السبت، 24 أكتوبر 2009

من هو استاذ، عميد الادب العربي










وصف بأنه دائرة معارف، لكن آثاره امتدت في حفريات التراث واللغة العربية وادابها والتاريخ والسير، لتفوق دائرة معارف.
لم يكن يلقن طلابه الدرس وحسب، بل كان دائرة درسه وعلمه.. أبناء الشعب كله من الملك الى ابناء الارياف والقرى، عبر اثير الراديو وشاشات التلفاز، وكذلك ندواته ومشاركاته الجماهيرية الحميمة مع جمهوره واهله ومحبيه.
كان عميق الدراسة للنصوص العلمية، وتناولها من وجوه شتى بالدرس والتمحيص، والتصحيح والزيادة والنقص كيما يكتمل كما يشاء رأيه وكما تشاء الحقيقة العلمية، وكما يشاء العلم والمنطق. وكثيرا ما كان يتناول بالنقد، كبار العلم واساطينه، لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يقصد بذلك غير العلم والحق.
موضحاً آراه الاجتهادية.. يقول" علامتنا" رحمه الله (( فانا حسب علمي لي آراء وجولات فكرية في النحو واللغة واجتهادات لايصح التغاضي عنها)).. غير ملتفت الى من يعارضه من القدمين وبالاخص من أرسى أسس الدراسة النحوية لأنه ليس (( جامداً ولا مقلداً)).. الى قوله ((ونحن اذا رأينا الكلام واهياً لا يمنعنا من رده ان قائله سيبويه أو ابن جنى فالميدان ميدان احتجاج واستدلال وبرهنة)).
وقبل ان اذكر بعض ما وفق فيها " علامتنا" بتخطئة عدد كبير من اعلام اللغة ومصنفي المعاجم قدامى ومعاصرين.. اجد من الضرورة بمكان تناول السيرة الشخصية " لعلامتنا"، بسطور تغني من فاته من اثر... لا يمل تكراره.



العلامة الدكتور مصطفى جواد(رحمه الله) 1901-1969م. سيرة موجزة: د. مصطفى جواد ( رحمه الله).
ولد العلامة في محلة القشل من رصافة بغداد عام 1901م، وكان والده خياطاً، درس في طفولته في الكتاتيب عند الملّية (صفية) بدلتاوة *، فتعلّم الابجدية العربية وحفظ القران الكريم، دخل المدرسة الابتدائية (المكتب) عام 1915م في دلتاوة، ترك الدراسة بعد ان نجح الى الصف الثال.. وذلك على اثر اقتحام الانكليز لمدينة دلتاوة،وعمل في الفلاحة في صباه. عاد الى بغداد عام 1918م فدخل المدرسة الجعفرية الاهلية، وكان من المتفوقين على اقرانه، لضيق حالته المعاشية عاد الى دلتاوة، للانتفاع من غلة بساتين عائلته. اجتاز الدراسة الابتدائية في دلتاوة عام 1920م. دخل عام 1921م دار المعلمين الابتدائية ببغداد بعد امتحان صعب، بدأ بقرض الشعر في سن مبكرة، وكان ينشد قصائده على طلاب دار المعلمين، التي تخرج فيها عام 1924م، وتسابقت الصحف - عراقية وعربية- على نشر قصائده.
عين معلما في المدارس الابتدائية في الناصرية والبصرة ودلتاوة، والكاظمية وبغداد من عام (1924م - 1932م)، ونشر في مجلة المعلمين التي كان يصدرها هاشم السعدي، وقد عرف بتأييده لثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب العربي.
عمل محررا في مجلة لغة العرب " الشهيرة" التي كان يصدرها الاب انستاس مارى الكرملى مع عام 1928م -1932، واتسمت مقالاته وبحوثه بالاصالة والعمق، الى احتجبت مجلة " لغة العرب" عن الصدور عام 1932م. رشح في بعثة علمية الى الولايات المتحدة للتخصص في الاثار. ولكنه استوعر الطريق، فبدّل وجهته، وسافر الى القاهرة مستمعاً في كلية الاداب، ومنها الى باريس للتخصص بالعلوم اللغوية في جامعة السوربون، وفي هذه الفترة نشر ببغداد تحقيقه لكتاب (الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة) لكمال الدين الفوطي، وتحقيقه للجزء التاسع من ( الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير) لابن الساعي البغدادي.
نال شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون عن اطروحته باللغة الفرنسية وموضوعها(سياسة الدولة العباسية في آخر عصورها) عام 1939م. اختير عضوا عاملا ومراسلاً في عدد من المجامع العلمية واللغوية. لم يوفق في الجمع بين التدريس في دار المعلمين وتعليم الملك فيصل الثاني (القراءة الخلدونية)، فأصبح ملاحظاً فنياً في مديرية الآثار القديمة. وقد اتيح له ان ينشر بعض آثاره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، وأن يضع دراسة عن مشهد الامامين الكاظمين (عليهما السلام) كتبها على الآلة الطابعة واهداها الى مكتبة المتحف العراقي. نشر نتاجه الفكري والعلمي والبحثي، في عشرات الصحف والمجلات والدوريات العلمية المحكمة.. داخل وخارج العراق. وفي صباح يوم الخميس الموافق 18/12/ 1969، خرجت في بغداد جموع اهل العراق وهي تشيع جثمان فقيدها وعالمها الفذ.
التنازع
قال الدكتور مصطفى جواد:
ان جلال الدين السيوطي مؤلف ( البهجة المرضية في شرح الألفية) لما ضرب مثلاً من امثال ( باب التنازع) قال : ( ومثاله على إعمال الثاني: قاما وقعد. اخواك، رأيتهما وأكرمت ابويك، ضرباني وضربت الزيدين).(1) ولذلك ظهر لي أن السيوطي نقل وما عقل. لان العلماء الألى اجازوا التنازع : (( منعوا عند اعمال الثاني ان يذكر للأول ضمير نصب غير عمدة))(2)، أي أوجبوا حذف الضمير ان كان فضلة، كضمير المفعول به المنصوب بغير أفعال القلوب والتحويل. فالسيوطي مخطىء في قوله ((رأيتهما)) و ((ضرباني)) وذلك لوضعه (الهاء) في الفعل الأول، وابقائه (الياء) في الفعل الثاني وهما فضلة يجب حذفهما عند اهمال العامل الأول. والعجيب أن السيوطي ذكر هذه القاعدة بقوله :(ولا تجيء مع أول قد أهملا) من العمل ( بمضمر لغير رفع... بل حذفه) أي ضمير غير الرفع (الزم ان يكون فضلة).(3) أما الصواب كما يقول : فهو ((رأيت وأكرمت ابويك وضربا وضربت الزيدين)) بحذف ضميري النصب من العاملين الأولين لنهما مهملان (( ولأن الضميرين ليسا بعمدة في الأصل)).(4) وفي كتابه الشهير " قل ولا تقل : يقول علامتنا (( ونشأت طبقة الكتاب الرواسميين (( أي أهل الاسلوب الكلايشي)) فهولاء قد حفظوا جملاً باعيانها مترجمة أو مبدعة لكتّاب بارعين كالدكتور طه حسين وعبد العزيز البشري ومحمود تيمور وعباس محمود العقاد والسباعي ومصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد حسن الزيات، ودأبوا على استعمالها في كتاباتهم من غير ان يتعملوا مبادىء النحو والصرف، ولم يشعروا بفساد أذواقهم في المجاز والاستعارة وأوهامهم النحوية والصرفية التي يرتكبونها في نادر خروجهم عن تلك الرواسم التي حفظوها، ومع هذا الشين المبين فيهم تجدهم يطالبون بأن يوصفوا بالكتاب الفوَقة، والأدباء الحقة، وما هم الا عالة، ووارثوا كلالة ومتهاونون بالعربية، ومطالبون بما ليسوا أهلاً له.(5) وإن من الاغلاط ما ارتكبه ((ادباء كبراء)) كالدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد، وتابعهما عليه مقلدوهما غير عالمين بهما لانهما قدوتهما وموضع ثقتهم، فالفعل الشائع اليوم في اقوال الكّتاب (( تعرض)) والخطأ في استعماله، انما ظهرا في كتاب الايام لطه حسين منذ سنة 1939م، ففي الصفحة 156 من الجزء الثاني، منه قول الكاتب (( وكان ذكاؤه واضحاً وإتقانه للفقه بيّناً وحسن تصرفه فيه لا يتعرض للشك))... والصواب (( لا يعرض للشك)) بالبناء للمجهول او (( لا يعرض له الشك)). وفي الصفحة (21) : ( وكان الازهر قد تعرض لالوان مختلفة من النظام) ... والصواب ( كان الازهر معرضاً لالوان.. او.. كان عريض الوان.. ومثله قول العقاد في كتابه عبقرية خالد. (6) ويستمر جواد في ملاحقة كل شاردة وواردة في "كلالة" من وصفهم علامتنا بـــ (( ادباء كبراء!!)). ولمن يبتغي الاستزادة سيجد ضالته في كتابي قل ولا تقل للعلامة الدكتور مصطفى جواد، وكتاب مصطفى جواد وجهوده اللغوية للدكتور محمد عبد المطلب البكاء. واذا كان الدكتور طه حسين قد لقب بعميد الادب العربي!! بما تضمنته كتبه من اخطاء، هو وكبراء الادب، فماذا يجب ان نلقب علامتنا الكبير، البرفسور مصطفى جواد(رحمه الله)!!
* الخالص ( حالياً)، احد اقضية محافظة ديالى.
مصادر ومراجع الموضوع :
1- البهجة المرضية في شرح الألفية، مطبعة مصر، الطبعة الاولى،1373هـ 1954م، ص56.
2- د. مصطفى جواد، فلتة لجلال الدين السيوطي، مجلة لغة العرب، ج7- س6، ص532.
3- البهجة المرضية، مصدر سابق، ص 77.
4- فلتة لجلال الدين السيوطي، مصدر سابق، ص532.
5- د. مصطفى جواد، قل ولا تقل، ص 22.
6- د. محمد عبد المطلب البكاء، مصطفى جواد وجهوده اللغوية، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982.
7- وحيد الدين بهاء الدين، مصطفى جواد فيلسوف اللغة العربية وخططى بغداد الفرد، المكتبة الاهلية، الطبعة الاولى، شارع المتنبي، بغداد، 1971.
8- سالم الالوسي، ذكرى مصطفى جواد، المؤسسة العامة للصحافة والطباعة، بغداد، 1978.
9- د. مصطفى جواد، في التراث العربي، الجزء الاول، قدم له وأخرجه ونَصصهٌ وفهرسه: محمد جميل شلش & عبد الحميد العلوجي، منشورات وزارة الاعلام، بغداد، 1975.

ليست هناك تعليقات: