الخميس، 22 أكتوبر 2009

الكتاب بعد خمسة آلاف عام من اختراع إسلافنا معجزة الكتابة!! امام محاكم التفتيش في...
























تدخل منفذ طريبيل على الحدود العراقية الأردنية، لتجد إمامك قراراً بمنع دخول الكتب (تحتجز بشاحناتها).. طبعا المنع الثقافي يسري على الكتب وليس على شيء  اخر (!!!...)، وعلى الشخص المعني مراجعة الجهة المعنية في بغداد..
 وهكذا تبدأ فصول ملحمة مقراطية بعد ضياع (حرف الدال) في غياهب أقسام وزارة الثقافة والإعلام وكالاتي:
وزارة الثقافة والإعلام، مركز الوزارة، شارع حيفا، الطابق الثاني، المكتب الإعلامي، ثم إلى مكتب وكيل الوزير.. الطابق الخامس، حيث اطلع على قائمة الكتب (المحتجزة بشاحنتها في طريبيل).
ثم التحويل إلى دائرة أخرى هي: دار الكتب والوثائق في باب المعظم، مجاور وزارة الدفاع، ثم الاستعلامات ومنها إلى.. مركز الدائرة القانوني في موقعه الكائن في الإسكان، مجاور كلية المأمون الأهلية!!!!
اذا نحن نحط الرحال عند الجهة المسؤولة عن التصريح بدخول الكتب إلى جمهورية العراق الاتحادي الفدرالي..
بعد سلسلة مراجع بيروقراطية، غير مرتبطة بحزام إداري وعملي ينظم العلاقة الوظيفية بين حلقاتها من جهة وبين المواطن المعني بمراجعتها لغرض انجاز المعاملات الأصولية المتمثل بـ (كتاب عدم ممانعة) لإدخال بضاعته من الكتب المحتجزة في المنافذ الحدودية.
وعند عدم وجود أي كتب (ممنوعة.. بحسب هذا المركز القانوني!!) ضمن قائمة أي شحنة محتجزة في المنافذ الحدودية، يفرض على المستورد تجهيز مكتبة المركز القانوني بنسخة من كل عنوان ضمن الشحنة. وهذه المراجعات تستغرق أكثر من أسبوع، تستنزف من أصحابها ما يتخيله المرء عندما يراجع دوائر الدولة.
واليكم بإيجاز إحدى القصص لما يحدث في مجمع طريبيل الحدودي.
إنا وكما يعرف أصدقائي الذين هم الوحيدون الذين يقرؤون ما اكتب!، بائع كتب في رصيف شارع المتنبي منذ الوعي الأول وكنا نبيع كتبنا القديمة التي قرأناها وبعدها أصبحنا ننسخ الكتب في فترة الحصار ومن ثم أتى الانفراج بعد إن تخلصنا من جحافل البعثيين لنستبدلها بجحافل الأمريكان الأشاوس، وبدأت تدخل الكتب من كل مكان(وكان ذلك بقرار من بريمر - خلف الله عليه)، وبدأت اذهب إلى الدول المجاورة في رحلة الشتاء والصيف واحضر معارض الكتب واجلب لأصدقائي ما لذ وطاب من الكتب الصادرة حديثاً وكانت لذتي الكبرى هي رؤية الفرحة في عيون اصدقائي وهم يشترون الجديد من هذه الكتب واسمع كلمات المديح التي تطربني، عاشت أيدك، رحم الله والديك، اختيارات ممتازة، واستمرت العملية خلال الأهوال التي مرت على العراق من 2003، وحتى آخر سفرة لي إلى عمان في آيار 2009، فبعد أن جلبت ما لذ وطاب من كتب التنوير والجمال وزرت عدداً من دور النشر الأردنية والتي دعامتها الأساسية هو المثقف العراقي وما ينشره هناك ، دخلنا إلى نقطة التفتيش الأردنية ولم نستغرق سوى نصف ساعة وكانت كل الأوراق والوصولات أصولية وكما يجب ولمست عيون الرضا والشكر في عيون المفتشين الأردنيين باعتبارنا تسوقنا من دولتهم ودعمنا اقتصادهم بصوره من الصور، دخلنا الى نقطة التفتيش العراقية (طريبيل ) وكانت بصراحة أفضل ترتيباً ونظاماً مما سبق مع بعض الفوضى التي يتسبب بها بعض المواطنين والموظفين وجاء دورنا في تفتيش السيارة وبدأت مأساتي ، فقد شاهد المفتش الكمركي، الكتب وسأل السائق عنها وقد طلب مني السائق عدم التدخل لان له طريقة في التعامل معهم وأصر المفتش على فتح احد الكراتين وظل يقلب في الكتب وباغته بورخيس في الواجهة وهو يسرد التاريخ الكوني للخزي، واطلت عليه سيمون دي بوفوار في روايتها المثقفون، وسبقه علي بدر في الركض وراء الذئاب، واتحفه زوربا اليوني برقصة على انغام آلة البزق، وفتح له علي السوداني احد مكاتيبه العراقية وانهالت عليه الكتب التي اشعرته بجهله وضآلته حتى جاء دور إسرايل شاحاك ليطل عليه بكتابه اليهود واليهودية وطأة ثلاثة آلاف عام من الخطايا . وبمجرد ان قرأ المفتش الحدودي كلمة إسرائيل حتى وجد الثغرة التي انقض بها على كتبي وخاطب السائق ( هاي جايبين كتب اسرائيلية للبلد) واي بلد؟ وارتعدت فرائضه، وظل يزبد ويرغي، ولم اتحمل ما قاله المفتش وتدخلت وقلت له هذا مفكر صحيح يهودي ولكنه ضد التمييز العنصري الذي تمارسه اسرائيل وبدأت القي محاضرة في غير مكانها ولا أوانها وانتبهت الى نفسي وادركت اني في صحراء في غرب العراق ولست في ندوة فكرية او في شارع المتنبي او مقهى الشهبندر والمفتش قال لي ايضاً ( لتظل تتفلسف انته جايب كتب اسرائيلية للبلد ) وأي بلد؟ وعندها احسست بالدور التآمري الخطير الذي امارسه في تحطيم البنى العلويّة وتفليش نادي الهنديـّة واشعال الفتنة الطائفية وشق صف الوحدة الوطنية وخرق الخطة الامنية وتدمير مشروع المصالحة الوطنية وتشويه الخدمات البلدية (لاني ابسـّط بالكتب على الرصيف كما تعرفون)، وبقدرة قادر تحول كل من ميلان كونديرا، وعبد الله ابراهيم، وباولو كويهلو، وعبد الستار ناصر، وبول ريكور، ولطفية الدليمي، وايزابيل اليندي، الى جواسيس بجرة قلم من المفتش الجاهل وكأن العراق غير مخترق من قبل المخابرات العربية والاجنبية التي تتجاوز عدد الكتب التي جلبتها معي، وان المفتش سوف يمارس دوره التاريخي في تخليص البلد من شر الإرهاب والجواسيس ويتحقق الوئام الوطني على يديه ويقدم العبد الفقير الى المحاكمة وتنتهي كل مشاكلنا. والحقيقة ان المفتش ليس الا موظف يطبق التعليمات الصادرة له بناء على أوامر وزارة الثقافة التي قامت بتفعيل قانون المطبوعات او قانون دخول الكتب الى البلد الذي الغاه (بول بريمر) كما عرفت حينما تم احتلال البلد والعجيب ان آلية تطبيق القانون بلا آلية، اي ان ادارة الكمرك ليس لديها تعليمات عن الممنوع والمسموح ودورها هو فقط حجز الكتب في المنفذ الحدودي ومن ثم ارسال كتاب الى كمرك بغداد وإرساله الى وزارة الثقافة التي لا تمتلك اي تعليمات واضحة عن ما هو ممنوع او مسموح او ليس لديها مندوب عنها في الحدود يستطيع ان يحسم الامر في النقطة الحدودية حتى لا يتاخر المسافر لاني بقيت خمس ساعات في الحدود بين (جر هذا الموظف وعر ذاك المعاون) وانهارت اعصابي ولعنت اليوم اللي صرت بيه مثقف (الله يجرم) واعلنت البراءة من الثقافة قدام الصحراء العربية لانه لو جايب ( شحاطات او مساحيق تجميل او او جوزات كهرباء او مرايا لكشف العبوات اللاصقة وبايعهم بالشورجه هوايه احسن لي)، وقد تذمر الركاب الذين معي في نفس السيارة وعددهم خمسة وثلاث اطفال واعتذرت لهم مراراً وبكيت على حالي وحالهم، ببساطة تمت مصادرة كل الكتب ومما زاد في مأساتي انني لم اجد اي شخص مختص استطيع ان اراجعه فكتاب حجز الكتب وصل الى بغداد وتوقف عند الشعبة القانونية في الكمرك لانهم ببساطة ليس لديهم معلومات ومن خلال مراجعتي لوزارة الثقافة سواء في (دار الازياء العراقية او مركز الوزارة، شارع حيفا) لم احصل على اي نتيجة وكنت ارى علامات الاستغراب على عيون بعض الموظفين غير المحترفين والذين تم تعيينهم بالمحاصصة التي ليس لنا بها حصة نحن المهمشين في كل العصور والحكومات واخترنا العزلة والعصامية وحاولنا ان نصبح تجار(الله يجرم)، واي تجارة تتحقق على رصيف اخذ من عمري 17 سنة.
ما اطوّلها عليكم - استمرت معاناتي مدة شهرين بين الخسارة والروتين الذي لم استطع التغلب عليه (لا بالواسطة ولا بالرشوة) وبعد ان يأست قررت مغادرة العراق والذهاب الى منفاي القسري الذي يحفظ كرامتي ونقودي المتبقية وقررت ان افعل ما فعله بطل إحدى روايات عبد الرحمن منيف اثناء تركه وطنه، ولكن عز علي الوطن فنحن مواطنون دونما وطن على قولة نزار قباني (رحمه الله). ومرت ثلاثة اشهر وانا اداوي جرح الخسارة والموقف، حتى رن التلفون في احد الايام ليبلغني احد جيراني في بغداد من ان السائق الذي اوصلنا والذي كان شاهداً على حرقتي على كتبي، وبتصرف شخصي منه وطمعاً في مبلغ مالي مني استطاع ان يرشي أمين المخزن في طريبيل (والذي هو ليس أمين قطعاً، ومنخور حتى النخاع بالفساد الأداري) بخمسين دولار ويسلمه الكتب ويضيف عليها مائة وخمسون اخرى ثمن التوصيل بعد ان تيقن من يأسي وتركي للكتب. فأوعزت الى جاري بدفع المبلغ له واستلام الكراتين الثلاثة ومحبوباتي الكتب بداخلها أو أبنائي سموها ما شئتم.
والذي اريد ان اقوله انني كنت كبش المحرقة الاول على مستوى شارع المتنبي والان توجد آلاف الكتب المحجوزة بالنقاط الحدودية لمكتبة الرباط ومكتبة عدنان ومكتبة الوراق.. وهلم جرا من المكتبات وقد اصبحت قضيتنا قضية رأي عام وقد تكون قصتي هي ابسط القصص من ما يواجهه الكتاب في العراق (الجديد بعقلية العراق العتيق) الذي يعود دائماً الى المربع الاول في كل شي، فالعودة الى قانون المطبوعات او قانون الرقابة على الكتب قانون غبي بالاساس والذي يعود لهكذا قانون كائن منقرض ديناصوري لم يسمع بالتكنولوجيا اين وصلت، لانه سوف يعود بالعراق ومثقفيه الى عصور الجهل والدكتاتورية وسوف يعود بنا الى ما قبل (المثلث) الأول وسوف نلجأ من جديد الى نسخ الكتب وإهدار حقوق الملكية الفكرية والتحايل على الرقيب، وأحب ان اختم قصتي بمقطع مما قاله الشاعر والمفكر إميل سيوران والذي يجسد ما تقوم به حكومتنا الحالية مع النقص في الخبرة:(( الثورة الناجحة التي تستولي على السلطة، تتحول الى ما هو عكس الاختمار والولادة فتكف عن كونها ثورة وتقلد، بل عليها ان تقلد ملامح النظام الذي قلبته، وكذلك أجهزته وطريقة عمله. وكلما بذلت جهداً في ذلك "وهي لا تستطيع ان تفعل غير ذلك" زادت في هدم مبادئها والقضاء على حظوتها.... وتصير هذه الثورة محافظة على طريقتها الخاصة، فلا تقاتل من اجل الماضي، بل تقاتل دفاعاً عن الحاضر. ولا شيء يساعدها على ذلك أفضل من إتباع الطرق والأساليب التي مارسها النظام السابق عليها للمحافظة على ديمومته ))، وأريد ان أقول ياريت المعارضة وهي الحكومة الحالية قد عملت ثورة كان ما صحنا الحكنه يا بريمر.
النص الكامل للقصة:

http://www.alnoor.se/article.asp?id=53772
نضع امام السادة المسؤولين في وزارة الثقافة والاعلام والجهات ذات العلاقة هذه الافكار والتساؤلات:
1- تجهيز مكتب المجمع الحدودي في طريبيل بمنظومة اتصالات حديثة وغير مكلفة بضمنها شبكة انترنت واجهزة فاكس لغرض ربط المجمع بالجهة المعنية في الوزارة (المركز القانوني العائد الى دار الكتب والوثائق، في الاسكان)، وهكذا تتم ارسال القوائم من والى المجمع في غضون دقائق.
2- تتكرم الوزارة بتعيين موظف يمثلها في المنفذ الحدودي، ليكن حلقة الوصل بين الوزارة والمستوردين في شارع المتنبي.
3- متابعة الاجراءات الفردية لبعض موظفي الوزارة المتمثلة بفرض تجهيز مكتبة المركز القانوني بالكتب، هل الاجراء الرقابي يتضمن تجهيز مكتبة عائدة للوزراة!!.

ليست هناك تعليقات: