الاثنين، 22 نوفمبر 2010

جمهوريو الولايات المتحدة الأمريكية ومحنة الانشقاق دراسة في عوامل تأسيس الحزب (الثالث) التقدمي وأُفوله 1909- 1916، د. كريــم صبــح، عرض وتوثيق كتاب.

تنويه: تصفح الموقع يتم باستعمال  رسائل أحدث او  رسائل أقدم، اسفل الصفحة الرئيسية.
 
المقدمـــة
تزخر المكتبتان العراقية والعربية بالمئات من الدراسات الرصينة عن التأريخ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر متوقع ومفهوم، ولاسيما أن الكثير من جوانب ذلك التاريخ كانت بها – فعلاً – حاجة الى البحث. لكن ما ينبغي الوقوف ملياً عنده أنه قلما خلت دراسة من تلك الدراسات من البحث – بصورة تفصيلية أو غير تفصيلية – في تاريخ الحزبين الكبيرين المعروفين على نطاق واسع جداً، وهما الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حتى صار يُعتقد أنه لا وجود لحزب ثالث آخر غيرهما، حزب ألّف – في مرحلة ما – جزءاً مهماً من التأريخ السياسي للبلاد، وأن الحياة السياسية الداخلية الامريكية لا تحتمل وجود حزب ثالث، على الرغم من ادراك الجميع – المؤرخون في الأقل – أن النظام السياسي للولايات المتحدة الامريكية هو النظام الأكثر مرونة واستجابة للتحديات الداخلية من بين الأنظمة السياسية المعروفة في الديمقراطيات الغربية.
والمهم في الأمر أن أسماء العشرات من الأحزاب الثالثة الصغيرة لم تكن معروفة حتى بالنسبة الى أوساط أكاديمية، فما بالك بالنسبة الى أوساط غير أكاديمية. وبمعنى آخر، كاد النسيان والاهمال أن يطويا تلك الاحزاب الثالثة المغمورة. ومن هنا ولدت فكرة هذه الدراسة ومسوِّغ تأليفها؛ ليحدد اطارها الزمني بحيث يبدأ في العام 1909، أي العام الذي ظهرت فيه بوادر الانشقاق في الحزب الجمهوري، وينتهي في العام 1916، وهو العام نفسه الذي حُلَّ فيه الحزب موضوع هذه الدراسة رسمياً.
جاءت الدراسة في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. وقد تناول الفصل الاول منها مفهوم " نظام الحزب الثالث"، والعوامل التي حكمت وجود الحزب الثالث في ضوء طبيعة النظام السياسي للولايات المتحدة الامريكية، بما في ذلك غلبة " نظام الحزبين" عليه، والاجراءات التي اتخذتها الادارة الجمهورية واسهمت في اثارة خلافات عميقة بينها وبين الجناح التقدمي في الحزب الجمهوري، ليوضح الفصل – في النهاية – كيف تحولت تلك الخلافات الى بوادر انشقاق ظهرت في وقت مبكر من عمر تلك الادارة.
وأبرز الفصل الثاني محاولات التقدميين توحيد صفوفهم في اطار تنظيمي في نطاق الحزب الجمهوري، وعودة الرئيس السابق تيودور روزفلت الى ممارسة النشاط السياسي في سياق زعامته للجمهوريين التقدميين، وكيف تحول اختيار الحزب مرشحه الرئاسي الى معركة بين روزفلت ورأس الادارة الجمهورية آنذاك وليم هوارد تافت، فجاء الفصل الثالث ليحدد نتائج تلك المعركة، فبين كيف أن التقدميين بزعامة روزفلت قد أقدموا – أخيراً – على الانشقاق عن الحزب الجمهوري، ووضع اطار تنظيمي لهم، عبّر عنه تأسيسهم حزبهم التقدمي، وأن الحزب الجديد لم يخل من برنامج عمل حاول من خلاله منافسة الحزبين الكبيرين والتطلع الى أعلى منصب في البلاد.
ووقف الفصل الرابع والأخير عند الحملة الانتخابية لمرشح الحزب التقدمي، محدداً عوامل الضعف فيها، ومناقشاً الأداء السياسي للحزب ومرشحه الرئاسي في ضوء نتائج انتخابات العام 1912، لينتهي – أخيراً– عند حل الحزب وعودة أعضائه الى صفوف الحزب الجمهوري، لتأتي خاتمة الدراسة لتؤلف ما يُعتَقَد أنها دروس استحقت الوقوف عندها والامعان في مغزاها، على وفق منهج بحث تاريخي لم يخل من التحليل.
وكان طبيعياًُ أن يثير موضوع الدراسة أكثر من سؤال:
ألا يعد وجود " الحزب الثالث " ضرورياً وحتمياً في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كثيراً ما وُصف نظام الحكم فيها بأنه نظام حكم تعددي ديمقراطي، حتى على الرغم من أن دستورها لم يذكر أي شيء بشأن الاحزاب وتنظيمها ؟
واذا كان الأمر كذلك فعلاً، فلَم عُرف النظام نفسه بأن نظام  قام على أساس " نظام الحزبين " ؟
هل كان افتقار الحزبين الكبيرين الى فلسفة حكم نبعت من عقائد أيديولوجية السبب في ظهور " نظام الحزب الثالث " ؟
هل ألّف " الحزب الثالث " تحدياً حقيقياً للحزبين الكبيرين ؟
ماذا عن تجربة الحزب التقدمي نفسه في هذا السياق ؟
هل أن كون تأسيس الحزب قد جاء نتيجة انشقاق عن حزب كبير ألّف عامل قوة أو عامل ضعف فيه ؟
وهل يدخل ارتباط الحزب التقدمي المباشر بشخص زعيمه الرئيس السابق تيودور روزفلت في هذا الباب ؟
وهل خدم الحزب التقدمي مصالح الحزب الديمقراطي، أي الحزب المنافس للحزب الجمهوري ؟
وهل – فعلاً – أن الحزب التقدمي كان السبب الوحيد في خسارة الجمهوريين حكم دام مدة 16 سنة من دون انقطاع ؟
ألم تكن ما بدت أنها " محافظة " في صفوف الحزب الجمهوري وفي الادارة الجمهورية السبب في تلك الخسارة ؟
هل أربك ظهور الحزب التقدمي " نظام الحزبين " فعلاً ؟
وهل حرك النظام السياسي للبلاد في هذا السياق ؟
ماذا عن النتائج في كل ذلك ؟
هل خلت تجربة الحزب التقدمي القصيرة العمر – زمنياً وسياسياً – من دروس وعبر يمكن الركون اليها والقياس عليها، حتى من دون اجترار لوقائع التاريخ ؟
يُعتَقد أن اجابات تلك الاسئلة وغيرها ممن لم تطرح هنا على وجه التحديد ستبرز في ثنايا الدراسة، اعتماداً على ما اوردته مصادر متميزة في بابها من معلومات مهمة رفدت الدراسـة بالشـيء الكـثير، يأتي
في طـليعة تلك المصادر الوثائق الامريكية المنشـورة، منها
الوثـائق التي جمعهـا المـؤرخ الامريكـي المعروف هـنري
سـتيل كومـاغر (
Henry Steele Commager)  ونشرها تحت عنوان "Documents of American History "، والوثـائق التي جمعهـا المـؤرخ الامريكي ريتشـارد موريـس(Richard Morris) ونشـرها تحت عـنوان"Significant Documents in United States History"، التي جـاءت في جـزأين أفـادا الدراسة كثيراً، ولاسـيما الجزء الثـاني منهما على وجـد التخصيص، زيـادة على الوثـائق التـي جمعهـا المـؤرخ الأمريكـي هـارولد سـي. سـيريـت(Harold C.Syrett) ونشـرهـا تحت عنـوان " American Historical Documents  ".
ويسوِّغ افتقار المؤلفات باللغة العربية الى ما يرفد الدراسة بالمعلومات الضرورية الاستخدام القليل جداً لتلك المؤلفات فيها، واعتماد الدراسة – الى حد كبير – على المعلومات التي أوردتها مؤلفات أجنبية – ولاسيما الأمريكية منها – ترجمت الى اللغة العربية، أو مؤلفات اجنبية استخدمت بلغتها الأصلية. وبالنسبة الى المؤلفات الاجنبية المترجمة يمكن الاشارة الى مؤلَّفي كلينتون روسيتر" الاحزاب والسياسة في امريكا " و" النظام الرئاسي في الولايات المتحدة"، ومؤلَّف البرت ساي" أسس الحكم في امريكا"، ومولّف ماكس سكيد مور ومرشال كارتر مانك" النظام السياسي في الولايات المتحدة"، والجزء الثاني من مؤلََّف تشارلز وماري بيرد " تاريخ الولايات المتحدة الامريكية"، ومؤلّف كارل ن. ديغلر" الانطلاق من الماضي. القوى التي شكلت امريكا الحديثة ".
ورفدت المؤلفات باللغة الانكليزية الدراسـة بمعـلومات أغنت عدد غير قليل من موضوعاتها، منها" America Is " لمؤلَفيه هنري دريوري ( Henry Drewry ) وتومـاس أوكـونـور( Thomas O, connor)، والجزء الثاني من المؤلّف " American History " لمـؤلـفـه آلان برينكلي(Alan Brinkley  )، و"Twentieth- Century America "  لمؤلفه توماس سي.ريفز(Thomas C.Reeves
و"
The U.S.Two Party System " لمجموعة من المـؤلـفـين السوفيت، و"Nation of Nations .A Concis Narrative of the American Republic"  لمؤلفه جيمس ويست دافيدسون(James West Davidson) وآخرون، و "American Government.The Essentials " لمؤلَفيه جيمس ويلسن(James Wilson) وجون ديلوليو (John Dilulio)، و"America.A History  " لمؤلفه اوسكار هاندلين (Oscar Handlin).
والواضح أن الدراسة أفادت كثيراً من شبكة المعلومات الدولية
(الانترنت)، ولاسيما في الحصول على المعلومات المتعلقة بتأسيس الحزب التقدمي والنصوص الكاملة لبرنامجه الانتخابي ونشاطاته في المدة الواقعة بين تأسيسه وحله. ويمكن هنا تأشير بعض المواقع المتميزة في هذا السياق:
http://en.citizendium.org
http://www.u- s-history.com/pages/h1755.html

أخيراً وليس آخراً، يُعتَقد أن البحث في موضوعات هذه الدراسة كان على وفق اجتهاد يحتمل الصواب مثلما يحتمل الخطأ. وفي الحالين، ستكون آراء وانتقادات مَن سيتكبد عناء قراءته ومشقتها موضع قبول واحترام مَن يدّعي أن يراعه قد خطّه على نحو يُعتَقد أيضاً أنه لم يخل من الاثنين معاً: العناء والمشقة.
تفصيل قائمة المحتويات
المقدمـــة، الفصل الأول: النظام السياسي ومسار التطورات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة الامريكية: - " نظام الحزب الثالث " وطبيعة الحياة السياسية الداخلية الامريكية، - الادارة الجمهورية الجديدة بين " المحافظة و" التقدمية "، - نحو الانشقاق، - هوامش الفصل الاول.
الفصل الثاني: تيودور روزفلت والزعامة التقدمية: - تنظيم صفوف التقدميون، - عودة روزفلت الى الميدان السياسي، - الترشيح معركة بين روزفلت وتافت الجمهوريّين، - هوامش الفصل الثاني.
الفصل الثالث: التقدميون تنظيميا وبرنامج عمل: - الانشقاق وتأسيس الحزب(الثالث) التقدمي، - البرنامج الانتخابي للحزب التقدمي، - هوامش الفصل الثالث.
الفصل الرابع: ومضة في مكان ما بين الحزبين الكبيرين فالعود الى أحضان الحزب الأم: - الحملة الانتخابية لمرشح الحزب التقدمي وعوامل الضعف فيها، - روزفلت وحزبه الثالث في ضوء انتخابات العام 1912 ونتائجها، - حل الحزب التقدمي وعودة المنشقون الى صفوف"الحزب القديم الكبير "، - هوامش الفصل الرابع.
الخاتمـــة، قائمة المصـادر.
الخاتمة
لم تخل تجربة الانشقاق في صفوف الحزب الجمهوري من الدروس والعبر التي يمكن تأشير أبرزها على وفق منهج البحث التأريخي التحليلي، من دون تخطي ما انطوت عليه تلك التجربة من خصوصية. فعلى الرغم من اعتماد الحياة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية على " نظام الحزبين "، فرضت جوانب القصور في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وجود حزب ثالث يأخذ على عاتقه مهمة تنبيه الحزبين الكبيرين على جوانب القصور تلك، ولاسيما أن أي من الحزبين الكبيرين لم يكن حزبا يعتنق عقائد آيديولوجية، ليحرك الحزب الثالث الحياة السياسية الداخلية في سياق ذلك.
وعلى النقيض من الحزبين الكبيرين أيضا، لم يثبت أن الحزب الثالث قد دام مدة طويلة. فعمر الحزب التقدمي نفسه لم يتعد الأربع سنوات. والواضح أنه في وجود الحزبين الجمهوري والديمقراطي كانت تكمن عوامل عدم ظهور حزب ثالث، وعوامل القضاء على ذلك الحزب بعد ظهوره، إما بسبب انقضاضهما عليه واستيعاب أفكاره، وإما بسبب استئثارهما بالاهتمام والنفوذ والدعاية والمال، من دون نسيان ما تضفيه نظرة الرأي العام الأمريكي على الحزبين، كونهما من نوع الأحزاب العريقة التاريخية.
وقد ثبت أن هناك أحزابا ثالثة قليلة جدا أسهمت في إضفاء الحيوية والحركة على النظام السياسي الأمريكي، وإبراز ما تميز به الأخير من مرونة كبيرة. فقد ثبت أيضا أن الحزب التقدمي كان مصدرا مهما للأفكار التقدمية التي أخذت طريقها الى التشريع، بغض النظر هنا عن كون ذلك قد تم في عهد الإدارة الديمقراطية.
والواضح أن معياري " التقدمية " و" المحافظة " كانا دافعين مهمين ورئيسين من دوافع تطلع البعض من أعضاء الحزب الجمهوري الى البحث عن الإصلاح في خارج نطاق الحزب، ولاسيما أن الإدارة الجمهورية التي حكمت البلاد في المدة الواقعة بين عامي 1909 و1913 لم تجعل من " التقدمية " برنامج عمل دائمي لها، ولم تصغ الى احتجاجات الجمهوريين التقدميين في هذا السياق، فجعلهم ذلك البحث – في نظر زعامات الحزب وقياداته التقليدية المحافظة في الأقل – " متمردون "، ولاسيما بعد أن اتخذ ذلك " التمرد " شكلا تنظيميا عبّر عن نفسه في تأسيس " العصبة الجمهورية التقدمية الوطنية".
والواضح أيضا أنه يصعب توقع أن تحظى عودة سياسي ورئيس سابق الى ممارسة النشاط السياسي بالاهتمام نفسه الذي حظيت به عودة تيودور روزفلت الى ممارسة ذلك النشاط، ليغدو روزفلت هنا " البطل " الذي انتظر عودته كثيرون، التقدميون في الأقل، أولئك التقدميون الذين وجدوا فيه الجمهوري الوحيد القادر على الوقوف بوجه إدارة الرئيس تافت، في حين وجد روزفلت نفسه يميل تدريجيا الى جانب التقدميين، من دون أن يهتم كثيرا بروابط صداقة طويلة مع تافت. وفي الوقت الذي دغدغ فيه ذلك الميل طموح روزفلت السياسي وبعث به نزعة الى القيادة تتناسب وحيويته وإقباله على الحياة، تحول " تمرد " الجمهوريين التقدميين الى انشقاق، ولاسيما أن زعامات الحزب وقياداته المحافظة رفضت دعم اختيار روزفلت مرشحا رئاسيا.
والثابت أن تأسيس الحزب التقدمي عبّر عن الاختلاف العميق بين الجناحين التقدمي والمحافظ في الحزب الجمهوري، من دون نسيان أن تأسيس الحزب التقدمي لم يكن بمعزل عن الطموح السياسي لروزفلت، بدليل أن التأسيس تم بعد رفض المؤتمر القومي للحزب الجمهوري ترشيح روزفلت بمدة قصيرة، وبدليل قبول روزفلت الترشيح الذي عرضه عليه المؤتمر القومي الأول لحزبه، ليغدو الأخير من نوع حزب الأشخاص الذين اتبعوا زعيما انشق عن أحد الأحزاب، بغض النظر هنا عن كون " التقدمية " كانت من بين عوامل انشقاق الزعيم روزفلت.
وبغض النظر أيضا عن كون " التقدمية " نفسها كانت من بين دوافع تأسيس الحزب التقدمي، فإن انشقاق روزفلت عن الحزب الجمهوري، وتأسيسه حزبا ثالثا صغيرا، حزب يصعب توقع أن يغدو – في عام انتخابي حاسم وفي ظل شيء من الواقعية السياسة وبعد النظر والحكمة – أداة التغيير المنشود في البلاد وانتزاع المنصب الأول فيها في غضون أربعة شهور هي كل عمره الزمني والسياسي – يمكن النظر اليهما على أنهما دليلين على غلبة الجانب الذاتي على الجانب الموضوعي في تفكير روزفلت ونشاطه السياسي، ودليلين على أنانيته، فعلى الرغم من أن نزعته التقدمية هي موضع تقدير هنا، كان بامكان روزفلت – وهو السياسي والرئيس السابق ذو الشعبية الكبيرة – أن يستثمر تلك الشعبية الكبيرة للضغط على منافسه تافت واجباره – عن طريق اتفاق ملزم في داخل المؤتمر القومي للحزب الجمهوري – على تبني برنامج تقدمي يلبي جميع مطالب التقدميين ويحفظ – في الوقت نفسه – للحزب وحدته وتماسكه.
وما يقتضي الوقوف عنده في هذه الخلاصة هو مغزى عدم نجاح الحزب التقدمي في كسب ذوي المناصب الرفيعة واعضاء الطبقة الثرية، في الوقت الذي رفض فيه أقرب المقربين الى روزفلت – بمن فيهم زوج ابنته – الانضمام الى حزبه الجديد، ليكون ذلك من بين عوامل ضعف الحزب، ولاسيما أنه قد ثبت أن الرئيس تافت والزعماء الجمهوريون المحافظون كانوا يسيطرون على جهاز الحزب الجمهوري على نحو واضح، من دون أن يكون ذلك سببا في عدم الوقوف عند مغزى وجود المرأة – التي لم تكن قد حصلت على حق الاقتراع بعد – وعناصر الطبقتين العمالية والوسطى في صفوف الحزب التقدمي.
ويبدو جليا أن برنامج الحزب التقدمي لعام 1912 جاء معبرا حقيقيا عن طموحات التقدميين وتطلعاتهم، ولاسيما بتحديده جوانب القصور التي بها حاجة الى اصلاح حقيقي على الصعد السياسية – الداخلية والخارجية، بما فيها العلاقات الخارجية للبلاد – والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، ظهر أن التحدي الحقيقي الذي واجهه ذلك البرنامج قد جاء من برنامج الحزب الديمقراطي، والعكس صحيح ايضا، حتى إنه ثبت أن روزفلت حقق في انتخابات العام 1912 ما لم يحققه أي مرشح حزب ثالث. يكفي حزب روزفلت الثالث الصغير الجديد فخرا أن مرشحه حل ثانيا بعد مرشح الحزب الديمقراطي ويلسن، وانه هزم مرشح الحزب الجمهوري تافت، على الرغم مما لوحظ على حملته الانتخابية من عوامل ضعف موضوعية.
ويبدو أيضا أن روزفلت كان السياسي الوحيد الذي تجرأ على تحدي " تقليد حكيم " كان محترما طوال تاريخ البلاد، وهو عدم تولي شخص ما الرئاسة مرة ثالثة. وعلى الرغم من انه ليس هنالك من قيد دستوري يمنع روزفلت من ذلك، كان ذلك التقليد مقدسا عند البعض من الامريكيين الى الدرجة التي لم يتوانوا فيها عن استخدام العنف تعبيرا عن رفضهم لعدم احترام روزفلت لذلك التقليد.
والثابت أن الانشقاق الجمهوري كان حاسما في انتخابات العام 1912 الرئاسية. فخسارة الحزب الجمهوري في الانتخابات كانت تعني انتقال الحكم الى الحزب الديمقراطي، الفرصة التي انتظرها الديمقراطيون مدة طويلة من الزمن، وأتاحها لهم روزفلت بانشقاقه عن الحزب الجمهوري، لينقل – في غضون ذلك – الاصلاح من الحزب الجمهوري الى الحزب الديمقراطي.
والأكيد أن الانجازات التقدمية التي حققتها ادارة الرئيس ويلسن قد أفقدت الحزب التقدمي جانبا مهما من مسوغات وجوده، وأخذت بالحسبان – في الوقت نفسه – معظم اعتراضات المنشقون بخصوص " المحافظة " التي بدت عليها الادارة الجمهورية السابقة.
ويُعتَقَد أن روزفلت وحزبه التقدمي قد انفردا في الدعوة الى الانحياز الى جانب بريطانيا وحليفاتها في الحرب العالمية الاولى، مع أنه قد ثبت انه في شعار الحياد تحديدا كانت تكمن قوة الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الديمقراطي ويلسن في العام 1916.
وما يؤخذ على روزفلت أن رفضه اعادة ترشيحه في المؤتمر القومي الثاني للحزب التقدمي في العام 1916 أيضا جاء متأخرا، ولم يشتمل على تضحية كبيرة من نوع ما. وبمعنى آخر، وجب على روزفلت أن يرفض الترشيح الذي عرض عليه أول مرة في المؤتمر القومي الاول لحزبه في العام 1912. لو فعل ذلك لكان قد قدّم درسا للسياسيين في كل زمان ومكان، ولكان قد أبقى على احترامه لذلك " التقليد الحكيم "، من دون أن يفقد شيئا من ألقه وعنفوانه وعظمته. هل كانت به حاجة حقيقية الى السلطة مرة اخرى ؟ أليست أبواب التغيير والاصلاح مشرعة أمام الجميع في الولايات المتحدة الامريكية، ومن أي موقع يشغله مَن يتطلع  الى التغيير والاصلاح حقا ؟
وفي جميع الأحوال، لم تخل التجربة السياسية للحزب التقدمي – على قِصر عمرها الزمني- من أكثر من مغزى. لقد نجح الحزب في تحريك النظام السياسي الامريكي واضفاء  الحيوية عليه، مثلما نجح في هز " نظام الحزبين " من الجذور. وفي جميع الاحوال أيضاً، يحسب للحزب التقدمي أنه الحزب الثالث الصغير الذي أقنع – في الأقل – الملايين من الناخبين الذي صوّتوا له يوما ما، وناغم تطلعاتهم الى تغيير واصلاح ملحين ومطلوبين في أغلب الأحوال.
تفصيل قائمة المصادر
1- الوثائق الامريكية المنشورة:
- " فرانكلين روزفلت. خطبه ورسائبه "، جمع بازيل روش، ترجمة حبيب واصف، القاهرة، 1957.
-"American Historical Documents ", Edited by Harold C.Syrett, Barnes and Noble, Inc., New York, 1960.
-"Documents of American History ", Edited by Henry Steele Commager, Vol.2, Since 1865, New York, 1949.
-Richard D.Heffner, A Documentary History of the United States, Indiana, 1954.
-Robert G.Dixon and Elmer Plischke, American Government. Basic Documents and Materials, D. Van Nostrand Company, Inc., New York, 1950.
-"Significant Documents in United States History ", Vol.I, 1620-1896, Edited by Richard B.Morris, New York, 1969.
-"Significant Documents in United States History ", Vol. II, 1898-1968, Edited by Richard B.Morris, New York, 1969.
2- منظومة شبكة المعلومات الدولية( الانترنت ):

3- المصادر العربية
- "الولايات المتحدة الامريكية. من الخيمة الى الامبراطورية "، اعداد علي ديب حسن، الأوائل للنشر والتوزيع والخدمات الطباعية، دمشق، 2002.
- سمعان بطرس فرج الله، العلاقات السياسية الدولية في القرن العشرين، الجزء الأول 1890-1918، القاهرة، 1974.
- سمير التنير، اميركا من الداخل، بيروت، 2010.
- عبد الحميد جودة السحار، صانعو التاريخ الامريكي، القاهرة، د. ت.
- عبد العزيز سليمان وعبد المجيد نعنعي، تاريخ الولايات المتحدة الامريكية الحديث، بيروت، د. ت.
- فرحان زيادة وابراهيم فريجي، تاريخ الشعب الامريكي، بيروت، 1946.
- فوزي قبلاوي، نظام الحكم في امريكا، بيروت، د. ت.
- كريم صبح، جماعات الضغط اليهودية. التنظيم، الدور والتأثير في صنع القرار السياسي للولايات المتحدة الامريكية 1945-1969. دراسة تاريخية، بيت الحكمة، بغداد، 2009.
4 - المصادر المعربة
-  البرت ساي وآخرون، أسس الحكم في امريكا، ترجمة محمد فرج، القاهرة، 1978.
-  الكسيس دو توكفيل، الديمقراطية في امريكا، الجزء الاول، ترجمة أمين موسى قنديل، القاهرة، 1962.
-  "الولايات المتحدة الامريكية. جغرافيتها ونموها "، وكالة الاعلام الامريكية ، واشنطن، د. ت.
-  أموري د. رينكور، القياصرة القادمون، ترجمة أحمد نجيب هاشم، القاهرة، 1970.
-  اودو زاوتر، رؤساء الولايات المتحدة الامريكية منذ 1789 حتى اليوم، دار الحكمة، لندن، 2006.
-  بير رينوفان وجان باتيست دوروزيل،مدخل الى تاريخ العلاقات الدولية، ترجمة فايز نقش، منشورات عويدات، بيروت، 1967.
-  تشارلز وماري بيرد، تاريخ الولايات المتحدة الامريكية، الجزء الثاني، منشورات مكتبة أطلس، دمشق، 1960.
-  ج. ب. دوروزيل، التاريخ الدبلوماسي في القرن العشرين، الجزء الأول 1919- 1945، ترجمة خضر خضر، دار المنصور، بيروت، 1985.
-  جون ستيل جوردن، امبراطورية الثروة. التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الامريكية، الجزء الثاني، ترجمة محمد مجد الدين باكير، الكويت، 2008.
-  دافيد كوشمان كويل، النظام السياسي في الولايات المتحدة، ترجمة توفيق حبيب، القاهرة – بغداد، 1955.
-  ديفيد سي. كورتن، عندما تحكم الشركات العالم، ترجمة محمد درويش، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، 2007.
-  ديفيد كي. نيكولز، اسطورة الرئاسة الامريكية الحديثة، ترجمة صادق ابراهيم عودة، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، 1997.
-  ريتشارد اوكنور، بارونات النفط، ترجمة يونس شاهين، بيروت، 1982.
-  ريتشارد شرودر، موجز نظام الحكم الامريكي، وكالة الاعلام الامريكية، واشنطن، 1985.
-  سترلنج نورث، ايب لنكولن من الكوخ الى البيت الابيض، ترجمة احمد كمال، القاهرة، 1956.
-  ستيف فرايزر وغاري غرستل، الطبقة الحاكمة في امريكا. تأثير الأقوياء والنافذين في دولة ديمقراطية، ترجمة حسان البستاني، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2006.
-  ستيفن فنسنت بنيه، امريكا، ترجمة عبد العزيز عبد المجيد، القاهرة، 1945.
-  صموئيل هنتنغتون، مَن نحن ؟ التحديات التي تواجه الهوية الامريكية، ترجمة حسام الدين خضور، دمشق، 2005.
-  فرانك تاننباوم، مبادئ السياسة الامريكية، ترجمة احمد عبد المجيد فؤاد، القاهرة، 1957.
-  فرانكلين أشر، موجز تاريخ الولايات المتحدة، ترجمة مهيبة مالك الدسوقي، بيروت، د. ت.
-  فنسنت شيان، توماس جيفرسون أبو الديمقراطية، ترجمة جاسم محمد، بغداد، 1961.
-  كاترين اونيز بير، حياة فرانكلين روزفلت، ترجمة محمد بدر الدين خليل، القاهرة، 1962.
-  كارل ن. ديغلر، الانطلاق من الماضي. القوى التي شكلت امريكا الحديثة، ترجمة صادق ابراهيم عودة، الاهلية للنشر والتوزيع، عمان، 1997.
-  كارلتون ج. ه.هيز، الثورة الصناعية ونتائجها السياسية والاجتماعية، ترجمة احمد عبد الباقي، بغداد، 1962.
-  كارلهاينتس دشنر، المولوخ اله الشر. تاريخ الولايات المتحدة، ترجمة محمد جديد، قدمس للنشر والتوزيع، دمشق، 2003.
- كلود جوليان، الامبراطورية الامريكية، ترجمة ناجي أبو خليل وفؤاد شاهين، دار الحقيقة، بيروت، 1970.
-  كلينتون روسيتر، الاحزاب والسياسة في امريكا، ترجمة محمد لبيب شنب، القاهرة، 1960.
-  كلينتون روسيتر، النظام الرئاسي في الولايات المتحدة، ترجمة سمير سالم، بيروت، 1956.
-  لويس هايكر، الرأسمالية الامريكية ما أنجزته وما تعد، ترجمة ع . الحفار، بيروت، 1957.
-  مارغريت جوستر بوتشر، السود في امريكا، ترجمة ممدوح حقي، بيروت، 1964.
-  ماكس سكيد مور ومرشال كارتر وانك، كيف تحكم أمريكا، ترجمة نظمي لوقا، القاهرة، 1981.
-  ماكس ليرنر، أمريكا كحضارة. الفكر والحياة في الولايات المتحدة الامريكية، الجزءان الأول والثاني، ترجمة راشد البراوي، القاهرة، 1966.
-  مكسيم لوفابفر، السياسة الخارجية الامريكية، ترجمة حسين حيدر، بيروت، 2006.
-  مود ومسكا بيترشام، قصة رؤساء جمهورية الولايات المتحدة الامريكية، ترجمة علي عبد الرحيم، دمشق، 1960.
-  هاري ماجدوف، عصر الامبريالية، ترجمة عبد الكريم أحمد، دمشق، 1971.
- " هذه هي امريكا. معلومات وحقائق اساسية عن الولايات المتحدة "، د. م، د. ت.
5- المصادر باللغة الانكليزية
- Alan Brinkliy, American History: A Survey, Vol.II, Since 1865, Tenth Edition, New York, 1999.
- "An Outline of American History ", United States Information Service, Washington, 1953.
- Arthur S.Link, Woodro Wilson and the Progressive Era, 1910-1917, New York, 1954.
- Arthur Schlesinger, The Cycles of American History, New York,1999.
- Charles A. Wills, A Historical Album of Oregon, Connecticut, 1995.
-  David Blanke, The 1910s, Connecticut, 1961.
- Dennis J. Palumbo, American Politics, Meredith Corporation, New York, 1973.
- Glenn W.Moon and Don C.Cline, Story Our Land and People, Holt, Rinehart and Winston, Inc., New York, 1961.
- Henry N.Drewry and Thomas H.O’Connor, America IS, Merril Publishing Company, Fourth Edition, Ohio, 1987.
- Herbert Agar, The United States, the President, the Parties and the Constitution, London, 1950.
- "Illustrated History of Presidents ", Edited by Michael Beschloss, New York, 2000.
- James Q.Wilson and John J.Dilulio, American Government. The Essentials, Ninth Edition, Houghton Mifflin Company, New York, 2004.
- James West Davidson and Others, Nation of Nations. A Concise Narrative of the American Republic, Fourth Edition, New York, 2008.
- John Edwin Fagg, Latin America. A Genaral History, New York, 1977.
-  L.B. Brooks, This Thousand Years, New Jersey, 1994.
-  Marian Irish and Elk Frank, U.S. Foreign Policy, New York, 1975.
- Michael and Julia Corbett, Politics and Religion in the United States, New York, 1999.
- Michael L.Goldstein, Guide to the 2004 Presidential Election, Washington, 2003.
-  Oscar Handlin, America. A History, New York, 1968.
- "Profile of America. An Autobiography of the United States ", New York, 1954.
- Richard Hofstadter and Others, Unite States. The History of  A Republic, New Jersey, 1957.
- Robert Allen Rutland, The Birth of the Bill of Rights, 1776-1791, Collier Books, New York, 1962.
- Samuel Eliot Morison and Henry Steele Commager, Growth of the American Republic, New York, 1962.
- Samuel Flagg Bemis, A Diplomatic History of the United States, 1820-1914, New York, 1970.
- "The American Indian ", Edited by Norris Hundley, California, 1974.
- "The Oxford Companion to American Military History ", Edites by John Whiteclay, Oxford University Press, New York, 1999.
- "The U.S.Two Party System: Past and Present. A View by Soviet Historians, Translated from the Russian by Sergei Sossinsky, Progress Publishers, Union of Soviet Socialist Republics, 1988.
- Thomas C.Reeves, Twentieth – Century America. A Brief History, New York, 2000.
- Walter La Feber, The Cambridge History of American Foreign Relations, Vol.II, The American Search for Opportunity, 1865-1913, Cambridge University Press, London, 1998.
6- الموسوعات والمعاجم
- موسى مخول، موسوعة الحروب والازمات الاقليمية. اميركا من الحرب الاهلية الى حرب العراق، بيروت، 2009.
- http://www.infoplease.com/encyclopedia.html
- " Webster’s Seventh New Collegiate Dictionary ", G and C. Merriam Company, Massachusetts, 1971.
تخريج وتوثيق الكتاب
جمهوريو الولايات المتحدة الأمريكية ومحنة الانشقاق دراسة في عوامل تأسيس الحزب (الثالث) التقدمي وأفوله 1909-1916، د. كريم صبح، مكتب احمد الدباغ، بغداد، 2010، رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 851 لسنة 2010.

للاتصال والتواصل مع المؤلف
د. كريــم صبــح، أستاذ التاريخ الأمريكي المساعد، جامعة بغداد، كلية الاداب، قسم التاريخ.
k.subuh@yahoo.com    ـــــــــــــــ 07704394927
العرض الالكتروني والاعلام والتبادل العلمي: ببليوغرافيا إراكي
http://alsafeerint.blogspot.com
alsafeerint@yahoo.com
7813713484 - 00964  دولي
07901780841  محلي
العنوان البريدي
P.O BOX 195
BAGHDAD IRAQ

ليست هناك تعليقات: