شيخ المؤرخين العلامة د. جواد علي(رحمه الله) وآراؤه في التاريخ،
مجادلات في الفكر والتاريخ والعلوم الإنسانية.
مجادلات في الفكر والتاريخ والعلوم الإنسانية.
***
" لقد كنت أنا نفسي أقول قبلاً: قال المستشرق فلان، أما الآن فهم يقولون قال الدكتور جواد علي".
...
" لقد كنت أنا نفسي أقول قبلاً: قال المستشرق فلان، أما الآن فهم يقولون قال الدكتور جواد علي".
...
تكريماً الى من جاد بسعة علمه ونفاذ بصيرته، في سبر أغوار حفريات تاريخ العرب في الجاهلية والإسلام، المؤرخ الجهبذ والعالم العليم بفنه.. برج شامخ كشموخ أرض بابل على صفحات ابجدية الحضارة والانسان..
اضع بين ايديكم احبتي حوارٌ شيق "بفصه ونصه"، اجرته مجلة أفاق عربية، مع شيخ المؤرخين العلامة الدكتور جواد علي (رحمه الله).
كما لا يخفى على احد اهمية هذا الحوار - التاريخية والعلمية – بل هو بمثابة كنز من المعلومات التي تعد مرجعاً موثقاً به.
...
قال : انا تعبت ... فالرحلة عسيرة طويلة والتاريخ مثل بقايا سد مارب وغار حراء وليل بغداد العباسيين تمتزج فيه الوسيلة بالغاية ويعرس في صحراء الشياطين والملائكة وذوي الوسواس ومع هذا قلت له ماكانت الولادة الا بالعسر فلنكتب لهم ولنا: قضية انتصار العقل في هذا المدى فهو حجتنا في دحض الهرطقة وما جاء به الدهاقنة فتساءل وكان فرحا كزهاد الطريقة : من اين نبدأ ... وكانت الرحلة مع خمسين سنة من نقد التاريخ والوراقين والنساخين رحلة لاتنتهي الا وتتجدد فهو الفوز المبين!
إعادة كتابة التاريخ بين المنهج والوسيلة
:- ساد الاعتقاد في الربع الاخير من هذا القرن (القرن الماضي)، بان أكثر الوسائل والمناهج اصالة في اعادة كتابة التاريخ ذلك الجهد الجماعي في تاليف التاريخ العام والخاص ... دكتور اين تضع رايك في هذا الاتجاه ... ؟
- للكتابة الجماعية إي الكتابة التي يشترك في تدوينها اكثر من مؤلف واحد مزايا وسمات مميزة ولاشك ففيها يكون عنصر التخصص في تدوين الفصول او اجزاء الكتاب ان كان الكتاب كبيراً مؤلفاً من جملة اجزاء كمثل الكتاب التي تؤلف في حياة امة من بدء ظهورها في التاريخ الى يومنا هذا ومثل الكتب التي تؤلف في تاريخ العالم من ايام ما قبل التاريخ الى هذا الوقت فمن الصواب في مثل هذه التاليف العامة ان تكون مدونة باقلام مؤرخين ذوي اختصاص في الموضوعات التي سيكتب فيها والتي تكون هيكل الكتاب لانها تتكون من حقول معرفة متنوعة ومن اختصاصات من الصعب ان يلم بها مؤرخ واحد. فمن اختص بالتاريخ الحديث وشغل نفسه به وبجزيئاته وتفاصيله يصعب عليه الالمام بتاريخ ما قبل التاريخ او بالتاريخ القديم وان يتعرض للتطور الذي حدث في هذه الادوار وبالتغييرات البارزة التي غيرت مجرى الحياة البشرية وقدمت الانسانية نحو الامام ولا تزال تدفع بها على سنة التطور نحو خلق مثلية جديدة ..
:- دكتور، في نقل النظرية الى ميدان التطبيق ...؟
- أن يعهد إلى جملة من علماء عدة تاليف الكتب ذات الطبيعة العامة مثل كتب الفنون وكتب تطور العلوم وظهور الحضارات واختصاصاتها .. ذلك ليكن العرض بهذه الطريقة بايدي علماء يعرفون روح وجوهر ما يعالجونه وخصائص الأدوار التي يكتبون عنها عن علم عميق بها لايمكن ان يضاهيه في المؤرخ العام .
:- هل حقق هذا الميدان قياساً ايجابياً في اثر التأليف الجماعي وأي مظهر عبر عن ذلك؟
- نستطيع ان ندخل الموسوعات في هذا الباب مثل دائرة المعارف الاسلامية ودائرة المعارف البريطانية وموسوعة ( باولى وبزوفا ) في التاريخ القديم وموسوعة الكتاب المقدس وامثالها في هذا العمل الجماعي بان توزع المواد على اصحاب الاختصاص والعلماء المتبحرين الذين يشرحون المادة شرحا مركزا ووجيزا غير مخل بالمادة ليتمكن من لا اختصاص له من الناس من الاستفادة منها. وهذا هو ما يحدث في الوقت الحاضر.
:- دكتور .. هل ظهر تبدل في نهج الموسوعات الحديثة عما كانت عليه في القرن الثامن عشر...؟
- نعم، بعد إن تبدلت وتوسعت في افاقها واختلف طابعها عما كانت عليها ايام الموسوعة التي تعاون على اخراجها : (ديدرو ) وعدد من الفلاسفة والمؤرخين باللغة الفرنسية والتي تناولت تطور العلوم والفنون والاخلاقيات وايام الموسوعة الالمانية التي ظهرت في المانية (1818 – 1890م ) عن العلوم والفنون والتي خلفتها الموسوعة المعروفة باسم " بروكهوس " ومثل الموسوعة البريطانية "
encyclopaedia Britanica "
" والموسوعة الافرنسية المعروفة باسم " الموسوعة الكبيرة " Iyrande enclopidie او معجم لاروس والوسوعة الايطالية والاسبانية والروسية وغيرها. فهي نتيجة جهود عشرات من الاختصاصيين كتب كل واحد منهم حسب تخصصه فصارت مرجعاً نافعاً للعلماء وغيرهم في الوقوف على ما ابدعه العقل الانساني من انتاج مبدع وعقل خلاق ..
:- ودائرة المعارف الإسلامية أين موقعها...؟
- هي من المراجع المهمة في التاريخ الاسلامي وقد طبعت عدة طبعات وروعي في الاونة الاخيرة مبدأ إشراك جماعة من المتخصصين المسلمين في تدوينها جديرة بان يواصل تعريبها ففي البلاد العربية امكانية مادية وعلمية كافية للتعريب . كما ان من الواجب على البلاد العربية والاسلامية العمل على اخراج موسوعة خاصة بها يدونها العلماء المسلمون وغيرهم حسب الاختصاص لتكن حاصل جهد الاسلام وقدرته على مجاراة الغير في ميدان التحدي العقلي والانتاج .
:- دكتور، يعني انك تميل الى التدوين الجماعي.
- ليست هناك مفاضلة وما ذكرته من مزايا (المشاركة الجماعية في كتابة التاريخ ) في حقل الميادين العامة لا يعني إن من غير الممكن على المؤرخين الاجادة في تدوين التواريخ العامة فلو قلت هذا لكنت مبالغاً في قولي .. فهذا ( ادورد كيبن) يكتب عن (أفول وسقوط الإمبراطورية الرومانية) كتابا مازال على الرغم من مرور زمن عليه مرجعاً للعلماء .. وهذا هو (مومزن) يكتب عن تاريخ (الرومان) كتابا كبيرا في اهميته .. اضف الى ذلك، إن المؤرخ الألماني (دلبروك) كتب عن تاريخ العالم كتاباً مازال يراجع وان لم يكن في درجة التواريخ المشتركة من حيث التفريعات والشمول، والدخول في نقد الحوادث .. وكذلك فعل (دبنوف) و (دنيبور) و (ود . دورانت) و (برولكمن) و (د. فليب حتى) ...
" قبل ثمانية اعوام قال لي الدكتور جواد علي : ليس في مقدور احد منع اصحاب العلم من العرب او من غيرهم من الاقدام على تدوين تاريخ عام عن العرب منذ فجر البشرية الى يومنا هذا او الكتابة عن حقبة خاصة ... مثل تدوين كتاب في سيرة الرسول باسلوب علمي حديث يكون في مقابل ما كتبه (كيتاني) أو غيره من المستشرقين عن السيرة فنحن لانملك في الواقع كتابا علميا دقيقا عن السيرة او كتابا عن الخلفاء الراشدين .
ثم قال في موضع اخر عن ميزة التاليف الفردي وكنت اسأله فيما يخص النهج العلمي والاكاديمي . ان العمل سيكن في هذه الحالة وحدة منسقة ترتبط فصوله بعضها ببعض وقد وضع في صيغة موجزة تظهر عليها صفة شخصية صاحبها وما عنده من راي وبذلك تكن هذه الدراسة قريبة من مدارك الجمهور ومن مذهب القارئ ..
وكان الدكتور يخلص من كل ذلك : ان الواقع العلمي يحدثنا ان التقدم الذي وقع في التاريخ هو تقدم جاء نتيجة جهد مؤرخ فرد موهوب متمرس في فنه اكثر من نتيجة عمل لجان من المؤرخين ..."
نظرة على أخطاء المؤرخين العرب القدامى.
دكتور : في السياق التاريخي ، كيف نحلل اخطاء المؤرخين القدامى بنظرة موضوعية ... ؟ يقول الدكتور جواد علي:
- نسبة الأخطاء الفكرية والعلمية الى المؤرخين العرب عمل جائر وقول فيه إجحاف، فالمؤرخ هو مثل غيره من الناس بما فيهم العلماء متاثرون بمحيطهم وبيئتهم ولكل مكان وزمان ظروف وعقلية فلا يجوز لاناس مثلنا ان ترمي المتقدمين علينا بالوقوع في الخطأ ...
سبب هذه الظاهرة ... ؟
- لان زماننا يختلف عن زمانهم .. وفلسفتنا تختلف عن فلسفتهم .. ونظرة الماضين عن الدنيا والحياة تختلف عن نظرتنا اليهما .. كما ان نظرة من سيأتي بعدنا عنا ستختلف عن نظرتنا ، وسيرموننا بنفس مانرمي به المتقدمين علينا من نعوت واوصاف ..
:- كيف نستدل دكتور .. فيما ظهر ..؟
- انه، إذا مارأينا المؤرخين العرب يروون الأساطير والخرافات عن الامم الخالية والقرون البالية، وينسبون لهم العمر الطويل او ينصب تاريخهم على الخلفاء والملوك والسلاطين، فعزوا كل الامور لهم ونسبوا عظائم الاحداث لرغبة رجل وأمره وقراره الذي اتخذه بحرية، وكأنه لا وجود لضغط او لظروف محيطة من سياسة العادين الذين كونوا الجماهير العريضة فكان كثير من هؤلاء المؤرخين لا يولونهم اهتماما الاعندما يتعلق الامر بعلاقتهم بالحكام وتدل التسميات التي يطلقونها عليهم على مدى الامتهان والازدراء الذي يكنونه لهم مثل (الغوغاء ) والأوباش و ( السفلة ) كما اعتبروا تحركات هؤلاء فتنة حتى لو كانت لدفع ظلم او رفع حيف وسموا زعماءهم باسم ( الخبيث ) و ( المارق) ...
:- ما أسباب هذا التباين ولمن نرجعها دكتور ... ؟
أولاً، لان مفاهيم التاريخ في ايامهم تختلف عن مفاهيم التاريخ عندنا في هذا العصر .. اذ لم يعد خطا عندهم ..
وثانياً، لم تكن الجماهير يوذاك تدير الدولة انما كان يديرها الملوك والسلاطين والحكام ليس في البلاد العربية وحدها او في البلاد الاسلامية حسب وانما في كل دنيا ذلك الوقت .
:- جدل النقد في حكم الوثائق، دكتور.. لنورد نماذج من الانتقاد الذي عثرت عليه في كتب المؤرخين القدامى التي اصبحت في حكم الوثائق .. ؟ في ضوء نظرته للتاريخ الاسلامي ، قال :
- انتقد (ابن الأثير) الطبري في امور معقولة ومن امور التاريخ وقد عاش ابن الاثير بعد الطبري كما هو معلوم ، وانتقد ( ابن خلدون ) الذي عاش بعد ابن الاثير الطبري وانتقد من جاء بعد ابن خلدون ، ابن خلدون على بعض ارائه التي دونها في المقدمة ولكنه لم يعمل بموجبها في تاريخه الذي وضعه بعد المقدمة كما انه لم ينج من الخطا الذي اعتبر ان الطبري قد وقع به .
ونحن اذ استعرضنا قائمة المؤرخين منذ ايام المؤرخ ( هيرودتس ) الذي انتقد من عاش قبله من المؤرخين لارائهم البعيدة عن العقل والذي اراد ابعاد الاساطير عن العقل يقع هو بنفسه في هذا الخطا فيروي الخرافات والقصص اللامعقول ثم يرميه من جاء بعده بما رمى هو نفسه من تقدم عليه من المؤرخين ..
:- دكتور.. اذا كان هذا الاختلاف والذي يصل في بعضه الى التناقض في الافكار هو من طبيعة جدل الفكر الانساني فهل سيؤدي ذلك الى حركة تطوير التاليف التاريخي..؟
- بطبيعة الحال، فإن النقد سيستمر، تلك سُنة، وأنت تسأل عن ايجابية، أو اثار هذه الحركة، أقول إن من أسبابها ومن ثم نتائجها :
أ- إن التاريخ من المادة الاجتهادية للانسان .
ب- إن الانسان ليس واحدا في اجتهاده، بل هو مختلف في رايه .
جـ - وان هذا الاختلاف مفيد في حد ذاته. لانه يدفع على الاستفسار والسؤال .
هـ- وبطبيعة المنطق ، فان الاسئلة المتتالية عن الماهية هي مفتاح باب العلم .
مقارنة واستنتاج: يذهب الدكتور جواد علي
– هناك في كتب التاريخ العربية القديمة ما نجده في كل كتب التواريخ الاخرى من يونانية وسرانة ولاتينية، من مؤاخذات وهنات تزوير ودس، وقد أشار القدامى إلى المواضع منها. وفات عنهم البعض واقتضت ظروف سياسية الوضع لاسباب سياسية، وللسياسة منطق خاص في قيم الحق وفي مفهوم الامانة في التاريخ والصدق في تدوين الخبر، اي ما نسميه بالرواية ...
:- في أواسط السبعينات، كان الدكتور جواد علي يرد على سؤال كنت قد وجهت إليه، عن "العلة " في كتب القدامى، قال ناقداً:
- كتب التاريخ عنيت بالعموميات بالدرجة الأولى، وإنها لا تضم شيئاً مهما عن تاريخ العرب قبل الاسلام .. فاذا اردنا ان نكتب عن هذا التاريخ ، فلا بد من الرجوع الى كتب التفسير وكتب الحديث وشروحها بوجه خاص والى كتب المعاجم وكتب اللغة والادب ودواوين الشعر الجاهلي ، ولاسيما شروحها ، لنبسط منها مادة عن هذا التاريخ لانجدها في كتب التاريخ المألوفة ..
:- وفي موضع اخر قال لي،
- عن تذليل الصعوبات التي تعيق المؤرخ في كتابة تاريخ العرب قبل الاسلام :- يقوم التغلب عليها بالتخطيط اولاً، ولقيام بحرفيات علمية في جزيرة العرب بشكل جدي ومنظم ونشر النتائج ، ليكن في إمكان مؤرخي المستقبل، التوسع ولإحاطة والشمول والأصالة ..
عيوب كتاب التاريخ في العقود الاخيرة ..
:- تاريخ العالم يكتبه مجتهدون بنظريات تخضع لعوامل تاريخية هي من واقع الأمم. هل تظهر اخطاء منهجية عضوية في كتابة التاريخ هذا دكتور... ؟
- الأخطاء في التاريخ هي اخطاء لاتتوقف على عصر ولا تنحصر في حقبة معينة من زمن معين .. فالتاريخ هو موضوع له صلة بالعواطف وبهوى الناس، وبالعقيدة وبالأديان وبالسياسة، ولذلك تنظر الحكومات اليه بنظرة خاصة .
:- دكتور.. وما نوع هذه الحكومات، هل هو تصرف ايديولوجي تقوم به هذه الحكومات.. ؟
- خذ عهد بسمارك ( حكم بسمارك ) كانت المانية في ذلك العهد تريد الوحدة لانها مفككة غير موحدة، وقد اتخذ من المؤرخين والتاريخ اداة اولى للاشادة بالوحدة، وكتاب ألمانية ومؤرخوها وعلى راسهم (ترايجكه ) وفيلسوفها ( فيشته، ونيتشته ) وغيرهم يدعون الى وحدة المانية قوية، والى امة جرمانية تاخذ مكانها الملائم لمجهودها وانتاجها في هذا العالم.
هل كان بسمارك ينطلق من تصور خاص ... ؟
- نعم .. لقد اعتبروا ( التاريخ ) أداة من أدوات : الثقافة الوطنية .
:- دكتور، في زمن هتلر اتخذ التاريخ شكلاً عرقياً..؟
- بالفعل.. لانه تاثر بهذه الروح ( القومية ) في التاريخ فقد راى ان الجرمان هم الشعب المختار في هذا العالم ، وان الشعوب الآرية، وحدها الشعوب الخلاقة في هذا الكون .. وكان متاثرا باراء الافرنسي الكونت (كويت) ..
وان اليونان هم اهل الحضارة ومن الاريين اخذ الساميون حضارتهم في العراق وفي بلاد الشام وفي مصر .. وهي وجهة نظر كيفية لم يوافق عليها رجال التاريخ (الأكاديميون ) .. فالتاريخ في هذه الحالة قد اسيئ استخدامه بالطبع .
وظهرت في تركية في النصف الاول من هذا القرن دعوة تفيد ان الاتراك من نسل الحيثيين، وشايعها بعض الكتاب ، ولكنها لم تنجح .
:- لدينا اليوم فلسفات في تفسير التاريخ تختلف في وجهات نظرها، عن تفسير رجال القرن التاسع عشر للتاريخ .. لكن اسالك، هل التعددية هذه تستهدف (معنى التاريخ) أم الاجتهاد في تفريع المعرفة .. ؟
- اعتقادي، إن هذا الاختلاف نابع من ( تفسير معنى التاريخ ) فالتاريخ في حد ذاته هو وصف لفعل مضى وانقضى واستخرج من الوثائق، والوثائق هي مادة التاريخ. وعليه تكون قوة حجة المؤرخ اوضعفها في وصف حادث ما، مستمدة من الوثيقة.
يطرح الدكتور جواد علي، الأسئلة – بصيغة الأجوبة، عن غاية التاريخ، والعناية به ويقول:
1- في معرفة مسيرة البشرية :
هل لمعرفة هذه المسيرة نحو الخير ام نحو الشر باعتبار التاريخ : ( حاسبة الكترونية ) تقدم لك حساب الانسانية او حساب زماننا هذا على الاقل .
2- في قوانين التطور :
هل هو تطور حسب نواميس الطبيعة، يلاحظها الإنسان فيسجله ، فليس للانساب عمل في قوانين هذا التطور ام تقدم نحو الامام نحو عالم افضل تخدم فيه الاختراعات الجديدة سيدها الإنسان، وتخوفه في الوقت نفسه من الاساءة في استخدامها، وتحذره من تفجيرها، ففي تفجيرها دمار لما صنعه الانسان في مسيرته هذه .
3- في عالم الصراع :
هل هو مسيرة للانسانية تسير به من عالم ضعيف الى عالم أقوى، يتساوى فيه القوي مع الضعيف، عالم يخلو من جنون التسلح والحماقات ، يقضي الانسان فيه حياته بهناء ثم يموت، أم إن الإنسانية هي هي لا تتبدل ولا تتغير من حيث الطبع، إنما تتبدل من حيث التعامل واظهار اللطف ؟
:- فيما مضى سألت الدكتور جواد علي، عن أسباب ازدراء بعض المؤرخين للتاريخ.
- نحن نعلم، إن التاريخ هو من اهم المعارف الحساسة التي تحاول الدول استخدامها الة بيدها، بتجنيد إعمالها، وبكتابة التاريخ حسب هواها، وهو مرض قديم مزمن في البشرية، حمل كثيراً من الناس على الشك في صحة التاريخ واعتباره مجرد كذب وتلفيق .. وبين الذين شكوا به عدد من المؤرخين، وقد قيل ان احد المؤرخين الانكليز القى بمؤلفاته في النار حين راى حريقاً وهو في بيته فلما نزل ليراه وليبحث عن سبب حدوثه وسأل الناس، وجدهم يختلفون في وصفه وفي تفسيره فحنق على التاريخ وقال: إن تاريخاً يكتب على مثل هذه الروايات لا يكن تاريخاً . وقد الف السنحاوي كتاباً في الرد على من ذم التاريخ ، دعاه : ( الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ .. وذم التاريخ هو سبب هذا الذي نسب الى التاريخ .. )
تجربتي في كتابة التاريخ
:- وفي جلسة اخرى من هذا الحوار، مع الدكتور جواد علي، بحثت في منهجه، قلت أنت استعرضت الكتب والمناهج والأساليب، ولم تقل لي اين منهجك، فجعل يسرد لي ملامح تجربته في كتابة التاريخ، إنا الخصها بتصرف، وهو مقتنع بهذا التصرف قال :
- أخذت منهجي في تدوين ما كتبت في تاريخ العرب قبل الاسلام ن وفي تاريخ العرب في الإسلام، من رأيي الذي توصلت إليه، من خلال مراجعتي لما كتبه العلماء والسياح عن ايام جزيرة العرب قبل الاسلام عن نتائج بحوثهم واكتشافاتهم فيها، وما نقلوه من صور نقشها اهل الجزيرة قبل ايام التاريخ، إي قبل الخمسة او الستة الاف سنة قبل الميلاد وخلاصته ان قوما خلدوا لهم وجودا قبل ان يعرف القلم، وتركوا لهم اثار سكن عند مواضع الماء وفي الكهوف وكانت لهم صلات مع الاقوام امجاورة لهم وكان لديهم قلم خاص بهم ، ظهر حين اكتشف الانسان الكتابة، إن قوما هذا حالهم لايمكن ان يصدق ما رواه اهل الاخبار عنهم وما يرويه بعض الناس حتى هذا اليوم عنهم، من أنهم كانوا جهلة وفي عزلة عن العالم وانهم لم يظهروا في التاريخ الا بظهور الإسلام، ظانين إن القول بخلافه هو غضة من شأن الإسلام. فما معنى هذه الاهمية التي نقيمها للإسلام، إن كان عرب ما قبل الاسلام على معرفة وكتابة، وأصحاب قلم ودول وحضارة! وهو كلام لايقبل به الاسلام نفسه ولايرضى به، وما كانت الجاهلية التي نسبها القرآن الكرين لعرب ما قبل الاسلام جاهلية جهل بالكتابة والقراءة والدين، وإنما هي جاهلية عنجهية وسفاهة بدت ممن قابل الاسلام بالسخرية والازدراء بدلا من مجادلته بالتي هي احسن.
وقد أدرك احد الإعراب على أميته، هذه الملاحظة حين سأل احد المستعربين (المستشرقين) عما ينقشه، فقال له المستعرب: هذه كتابات كتبها بدو قبلكم وقبل الاسلام بزمان طويل وان هذه الاحجار التي تراها مكتوبة في البادية هي من كتاباتهم، عندئذ قال البدوي: يظهر إن أجدادنا كانوا خيرا منا يقرأون ويكتبون.
من هذه القصة وامثالها توصلت الى ضرورة تدوين تاريخي بالرجوع الى كتابات العرب الأولية، لأنها وثائق ، والوثيقة هي المادة التي تلم بالتاريخ .
من أوراق الماضي ...
:- وكنت إثناء الكشف عن ميراثنا العربي في التاريخ مع الدكتور جواد علي قبل سنين ، قلت له : " ما هو حذرك ازاء التاريخ ؟ " .
- قال : " النظرة القسرية اليه " وبوعي المؤرخ المتجرد جاء حديثه:
.. إنما نراه في الموارد الاسلامية عن الجاهليين يجب ان يفحص ويدقق بعناية لاحتمال وجود التحامل فيه على العرب، من قبل اناس ضنوا ان في التشهير بهم قربة وحسبة الى الله، وان محاسن دين الله لاترقى الا بتجريد عباد الاصنام من كل حسن وجيد، ومن كل علم وفهم والاسلام كما نعلم ثورة على الشرك ، فوجهة نظر روات التاريخ الجاهلي نابعة من هذا الاتجاه ، وما نراه عن الخلافة والخلفاء الراشدين، يجب دراسته بكل عناية، فما من خليفة منهم الا وله مبغضون ومعادون، فالخلفاء أمراء المؤمنين ساسة وحكام امة ولكل حاكم محب ومبغض، ومن طبيعة الحكم ان يخلق للحاكم معارضة بين الناس ، وقد تكون بغير سبب مباشر وتماس بالحاكم وانما مجرد تسلمه الحكم .
وقلت للدكتور جواد علي، وما المؤرخ المعاصر؟
- قال: يجب إن يكون وصافاً عالماً عادلاً يحكم بالعدل والانصاف ومعنى هذا إن ينظر إلى منشأ الروايات واتجاه رواتها والزمن الذي عاش فيه صاحب الرواية وناقلها .. ونشخص كل جوانب التاريخ فلا يقتصر على التمجيد والمديح ولا يحاول جهد نفسه تسقط العثرات ومواطن الضعف .. وتكوين التاريخ وفقا للاجتهاد العلمي المخلص الذي يتوصل اليه وجدان المؤرخ عنه ..
مناهج تدون التاريخ..
:- د. جواد.. ليس من شك ان المناهج المتبعة في تكوين اتاريخ تختلق باختلاف وجهة نظر المؤرخ فيما يريد ان يكتبه لكن اي منهج بامكانه ان يكون اكثر وثوقا في التاريخ .. ؟
- (واقعاً) إن المؤرخ المحترف يعرف كيف يستخرج من الوثائق التي اعتمد عليها مادته، والوثيقة كما ذكرت هي مادة التاريخ، بل هي التاريخ الذي مضى وانقضى، صمت فيه الفاعل، ولم يعد يتمكن من النطق، بما وقع وحدث ، ليحاكم على ما يقول من صدق او كذب، وفقا للوثائق التي تتحدث عنه، ثم ان المؤرخ يفسر التاريخ، على وفق مدرسته، وعلى وفق فلسفته في التاريخ . فتاريخ يجعل التاريخ سجلاً يسجل اوامر الله في مسيرة الانسانية وفي مسير هذا الكون، وتاريخ يرى ان الانسان يسير في حياته على وفق قوانين طبيعية تؤثر فيه، او على وفق قوانين مادية، او حرب بين الطبقات، او عوامل اقتصادية، او عوامل صوفية مثل صوفية (ميشليه) وغير ذلك من الاراء التي تمثل اتجاهات متضاربة، الغاية منها كلها هي الوصول من هذه الوثائق الى الاتجاه الذي تسير فيه الانسانية نحوه، نحو الأفضل، أو نحو الأسوأ نحو رقي على هذه الأرض، أو نحو هبوط الى جحيم يعم هذا الكون في راي المتشائمين امثال (شوبنهاور) أو (شبنكلر) وإضرابهما .
:- الرواية والرواية وموقف المؤرخ منهما.
.. في التاريخ قد يكون هناك صنفان من المؤرخين يتحكم فيهما الاجتهاد الخاص والعام، ما هي الاحكام في كتابه التاريخ ..؟
- ان الطريقة السائدة بين المؤرخين بصورة عامة، هي التي تقوم على جمع المقتطفات في اي صورة من صورها، واستنباط ما فيها من مادة تاريخية، ويدخل في هذه المصادر مصادر غير مكتوبة من دون شك. ثم يدرس المؤرخ هذه المقتطفات ويستنتج منها ما يصل استنتاجه من دراسة الرواية، إي الوثيقة.
وهناك فريق اخر من المؤرخين يرى ان التاريخ العلمي لا يحصل عليه من نص الوثيقة وانما من هذا النص ومن المعاني الكامنة وراءه، وعلى المؤرخ ان يسأل نفسه :(ما معنى هذه العبارة؟) و (ما هو المعنى الذي قصد اليه واضع هذه العبارة حين صاغها على هذه الصورة ؟)، وهل يستنتج من الفقرات الواردة في الرواية شيئاً، ثم هل يعقل ويقبل ما جاء في الوثيقة ، ويحكم عليها بموجب ما عنده من تجارب وخبرات سابقة وان خالفت ما جاء في نص الرواية؟ فلرأي المؤرخ إذاً قيمة كبيرة في فهم التاريخ ولكن اقحام الراي الشخصي في الوثيقة يخرجها في راي المؤرخين المتمسكين بالنص عن طابع الأصالة، ويجعل الرأي المؤرخ مكاناً في إصدار إحكام التاريخ ويخرجها عن العلمية في التاريخ التي تنادي بها الفئة الثانية من المؤرخين العلميين ويكن التاريخ عندئذ تاريخ راي واجتهاد لا تاريخاً اصيلاً مستنبطاً من أدلة وبراهين .
:- وكنت قبل زمن مضى اتحدث مع الدكتور جواد علي، عن قضية الاجتهاد في تفسير التاريخ، قلت له وماذا تقول بالتفاسير العلمية (العصرية) للإسلام، قال :
- لقد لفتت النهضة الاوربية الحديثة أنظار بعض المفكرين ففسروا الاسلام تفسيراً عصرياً وفسروا القران تفسيراً علمياً فيزياوياً وكيمياوياً ونحو ذلك، فالذي فعله المرحوم طهطاوي جوهري، وغايته من ذلك اظهار ان الاسلام دين يوائم كل زمان ويناسب كل مكان، وانه قد بشر بهذ العلوم في وقت ظهوره، وقد فاتهم ان النظريات العلمية هي في تبدل وتغير وان بعض مانسميه بالمسلمات قد لايسلم بها في المستقبل، وان ما جاء به الجوهري من تفسير قد حكم العلم ببطلانه فيما بعد، وان هذه التفاسير تعرض القران للتغير والتبديل .. ثم فاتهم ان القران ليس بكتاب كيمياء ولا بكتاب في الفيزياء ولا بكتاب في العلم او الفن او التقنيات، وإنما هو كتاب جاء هديا للناس ورشدا ليحررهم من ربقة التخلف بشتى انواعه ضمن قواعد معروفة ..
.. ويريد الدكتور جواد ان يصل الى حقيقة علمية عن القران حينما يقول : ان التفسير العصري للقران وللاسلام يقر، ان كل جيل يجب ان يفسر الاسلام بعقلية جيله بينما يجب على المؤرخ ان يفسره وفقاً للظروف والحوادث التي وقعت في ايام النبي وادت الى صدور احكامه لمعالجتها وفقا لتلك الظروف ..
متى ازدهرت كتابة التاريخ عند العرب .. ؟ دكتور – هل من اثر مهم في نص كتابي عن التاريخ عند العرب قيل الاسلام ومتى مر هذا النص بمرحلة ازدهار ..؟
- أزدهرت كتابة التاريخ عند العرب، في نظري في الإسلام، ولاسيما في القرن الثالث والرابع للهجرة، غير إن من الخطأ إن نتصور إن التاريخ بمعنى تسجيل الحوادث بدا في الإسلام، وإنما كان معروفاً عندهم قبل الميلاد. فقد كان للعرب الجنوبيين تقويم يبدأ بسنة ( 15 ) او (109 ) قبل الميلاد، وقد أرخ به في المساند عدد من النصوص وبقي التوريخ به الى قبيل ظهور الإسلام، حيث نجد نص ابرهة حاكم اليمن، مدونا على سد مأرب، ويعود تاريخ الى سنة ( 541 للميلاد ).
:- وحكم القران.. ؟
:- هناك إشارة إلى الأساطير ..
- الأسطورة بمفهومها المعاصر .. ؟
- لا .. فالاسطورة هي ( استوريا ) اي : تأريخ في اليونانية .. وكان لدى المثقفين من اهل مكة كتب في التاريخ ، وقد اتهم اعداء رسول الله الرسول بأنه إنما يأتيه بما تعلمه من كتب الأساطير!
... وكان العرب الشماليون يؤرخون بتقويم الاسكندر الذي مبداه سنة (311) قبل الميلاد، ثم أرخوا بتقويم (بصرى) لسنة (105) للميلاد .
:- تشخيصك للمؤرخين العرب .. من هم .. ؟
- إذا كنت تقصد : اشهر المؤرخين الذين كتبوا في التاريخ، فهم : اليعقوبي والطبري والمسعودي وابن الاثير وابن خلدون وعدد اخر من المؤرخين، والعرب هم من الدرجة الاولى من درجات سلم كتابة التاريخ، فلا يسبقهم في هذا الحقل من المعرفة احد .
:- فيما مضى، والتاريخ بعيد، دار نقاش بيني وبين الدكتور جواد علي ، حول بعض المؤرخين الذين يفصلون ( تاريخ العرب قبل الاسلام عن تاريخ الحركة الاسلامية )، قلت له كيف تنظر الى هذا الموضوع ؟
- لا يجوز هنا الفصل ، فهو تاريخ واحد، لان الإسلام صفحة من صفحات تاريخ العرب ، وتتمة له وجزء منه ، وقد عاش الرسول الى يوم المبعث فيه .. ولفهم الاسلام وسبب الدعوة لابد من دراسة جذور الوضع في جزيرة العرب وفي خارجها، حتى يمكننا معرفة فلسفة الدعوة التي جاءت بها والا كان فهم المؤرخ لتاريخ الاسلام فهما مسطحا غير علمي..
المحظور من كتابة التاريخ .. ؟
:- دكتور جواد .. ماالذي نكتبه وما الذي لانكتبه في التاريخ في كل الازمنة والمقامات .. ؟ يعطي الدكتور جواد علي ، راياً ( وسطاً ) فيما يذهب اليه :
- المحظور أو المحذور في كتابة التاريخ، هو النواحي المثيرة للعواطف عند الإنسان، والنواحي المثيرة للبغضاء بين ابناء المجتمع او بين الإنسانية، أو التي فيها تهجم على نظم اخلاقية قائمة، او على اديان معترف بها، او التي تتحدث عن الجنس بشكل يقصد منه الاثارة واشاعة الخروج عن الاداب او التي تثير الكراهية بين الشعوب فقد كان لكتب التاريخ التي الفت في المانية وفي فرنسا عن علاقات الشعبين بعضهما ببعض في القرن التاسع عشر دورؤ كبير في اثارة البغضاء والحقد بين الشعبين المتجاورين .
:- برأيك دكتور على اي اساس تتوقف درجات الاثارة .. ؟
- انفتاح او تزمت المجتمع هو الأساس. ثم على مدى التحرش الوارد في المدونات.
ونظرا الى مافي المجتمعات المتزمتة من حساسية تجاه القضايا التاريخية التي تثير العاطفة، لمساسها الشديد بها .. لذلك تمنع الحكومات نشرها، خشية الفتنة واثارة بعض المغرضين لها لاشعال نيرانها بين الناس .
:- وكنت قد حدثت الدكتور جواد علي، قبل زمن انقضى، عن قضية اثارة المجتمع المصري بوسائل كتابة التاريخ في زمن محمد عبده، وما يجابه المؤرخ في الوطن العربي من صعوبات، قال مستدركاً حديثاً سبق هذا الحديث :
- ومع هذا فقد خفت حدة هذه العواطف كثيراً بعامل التهذيب والتثقيف وتطور البيئة والزمن، فقد حمل الراي العام في مصر على الشيخ محمد عبده، وكفره بعضهم، لأنه تحدث عن امور كانت شائكة بالنسبة لذلك الوقت اما اليوم فلا يعبأ بها احد . وحوكم الدكتور طه حسين لشطحات ظهرت منه ، وحمل عليه علماء ذلك الوقت حملات عنيفة اما اليوم ونحن نقرأ كتابه ولا نجد فيه شيئاً يستحق تلك المحاكمة وذلك بسبب تغير العقلية وتطورها .
:- متى تعتبر الكتابات: وثيقة..؟ دكتور.. كيف نعتبر هذه الكتابة او تلك وثيقة ؟ ومتى تصبح تاريخاً ..؟
:- للعلماء في ذلك دراسات في التمييز بين الكتابات, وفي تقرير أزمنتها, وهل تعد وثيقة ام لا ؟ وذلك بالاستناد إلى شكل الحروف وطراز نقشها على الحجارة . وتعتبر العالمة الافرنسية ( جاكلين بيرين) احدى المتخصصات في دراسة علم الخطوط (paliagrabhie) وهناك عدد غيرها من العلماء ممن تخصص بتشخيص عمر الخط المسند وذلك بدراسة شكل الخط , فالخط الحلزوتي هو خط قديم اقدم عهدا من الخط الذي تقرأ فيه السطور من اليمين الى اليسار, والخطوط المهندسة والمدونة بعناية هي اقدم عهدا من الخطوط ( المخربشة ) التي دونها اصحابها على الأحجار, مثل الكتابات المعروفة اصطلاحاً بالكتابات ((التمودية)).
:- لكن متى نعتبر الوثيقة " وثيقة " ..؟
- لقد درس العلماء المحدثون هذه الناحية وذلك عن طريق دراسة حبر الوثيقة، ونوع ورقها، وخط صاحبها، وأسلوبها بعرضها على من له علم بالكتابات.
:- هل حدث ان زورت وثائق تاريخية ...؟
- هناك الكثير، وحتى لا نذهب بعيداً ، فقد نشر قبل فترة ، مذكرات في احدى الجرائد مذكرات على انها مذكرات هتلر ثم تبين بعد تدقيق وتحقيق ، انها مزورة ، وان شخصاً قد لفقها بدقة ، ولكن الامر لم يفت على المتبحرين في الموضوع .
:- في التاريخ العبري القديم ما فعل التزوير ..؟
- أمثلة عديدة.. لقد زورت كتب على لسان الرسول، وعلى السنة الخلفاء ، الا ان العلماء ادركوا ما فيها من تزوير بدراستها ومطابقتها مع ما هو معروف في كتب التاريخ .
:- دكتور .. كم نوع للوثيقة في التاريخ العربي .. ؟
- في العلم: الوثيقة هي مادة التاريخ، ولا تاريخ بدون وثيقة. اما انواعها فهي :
(الوثيقة الشفوية، وثيقة كتابة، الوثيقة الحجرية، الوثيقة الحجرية المكتوبة... (الى أخر ذلك ..)
ويعمد المؤرخ إلى الوثيقة ليستنبط منها ما يريد الحصول عليه من التاريخ، ومن الأحجار الصوانية وغيرها، ومن الصور المحفورة على الصخور استخرج المؤرخون الفرع الجديد من فروع التاريخ الا وهو تاريخ ما قبل التاريخ. والأحجار والصور والعظام وكسر الخزف تكون وثائق هذا التاريخ.. " .. وفي تعريف الوثيقة : تقابل لفظة (الوثيقة ) لفظة (document ) في الانكليزية ، المشتقة من اصل لاتيني هو (dacere ) .
:- عن تطور مفهوم الوثيقة في عصرنا، ومشكلات المؤرخ امام الوثيقة كان الموضوع الذي تحدث به الدكتور جواد علي منذ ثمانية اعوام وكنت اسجله في ذلك الوقت وثائقياً قال :-
- في الوقت الحاضر كثرت الوثائق وتنوعت بتقدم العلم والتقنية ووسائل الاعلام والراي وتطور العقل، فمن وثائق هذا اليوم الافلام السينمائية ومحاضر جلسات الدولة او المجالس النيابية او الشعبية او النقابية والتقارير، ولاسيما التقارير التي تنطوي على امور تاريخية مهمة .. ويدخل اليوم في باب الوثائق: المذكرات الشخصية والرسائل ومحاضر المحاكمات الرسمية او المنشور في الصحافة، والمقابلات الشخصية، وتقارير المراسلين الحربيين والمراسلين المدنيين .
ان مما يؤسف له، هو ان الامور السرية لايسمح في العادة لاحد الوقوف عليها الا بعد امل طويل تعينه الدول، بعد خمسين سنة او اقل من ذلك حسب قرارات الدولة، وذلك تخلصا من المسؤولية الادبية والجنائية التي قد تحدث من نشر مثل هذه الوثائق لما لها من علاقات بالاحياء فقد تسيء إليهم، وقد تسيء الى بعض الدول .
:- مستشرق ام مستعرب، الضرورة والفعل الايجابي..؟ دكتور جواد .. لنبدأ عالم الاستشراق .. ؟ للدكتور جواد علي توضيح في بعض المداليل :
- ان تعبير :" مستشرق " واعتباره – اصطلاحاً يطلق على المشتغلين بالعربيات من الغربيين، هو اصطلاح غير علمي، ويجب استبداله بمصطلح :" مستعرب " بمعنى انه خصص نفسه وكرس وقته لدارسة العربيات فقط، بينما تطلق لفظة :" مستشرق " على المشتغل باليابانيات والصينيات والفارسيات والتركيات، وغير ذلك وبتخصيصنا لفظة " مستعرب " اصطلاحاً على من يدرس " العروبيات " جميعها، او فرعاً منها لغة وتاريخاً او جغرافية نكن قد أطلقنا المصطلح الجديد على صميم الواقع وبمكانه الصحيح .
:- دكتور .. موقف هؤلاء من " العروبيات " ؟
بصورة عامة، هو موقف يقدر على الرغم مما يقال عن جماعة منهم من انجرافهم من بعض السياسات وتوظيف انسهم في خدمة الاستخبارات التي لاتليق بعالم ينسب نفسه الى العلم .. فهم الذين عرفونا بتاريخنا القديم بحلهم رموز الكتابة المسمارية وطلاسم الكتابة الهيروغلوفية وبنشر ترجمات النصوص المسمارية والهيروغليفية وهم الذين شخصوا حروف المسند والابجديات الاخري وعرفونا بما في بطون المساند من اخبار ومعارف وهم الذين دونوا تاريخ العرب القديم ونشروا عيون التراث العربي والاسلامي نشرا دقيقا خاليا من الاخطاء والهفوات مع انه مطبوع في (لندن) مثلا، أو في (باريس) أو في أمكنة أوربية أخرى والمرتبون والطباعون لايعرفون من العربية شيئا ولايفقهون من الفاظها لفظة .
:- وكان النقاش يدور بيني وبين الدكتور جواد علي فيما مضى من سنين، حول مآخذنا على هؤلاء(المستعربين ) بالنسبة الى بعض المواقف من الإسلام، قال :-
- ذلك شيء طبيعي فانهم ليسوا من المسلمين وفهمهم له لابد وان يختلف عن فهم المسلمين للاسلام، ثم انهم لايتقيدون حتى في امور دينهم، فينتقدون النصرانية كذلك وعلى العربي المؤرخ او الملاحظ تقويم ما وقع فيه المستعربون من اخطاء وانتاج احسن ما انتجوه، ولا يصح في الواقع لومهم على ما صدر منهم والتبجح بلومهم وتقريعهم والتشكيك فيهم كلهم، والذي يفعل ذلك علية ان يصحح الاخطاء وان يأتي ببحوث علمية جديدة اصلية عن العرب والاسلام .. فنحن اليوم عالة على " نولد كه " في بحثه القيم عن تاريخ القرآن، وعلى " كولدتزهير " في المذاهب الاسلامية في تفسير القرآن وعلى " ولهوزن " في تاريخ الدولة الاموية وعلى " فون كريمر " و" ادم ميتز " في دراسة الحضارة الاسلامية وعلى كتاب " تراث الاسلام " في دراسة التراث العربي الاسلامي وعلى " بروكمن " في دراسة تراث الادب العربي ، وقد ترجمت خمسة اجزاء منه الى العربية ...
علينا اذن تقع مسؤولية الانصراف في البحث والتنقيب عن تاريخنا باتباع الأساليب العلمية الحديثة في البحث، فهل سنفعل ذلك ... ؟
:- هل التاريخ علم ..؟ دكتور جواد.. اختلف الباحثون والعلماء في كون " التاريخ " هل هو علم ام اي شيء اخر، ما هي قناعتك في هذا التضارب من الاراء .. ؟ يورد لي الدكتور جواد علي، استعراضا لما حدث في هذا الخصوص، قال: -
- العلم في اللغة نقيض الجهل . وعلم بالشيء : شعر به، والعلم : الفقه بالامور اللسان " 12 / 418 " ، " علم " واذا اخذنا العلم بهذا المعنى جاز لنا نعت التاريخ بالعلمية ، اي بمعنى : المعرفة . كما يجوز اطلاق هذا المعنى على كل المعارف الانسانية .. فالتارخ في الواقع معرفة تزيد معرفة الانسان وتزيل عنه الجهل بما يريد الوقوف عليه، كما ان كل المعارف الانسانية هي علوم بهذا المعنى.
:- وللعلماء رأي .. دكتور جواد ...
- لهم في هذا المجال تعريف خاص للفظة " علم " المقابلة للفظة (science ) في الانكليزية وللفظة (wississens chabt ) في الالمانية .. واللفظة الانكليزية هي من اصل لاتيني، هو (scientia)، وهي تعني في نظر اليلسوف كانت :( تنظيم المعارف الإنسانية وضبطها بقواعد وبقوانين تضبط كلية المعرفة، والبحث عن السببية، وعن الظواهر، وعن كل الاسئلة المحتملة التي تتطلب اجوبة لها عن الكل او عن الاجزاء والجزئيات المرتبطة بالكل) .
وكما يرى " اوكست كونت " ، و" فرنسيس بيكن " و " فيشته " فان غاية العلوم هي حفظ الحياة والجنس البشري عن طريق التجارب للوصول الى طبائع الاشياء المخزونة في الطبيعة للسيطرة عليها واستخدامها في خدمة الانسان .
:- أكثر الآراء اتفاقاً عن العلم ..؟
- من حيث الإجماع: العلم هو انه معرفة منظمة منسقة يحصل عليها بالتجارب والبحوث العلمية (emfairie) من العلل والاسباب على وفق قواعد مرتبة منظمة، وقوانين مسلم بها لا يتطرق إليها الجدل واختلاف الراي كما يقع في العلوم الإنسانية، اعني بالعلوم الانسانية، المعارف التي يكون للاجتهاد بالرأي مقاما فيها, وليس فيها للتجارب العلمية مكان للصدارة, والغاية من العلوم:استخدامها في خدمة الحياة, وإبقاء الحياة وإصلاحها ودفعها إلى مستوى اعلى ..
:- دكتور .. هذا المفهوم متفق عليه ..؟
- تسود الاختلافات حوله .. فهناك جدل بين العلماء كبير في طبيعة العلوم, وتصنيفها وتبويبها, وتعيين مركز العلوم التجريبية من العلوم النظرية, وكثر هذا الجدل في القرن العشرين وسيزداد الاختلاف في رأيي في المستقبل بين العلماء بصورة حادة في هذا الباب, كلما تقدم الانسان في العلوم المادية والتجريبية والعلوم الانسانية في الوقت نفسه .
:- بهذه المقارنة هل يصح لنا ان نسمي التاريخ علماً, من نوع مايسمى اليوم بالعلوم الإنسانية كعلوم اللغة والمنطق والاخلاق والاجتماع ..؟
- على مارأينا من تعريف العلم ولاسيما من العلماء غير المؤرخين من يرى انه ليس بعلم, ولا يمكن ان يكون من العلوم لان طبيعته تختلف تماما عن طبيعة العلوم التطبيقية والتجريبية التي تستند على الدراسات التجريبية على البحث عن السببية وعن ايجاد القوانين الطبيعية التي تستنبط من الطبيعة ذاتها للوقوف على كنهها ..
:- ربما دكتور لأهل التاريخ رأي مناقض..؟
- بالطبع أنهم يقولون انه علم مثل بقية العلوم .
:- كيف يستدلون ..؟
- لأنهم يرون إن هدف التاريخ : البحث عن تطور الانسانية من تكونها وعن القوانين التي سيرته وتسيره .. ثم انه لايقنع بدراسة الإنسان، بل يتناول بالبحث ايضا كيفية تطور الارض والنبات والحيوان، إي الأجسام الحية والأجسام التي لا حياة لها فهو بهذا التفسير للتاريخ، علم له وقوانين استنبطها من دراسته للكون، فهو اذن علم مثل العلوم الصرفة، التي يقل فيها عنصر التجربة والمختبر لكنها ذات قوانين واسس مسلم بها . . وقد ذكر الفيلسوف ( وند ) وهو من علماء علم النفس والفلسفة ، ان قوانين التاريخ تختلف عن القوانين الطبيعية وانها ليست في درجتها ومنزلتها ، بينما نرى المؤرخ " برايزك " ( ولد سنة 1866 استاذ التاريخ وفلسفته في برلين ) يضع اربعة وعشرين قانونا في التاريخ ويقول انها تسد الباب بوجه من يفرق بين هذه القوانين وبين القوانين الطبيعية (schmi dt216) وفرق واضح بين قواعد يستنبطها الانسان من الشك والتجربة ، ويسلم بها العقل، وبين قوانين يستنبطها الانسان من مجرد التفكير والاجتهاد بدون تجربة وبحث في السببية وفي صلة العلة بالمعلول والعلة الاولى لهذا الكون .
وإما علم الآثار وهو معرفة القديم، فنه علم في نظر ( فون ونكلمن ) يتناول بالبحث، الفن القديم والعلم القديم بصورة عامة وهو في نظر (كانت ) عرض للاحوال التي احاطت بالارض في العهود القديمة (الفقرة : 82 ، kritih des urteirabt ) وهو علم لانه عنصر التجارب البحثية عن السببية، ووجود قواعد لديه معترف بها، متوفرة به، ومع ذلك فهناك من لايلم بمسلماته لانها لاتخلو من مرض امكان وقوع الخطأ فيها فيخرجها من المعرفة التجريبية الى دائرة المعرفة الاجتهادية للباحث، فيخرج بذلك من اسلوب العلم التطبيقي الى العلم النظري والعلوم الانسانية .
:- في خصوص العلم والحديث طويل مع الدكتور جواد علي، انه تكلم معي في السبعينيات، عن التلفيق والتنميق اذ قال :-
- وقد اشار المؤرخ ابن الاثير الى قوم كانوا يزدرون التاريخ، ومن هذه النظرة ازدرى العلماء شان اهل الإخبار، ونظروا إلى الإخباري نظرتهم إلى حاطب ليل .. وروي ان رجلا دخل على ابي اسحق الصابئ، فوجده مشغولا في تأليف كتاب التاريخ، فسأله عما يفعل فقال : " اباطيل انمقها واكاذيب الفقها " .. هذه التهمة الموجهة الى المؤرخين هي من جملة العوامل التي تحمل الناس على نفي صفة العلم عن التاريخ والى وقوع هذا التضارب الشديد بين العلماء في تعيين طبيعة التاريخ من حيث انه علم ام لا ..
:- دكتور جواد.. للمؤرخ طبيعة فهل وجدتها مختلفة بين القديم والجديد ..؟
- المؤرخ، مثل اي انسان .. ابن زمانه اولاً ، كما هو ابن نفسه اي صورة نفسه ، والجبلة التي جبل بها من (جينات) اي مورثات ولدت معه بالولادة في بيئة بيته وفي بيئة محيطه، وكل هذه العوامل تؤثر عليه من حيث انه انسان تؤثر عليه بقدر ولهذا نجد المؤرخ القديم، متاثراً بزمانه وبمكانه، فينسب السببية في التاريخ الى فعل (الإلهة) متجاهلا دور الفاعل الاصلي في التاريخ وهو الانسان، مع ان الانسان هو الصانع للتاريخ وهو المخلد له وعلي يقع فعل الطبيعة والجو .
والمؤرخ الحديث هو مثل المؤرخ القديم ، متاثر بما ذكرت وبالظروف التي طرأت على المجتمع الجديد فيكتب تاريخه بروح هذا الجديد الذي يكون قديما بعده حيث يحل جديدا آخر محله . .
:- وكنت أناقش الدكتور جواد علي، عن المؤرخ ابن عصره وكيف انه يهمل في كتاباته ظروف المجتمع الحقيقية بتبريرات واهية وصار الحديث بيننا عن جرجي زيدان واحمد امين من العرب و ( فون كريمر ) عن المستعربين فاعطى الانطباع التالي، قال :-
- تصوري، ان الدراسات التي كتبها هؤلاء اعتبرها : العتبة الاولى من عتبات سلم هذا التاريخ وانها لم تشمل الا ما ظهرت من هذا الوجه وقد خفي عن هؤلاء المؤلفين شيئ كثير .. فهذه الدراسات لم تتطرق الى حياة المجتمعات ولا الى القيادات الفكرية ولا الى الاحتكاك بالرعية بعضهم ببعض والى حياة من اسموهم بسواد الناس من اصحاب الصنعة وبقية الاصناف ولا الى النواحي الاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة ولا الى النواحي الفلسفية التي تكاد تكن مجهولة مع انها احدثت اثراً كبيراً في بنية المجتمع بدليل ما وقع من جدل .. والاشارات العابرة اليها هي دليل في حد ذاته على ماكان لهذه الاتجاهات الفكرية من اثر في الناس ..
:- المذكرات السياسية هل هي تاريخ.. ؟ دكتور جواد... كتب العديد من الساسة مذكرات السياسة، ما نوعها وثائقياً ن وهل تقليد شرقي ام غربي.. ؟
- المذكرات السياسية هي وثائق من وثائق التاريخ ن لاشك في ذلك ولا شبهة مهما كانت طبعته : من صدق او تهويل او مبالغة او تمجيد او قدح او خروج عن الواقع، فالقراء المذكرة رجال ليسوا بالمغفلين، يعرفون صاحبها ويظهرون أخطائها، وللمؤرخ الحصيف الثقة في التاريخ الذي تتناوله المذكرة بالبحث من وسائل النقد ما يهديه الى تقييم هذه المذكرات والى ابداء راي فيها، وقد تمضي المذكرة، فتكن مرجعاً، مع وجود عيوب فيها لمرور زمن عليها، ولعدم اهتمام احد بها يوم ظهورها او لان احداً لم يدون رايه فيها، مع علمه بوجود نواقص بها لصداقة او لعدم رغبة في الكتابة او دخول في جدل مع صاحب المذكرة، يسبب له ازعاجاً ..
:- دكتور.. لماذا قام فن المذكرات.. ؟
تقوم المذكرات السياسية لسببين :
1- في بعضها نسبة اعمال الى صاحبها ، ومحاولة دفع شبهة وجهت له، وإظهار صاحبها بمظهر الشخص المؤثر، صاحب الكلمة.
2- وتكشف البقية عن امور صحيحة تصحح ماهو معروف او خاف عن حادث تاريخي وتتوقف المذكرات السياسية على درجة براعة وثقافة اصحابها وعلى وجدانهم وشعورهم بالمسؤولية ..
:- من من العرب من اهتم بهذا ( الفن ) ؟
- في القطر المصري : الدكتور حسين هيكل وبطرس غالي باشا هما من اقدم من اهتم بكتابة المذكرات وشعر بضرورتها وفي العراق، كتب توفيق السويدي وناجي شوكت وعلى جودة الايوبي وطه الهاشمي وعبد العزيز القصاب وشيخ مهدي كبة، وغيرهم ممن كتب عنهم وعن نوعية مذكراتهم وناقشوها، أساتذتنا في التاريخ وهي لاتزال مع ذلك في حاجة الى دراسة اوسع والى قلب أفتح في الكتابة عنها .. وهكذا وضع بعض الممثلين السياسيين الاجانب من الذين اشتغلوا في العراق مذكرات عن ايامهم في هذه البلاد او في الوطن العربي ويمكن ادراك ميولهم من مطالعتنا في هذه المذكرات ..
وكتابة المذكرات، باب من ابواب الادب يحتاج الى موهبة ومهارة، شأنه في ذلك شان كتاب القصص، من حيث الابداع والاتقان في تصوير الاشياء والتعبير عن الشعور بادق التعابير واخيرا الالفاظ .. والمذكرات اقدم عهدا في الغرب منه عندنا في الشرق كما انه بحكم قدمه وكثرة ممارسة الناس عندهم لمطالعة المذكرات اكثر اتقانا وأروج سوقاً، وأكثر تعرضاً للتحليل والنقد منه عندنا في هذا اليوم.
:- رغب الدكتور جواد علي ، في ان يتوقف حوارنا في محور ( المذكرات السياسية) وحقه علّي في ذلك، فقد كان في وضع لا يساعده على طاقة التحدث كثيراً، فقلت له لنرجئ هذا الحديث على ان نعمله، بعد زمن، انطلاقا من مقولة فولتير : انه لا يمكن ان تتوقف عجلة واحدة في الالة الكبيرة دون ان تلقي بالطبيعة لكنها خارج نطاق سيرها : وان المؤرخ لايحتاج الا الى تتبع سير العقل الانساني بعد ان يترك نفسه في عالم القوانين الحتمية ..
قال : انا معك ! )).
&&&
العلامة الدكتور جواد علي (السيرة الذاتية).
ولد الدكتور جواد علي في الكاظمية ببغداد سنة 1907، وأنهى دراسته الابتدائية عام 1925، دخل كلية الإمام الأعظم وتخرج منها عام 1927، وأكمل الدراسة الإعدادية في المدرسة المركزية عام 1929، نال شهادة الليسانس من دار المعلمين العالية عام 1931، ثمّ أرسل في بعثة علمية إلى ألمانيا للحصول على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة هامبورغ عام 1938، عيّن مدرساً في الإعدادية المركزية عام 1940، ثم اميناً في لجنة التأليف والترجمة والنشر بوزارة المعارف، ثم مدرساً في دار المعلمين العالية 1943.
كان مع الشيخ محمد رضا الشبيبي والاستاذ محمد بهجت الاثري قد وضعوا بذرة تاسيسس المجمع العلمي العراقي سنة 1947، وانتدب سكرتيراً للمجمع العلمي العراقي عام 1948، وتدرج في الألقاب العلمية حتى أصبح أستاذاً في كلية التربية في جامعة بغداد عام 1961، وأحيل إلى التقاعد عام 1972.
منح وسام المعارف اللبناني عام 1947، انتخب عضوا لمجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1952، اختير أستاذاً زائرا في جامعة هارفرد عام 1957، عضواً في الجمعية الاثارية الألمانية، مثل العراق في عد مؤتمرات عربية ودولية، ولمكانته العلمية منحته جامعة بغداد درجة0استاذ متمرّس) وهو أعلى لقب علمي يمنح لمفكّر عراقي، ومنح وسام المؤرخ العربي.
نشر الدكتور جواد علي قرابة (50) دراسة في الآثار والتاريخ والاستشراف، يتقن اللغات العربية والألمانية والانكليزية.
من مؤلفاته:
- تاريخ العرب قبل الاسلام – ثمانية مجلدات سنة 1951.
- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ويقع في عشرة مجلدات، بيروت 1968-1972.
- تاريخ العرب في الإسلام.
- أصنام العرب (بغداد 1967 )
- تاريخ الصلاة في الإسلام – 1969.
- صورة الأرض ( خارطة العالم للادريسي ).
- التاريخ العام – بغداد 1972.
- تاريخ صدر الإسلام على ضوء مصادر جديدة (مخطوط).
- المفصل في تاريخ العرب في الإسلام (مخطوط).
- كتاب واسع عن السيرة النبوية(مخطوط).
- معجم ألفاظ المسند (مخطوط).
- قاموس ألفاظ الجاهلية الواردة في كتاب الجاهليين (مخطوط).
- وله بحث موسع نشر متسلسلاً في مجلة المجمع العلمي العراقي (1950 -1954 ) حول موارد تاريخ الطبري.
- المهدي وسفراؤه الأربعة، وهي اطروحته للدكتوراه.
Der Mahdi der Zwolfer – schia und schia vier scbire (Theiss Ph - D -, Universitat Hamburg Flamburg – 1938).
&&&
الإحالات:
1- حوار أجرته: مجلة أفاق عربية، العدد 10، السنة التاسعة، بغداد، حزيران 1984.
2- مصادر السيرة الذاتية:
- جواد علي، أصنام الكتابات، شركة دار الوراق للنشر المحدودة، الطبعة الأولى، بغداد، 2007.http://www.kululiraq.com/modules.php?name=News&file=article&sid=13735
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق