من علية القوم وإشرافهم، وعلى النقيض من ذلك أيضا كثرت الأمثال التي تدل على الذل والذليل .
والأمثال التي تدور حول المرأة وما يتعلق بها كثيرة بشكل ملحوظ فقد نيفت في(مجمع الأمثال) للميداني على مائتين وعشرين مثلاً، فهي تتحدث عن أخلاقها وصفاتها وتعكس صورة رأي عامة العرب في المرأة ونظرة المجتمع إليها، كما أنها تصور لنا حياتها مع زوجها وفي أسرتها وتتحدث عن علاقة المرأة ببيتها وأولادها وجيرانها. ومن هذه الأمثال ما يصور حرص العربي على تمسكه بشرف المرأة وما يستقبحه أو يحبه من أخلاقها ومنها ما يصور حرصهم على اختيار نسائهم وغيرتهم عليهن وكانوا يحرصون على شرفها والذود عن حرمتها حرصا لا يجاريه حرص.
ومن هذه الأمثال ما يشير إلى استهجان العربي للمرأة التي تكسب لقمتها بلبنها أو باشتغالها بمهن مشينة. ومن الشيمة والنخوة عند العربي ان لا يتعرض لنساء غيره بسوء، وكان كذلك يحب منها أدبها وحياءها، وأكثر ما يكبر الرجل في المرأة أمومتها وحنانها على أولادها وتضحيتها في سبيل تربيتهم والى جانب هذه الأمثال التي تتبين ما للمرأة من مكانة عند العرب هناك أمثال تستهين بها وتقلل من شانها من ذلك الأمثال التي تذكرها بالحمق وقصر النظر وشدة الغيرة والتحاسد وعدم حفظهما للسر، ومن الأمثال ما يشير إلى بعض النساء اللواتي عرفن بخصال حميدة كالزباء وحليمة وام قرفة في الاباء، وحذام في صدق القول، وزرقاء اليمامة بحدة البصر، واللواتي عرفن بخصال ذميمة كحمالة الحطب في الخسران، ودغة وجهيزة في الحمق .
لقد رتب الميداني كتابه طبقاً لأصول الكلمات فذكر في باب الهمزة الأمثال المبدوءة بهمزة قطع ولم يذكر ما أوله ال ولا همزة وصل، ثم ذكر ما جاء على وزن (افعل) من هذا الباب، ثم سرد أمثال المولدين، وهكذا صنع في بقية الحروف ويمكننا ان نلاحظ ان الكثير من الأمثال التي أوردها الميداني في كتابه (مجمع الأمثال) مكررة.
لقد رتب الزمخشري كتاب (المستقصى في أمثال العرب) ترتيباً هجائياً كما صنع في أساس البلاغة، فبدأ بالأمثال التي أولها همزة ثم باء وهكذا إلى الياء مراعيا الترتيب في الحرف الثاني وما بعده .
لقد ذكر الزمخشري في باب الهمزة وجميع الأمثال المبدوءة بهمزة سواء أكانت الهمزة أصلية، أم همزة وصل، أم كانت الكلمة مبدوءة بال، أم كانت الكلمة على وزن افعل .
لقد شرح الزمخشري الأمثال في كتابه وبين مواردها وأسبابها وملابساتها وذكر مضارب كثير منها، والأحوال التي يصح ان تقال فيها .
لقد أضاف للزمخشري في شرحه للأمثال مسائل من اللغة والنحو واستشهد بنصوص شتى من شعر ونثر.
لقد ذكر الميداني في مقدمة كتابه عشرات من الكتب التي نقل منها ، بينما لم يذكر الزمخشري في مقدمة كتابه المصادر التي اعتمد عليها .


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.