الثلاثاء، 16 مارس 2010

منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية منذ نشأته حتى نهاية العصر السلجوقي (عرض كتاب)


 




المقدمة
نطاق الدراسة وتحليل المصادر

إن تطبيق العدالة في مجتمع من المجتمعات، والحكم بموجبها في منازعات الناس وخلافاتهم، يتطلب نظاماً قضائياً واسعاً، كما بموجب تهيئة الظروف الملائمة، بما في ذلك تعيين عدد كبير من القضاة، الذين تناط بهم مسؤولية القضاء والحكم بين الناس.
أولى الإسلام العدالة أهمية خاصة، فقال تعالى:يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون. ومنذ عهد الرسول(ص)، وطيلة العهد الراشدي والأموي، كانت عناية الدولة ورعايتها للقضاء والقضاة ظاهرة واضحة المعالم، حتى إذا جاء العباسيون للحكم أولوا مؤسسة القضاء كبير اهتمامهم، فجعلوا تعيين القضاة وعزلهم من صميم اختصاصات الخليفة، بعد أن كان الأمر متروكاً بيد ولاة الأقاليم. ولم يكتف العباسيون برعاية هذه المؤسسة والعمل على تطوير فعاليتها بل أوجدوا منصب قاضي القضاة ليعمل مع الخليفة في إدارة هذه المؤسسة وتسيير شؤونها. فكان استحداث مثل هذا المنصب دليلاً على اهتمام العباسيين بالقضاء، وتقديراً منهم لمكانته في جهاز الدولة. أن استحداث منصب قاضي القضاة في العصر العباسي الأول، ولأول مرة في تاريخ القضاء الإسلامي، ظاهرة تلفت النظر، وتعطي الدليل على قابلية الحضارة العربية الإسلامية على التطور والتكيف والانسجام مع متطلبات تقدم المجتمع وحاجاته إلى نظم ومؤسسات جديدة. ولعل ذلك كان من بين البواعث التي حفزت المؤلف لدراسة منصب قاضي القضاة والوقوف على مشكلاته، سواء كان ذلك في جذوره النظرية أو تطبيقاته العلمية.
وقد انتظمت هذه الدراسة في ستة فصول:- كان البحث في الفصل الأول عن مفهوم القضاء في اللغة والاصطلاح. كما أشير إلى الجذور التاريخية لمنصب القاضي في الإسلام، اعتقاداً من المؤلف أن ظهور منصب قاضي القضاة، وأن كان في العصر العباسي الأول فهو وليد التطور التاريخي لمؤسسة القضاء منذ القرن الهجري الأول. أن ظهور منصب قاضي القضاة في العصر العباسي الأول يتطلب دراسة تاريخية لتطور القضاء في هذا العصر، وذلك لوجود الصلة الوثيقة بينهما، وقد تناول هذا الفصل عناية العباسيين بالقضاء القضاة، هذه العناية التي ساهمت في تطور القضاء في هذا العصر، هذا التطور الذي ظهر واضحاً في حصر سلطة تعيين القضاء بالخلفاء، وظهور المذاهب الفقهية. كما أشير إلى سلطة القاضي وأحكامه، هذه السلطة التي مارسها بحرية واستقلال شبه تام. وبنا المؤلف الفوارق بينه وبين الناظر في المظالم. وأخيرا فقد أشار هذا الفصل إلى ظاهرة عزوف بعض المرشحين للقضاء عن تولي هذه الوظيفة والبواعث الكامنة وراء بروزها في هذا العصر.
إن من بين أغراض الدراسة لحالة القضاء والقضاة قبل ظهور منصب قاضي القضاة، البحث عن الجذور الإسلامية العربية للمنصب، وتبيان أصوله الذاتية، التي نمت من جراء تطور مؤسسة القضاء الإسلامية. كان النظام القضائي في الإسلام نسيج وحده في نشوئه وتطوره ولئن زعم بعض المستشرقين بأن النظام القضائي في الإسلام قد تأثر بدوره بالنظم الفارسية، كما تأثرت النظم الإدارية والمالية، فهذا ما لا نقره كلية، نظراً للخصائص التي انفرد بها القضاء الإسلامي عن سائر تلك النظم. حتى يمكن القول، أن القضاء الإسلامي كان احفل مظاهر الحضارة الإسلامية بالتطور في شتى ميادينه، والكفاح في سبيل تقرير القواعد العادلة، وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكل إدارة القضاء. كان ظهور منصب قاضي القضاة استجابة طبيعية لتعقد مؤسسة القضاء وتطورها في العصر العباسي الأول، أكثر مما كان مظهراً من مظاهر الاقتباس والنقل من النظم الفارسية، كما ذهب إلى ذلك طائفة من المستشرقين أمثال تيان وشاخت وبارتولد.
أما الفصل الثاني فقد ناقش أراء بعض المستشرقين، الذين أشاروا إلى أن قاضي القضاة العباسي، هو البديل للموبذان موبذ الفارسي، وان العباسيين اخذوا هذا المنصب عن الفرس، فهم الذين كان لهم منصب قاض للقضاة باسم موبذان موبذ. كما أشير في هذا الفصل إلى الموبذان موبذ، ووضح أوجه الخلاف الجوهرية بينه وبين قاضي القضاة العباسي. كما تطرق المؤلف إلى دراسة منصب(قاضي الجماعة) في قرطبة، وأوضح الفارق بين المنصبين. وتاريخ تماثلهما في الاسم والمسؤوليات.
أنصب البحث في الفصل الثالث على مراسيم تقليد قاضي القضاة في العاصمة العباسية. ومؤهلاته العلمية والشخصية التي ترشحه لمثل هذا المنصب، مع ذكر للجامع الذي يقرأ فيه كتاب التقليد والخلع عليه. وقسم الفصل المذكور إلى أقسام تناول كل قسم منها مراسيم التقليد في فترة تاريخية معينة كما يظهر ذلك في مواضعه من هذه الرسالة.
 ويتضمن الفصل الرابع، دراسة وافية وموسعة بعض الشيء عن ممارسة قاضي القضاة لسلطاته في إدارة القضاء والحكم بين الناس. قسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام، تناول في كل قسم دراسة جانب من جوانب البحث. فتناول القسم الأول سلطات قاضي القضاة والأشراف على أعمالهم القضائية. أما القسم الثاني. فقد شمل دراسة أحوال قاضي القضاة في مجلس حكمه. بينما اقتصر القسم الثالث من الفصل في بحث مسؤولية قاضي القضاة في الأشراف على الشهود العدول في بغداد.
تتجلى مكانة قاضي القضاة في ممارسته لمسؤولياته في القضاء والحكم، إلا أن المؤلف وجد كثيراً ما تناط به من ومسؤوليات غير قضائية، حيث خصص الفصل الخامس لدراسة هذه المسؤوليات التي ظهرت واضحة، في المشاورة والإفتاء في مصالح الدولة وشؤون الرعية، والمساهمة في محنة القول(بخلق القران) ونيابته في الوزارة وتوليه مهمة السفارة بين الخليفة والأمراء السلاجقة، والإشراف على الأوقاف وأموال الأيتام والحسبة في بغداد. إن دراسة وبحث المهمات غير القضائية وان كانت في فترات محدودة تخللت الفترة موضوع البحث، تعد مكملة لفهم واجبات قاضي القضاة الأساسية، وهي مدار البحث الأصلي لهذه الدراسة.
تناول الفصل السادس أدب قاضي القضاة، ويشمل ذلك آدابه في نفسه، وآدابه مع الخليفة وأرباب الدولة، وآدابه خلال ممارسته لمسؤولياته، كما أشار المؤلف إلى الصلة بين قاضي القضاة وأدباء وشعراء عصره.
إن تعقد منصب قاضي القضاة، وتشعب مسؤولياته تستلزم من الباحث الإحاطة بالمظان المختلفة، من أدبية، وتاريخية، وفقهية، وعمرانية، وما إلى ذلك من مصادر، ليستطيع استكمال الصورة الصحيحة لموضوع البحث. كانت المصادر التاريخية، أهم الكتب التي استفاد منها المؤلف أثناء البحث وذلك إن طائفة من المؤرخين أوردوا أسماء القضاة، وقضاة القضاء في بغداد، ضمن أسماء كبار موظفي كل خليفة، أو من خلال عرضهم للأحداث التي كان لهؤلاء القضاة صلة بها. وأشهر من دون ذلك من المؤرخين، خليفة بن خياط (ت 240هـ) في كتابه تاريخ خليفة بن خياط. واليعقوبي (ت 284هـ) في كتابه تاريخ اليعقوبي. والطبري (ت 310هجرية) في كتابه تاريخ الرسل والملوك.والمسعودي (345هـ) في كتابه مروج الذهب. وابن الأثير(ت630هـ) في كتابه الكامل في التاريخ. وابن الساعي (ت674هـ) في كتابه الجامع المختصر الكازروني(ت697هـ) في كتابه مختصر التاريخ والاربلي (ت 717هـ) في كتابه المذهب المسبوك وأبو الفدا (ت 732هـ) في كتابه المختصر في إخبار البشر. وابن كثير (ت 774هـ) في كتابه البداية والنهاية والسيوطي (ت911هـ)في كتابه تاريخ الخلفاء. وصاحب كتاب الحوادث الجامعة. وصاحب كتاب العيون والحدائق. إن هذه المصادر، وان زودتنا بأسماء القضاة، وقضاة القضاة لكل خليفة من الخلفاء العباسيين، إلا إن بعضها اغفل عدد غير قليل من قضاة القضاء، وكثيراً ما أغفلت تاريخ تعيينهم أو عزلهم. يرتبط القضاء بالفقه بروابط متينة، فهو الميدان العملي التطبيقي لقواعده، وقد عرف عن غالبية قضاة القضاء انتمائهم والتزامهم لمذهب فقهي معين، ولهذا فقد ضمت كتب طبقات الفقهاء، خاصة المصنفة لتراجم أصحاب مذهب فقهي معين، معلومات جيدة وموسعة عمن تولى قضاء القضاة من أصحابهم. فمن كتب طبقات الشافعية نشير إلى كتاب طبقات الشافعية لسبكي (ت771هـ) وطبقات الشافعية للاسنوي (ت772هـ). وطبقات الشافعية لأبن قاضي شهبه (ت851هجرية). غلب الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة على القضاء في الدولة العباسية فقد كان أكثر قضاة القضاء حنفيين، ولهذا فقد وجدت في كتب طبقات الحنفية مادة طيبة وقيمة وفرت الكثير من المعلومات عن قضاة القضاء الحنفيين، وعن مؤهلاتهم، وتاريخ تعيينهم في المنصب وأسباب عزلهم. نذكر من هذه الكتب الجواهر المضية في طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء القرشي (ت775هـ) وهو أول من صنف في هذا الباب. كما جمع ابن قطلوبغا (ت879هجرية) مختصراً لطبقات الحنفية سماه ب تاج التراجم في طبقات الحنفية. ثم جاء تقي الدين عبد القادر التميمي (ت1005هـ) فصنف كتاباً بطبقات الحنفية سماه الطبقات السنية في تراجم الحنفية وصفه حاجي خليفة بأنه اجل الكتب المؤلفة في تراجم الرأي. أضف إلى هذه الكتب ما ذكره المكي(ت568) والكردي (ت827هـ) من تراجم لأصحاب أبي حنيفة وأصحاب قاضي القضاة أبي يوسف في كتابيهما الموسومين ب مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة (رض). وفي طبقات الحنابلة، آلف أبي يعلى (ت526هـ) كتابه طبقات الحنابلة وذيل عليه ابن رجب (795هـ) كتابه الذيل على طبقات الحنابلة. كما آلف عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت928هـ) كتابه المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام احمد.
وممن كتب عن الفقهاء المالكية، القاضي عياض (ت544هـ) في كتابه ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك. وأبن فرحون (ت799هـ) في كتابه الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء الذهب. إن المعلومات الواردة في كتب طبقات الفقهاء، وان ثبتت لدينا مذاهبهم الفقهية، لا يمكن اتخاذ معلوماتها بمثابة أمور مسلم بها، إلا بعد تمحيص لها ومقارنتها بمصادر أخرى، نظراً لكونها لا تعكس عن أصحابها في المذهب إلا الأمور الحسنة، أضف إلى ذلك فأنها لا تكون لنا قائمة كاملة بأسماء من توصلوا قضاء القضاة في بغداد، لأن عدداً من هؤلاء لم يعرف عنهم انتمائهم إلى مذهب فقهي معين. إن أقدم قائمة وصلتنا عن قضاة القضاء، وردت عند وكيع (ت306هـ) في كتابه أخبار القضاة. إضافة إلى ذلك قوائمه بأسماء قضاة الجانب الشرقي والشرقية ومدينة المنصور. ومع الأهمية البالغة لما ورده وكيع عن قضاة القضاء فأن بعض معلوماته عنهم كان يسودها الاضطراب. أضف إلى ذلك فان قائمته عن قضاة بغداد تنتهي سنة ( 301هـ). وان آخر من ذكره من قضاة القضاء، هو الحسن بن أبي الشوارب قاضي قضاة المعتضد. كانت بغداد مقراً لقاضي القضاة، فمن الطبيعي أن تتضمن كتب تاريخ بغداد، معلومات طيبة عن قضاة القضاة وعن كبار الموظفين العاملين بدواوينهم وأشهر من اعتمدت عليه في هذا المجال، كتاب، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (ت463هـ). لقد تضمن هذا الكتاب تراجم غنية وموثوقة لمن وليّ القضاء في بغداد، وغيرها، ومن تقلد قضاء القضاة فيها. إن معلومات الخطيب عن قضاة القضاء، الذين ترجم لهم، واسعة تشمل الكثير من مؤهلاتهم القضائية، وتنقلهم في مراكز القضاء، وتاريخ توليهم المنصب، وهي معلومات تتصل بصميم البحث ولهذا فقد كان تاريخ بغداد المصدر الأساس الذي اعتمد عليه بصورة كلية لدراسة المنصب، منذ أن تولاه أبو يوسف بعد سنة ( 170هـ) إلى أن تولاه أبو عبد الله الدامغاني سنة 447هجرية. وكان أبو عبد الله الدامغاني آخر من ترجم له الخطيب من قضاة القضاء. ويبدو إن عدداً من المؤرخين نقلوا التراجم التي أوردها الخطيب، من بينهم ابن الجوزي (ت597هـ) في المنتظم، وأبا يعلى في طبقات الحنابلة، والقرشي في الجواهر المضية، وابن خلكان في وفيات الأعيان. يعد كتاب المنتظم ابن الجوزي، المصدر الثاني الرئيسي بعد الخطيب وهو يورد الأحداث المهمة التي جرت في كل سنة، ثم يذكر تراجم أشهر من توفي فيها، مما سهل للباحث عناء البحث، كن تراجم الكثير من الشخصيات، من الخلفاء، والوزراء، وقضاة القضاء، والقضاة. ولتراجم ابن الجوزي أهمية كبيرة لا تقل عن أهمية تراجم الخطيب البغدادي، وخاصة إن ابن الجوزي اهتم اهتماماً ظاهراً في من ولي قضاء القضاة في بغداد، فقدم لهم تراجم واسعة، عرض من خلالها الكثير من المعلومات عن منصب قاضي القضاة ومكانته وكان آخر من ذكره ابن الجوزي من قضاة القضاء، هو ابن الحسن بن احمد الدامغاني، الذي تقلد منصبه سنة ( 570هـ). ولذلك فان قائمته المستمدة ممن ترجم لهم غير كاملة، تقف عند سنة 574هجرية حيث انتهى الكتاب.
ويتم ابن الدبيثي (ت637هـ) في كتابه ذيل تاريخ بغداد الذي ذيل به على ذيل تاريخ بغداد للسمعاني قائمة قضاة القضاء في بغداد، ويورد عنهم معلومات نادرة، غير انه يهتم اهتماماً خاصاً بذكر الشهود العدول عن قاضي القضاة، ومن تزكيهم، والوظائف القضائية التي ينيطها بهم قاضي القضاة. وهو ينقل ذلك في أغلب الأحيان عن كتاب تاريخ الحكام في مدينة السلام لأحمد بن بختيار بن علي المندائي الواسطي (ت556هـ). وبالرغم من إن الذهبي (ت748هـ) اخذ ذيل ابن الدبيثي ولخصه واختصره لنفسه، وسماه المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي فأن النسخ المصورة لمخطوطه تاريخ ابن الدبيثي تبقى ذات قيمة عالية فيما يخص دراسة منصب قاضي القضاة والموظفين التابعين له. وقد اعتمد المنذري (ت656هـ) في كتابه التكملة لوفيات النقلة، في كثر من معلوماته على أبن الدبيثي. إلا انه تضمن معلومات عن قضاة القضاة يخلو منها تاريخ ابن الدبيثي. ولابد من الإشارة،في معرض الحديث عن مصادر الرسالة هذه، إلى كتب الأدب العربي، وما حوته من مادة خصبة، عن القضاء والقضاة وقضاة القضاة، ساهمت في أغناء هذه الرسالة في عدة مواضع، فقد كان كتاب الجاحظ (ت255هـ) ورسائله، أكثر هذه الكتب فائدة، وهي تمتاز بمعلومات نادرة، موثوق بها لمشاهدته أيها ومعاصرته‘ لها. غير إن هذه المعلومات مبعثرة هنا وهناك نظراً لحب الجاحظ للتنقل في كتابه من موضوع لآخر الأمر الذي يسبب للباحث مشقة العثور على ما يبتغيه من معلومات ومن أشهر كتبه ((البيان والتبيين)) و ((الحيوان)) و ((رسائل الجاحظ)). وللتنوخي (ت384هـ) مكانة خاصة في كتب الأدب، فقد اتسمت أكثرية رواياته بالصدق وتحري الحقيقة، وأشهر هذه الكتب ((نشوار المحاضرة)) و ((الفرج بعد الشدة)) و ((المستجاد من فعلات الاجواد)). وثمة معلومات طيبه في كتب: ابن قتيبه الدينوري (276هـ) خاصة المعارف وعيون الأخبار. وابن عبد ربه (ت328هـ) في كتابه العقد الفريد. والأصفهاني (ت356هـ) في كتابه الأغاني والاصبهاني (ت502هـ) في كتابه محاضرات الأدباء وياقوت الحموي (ت626هـ) في كتابه معجم الأدباء. كما زودتنا كتب الجغرافية ببعض المعلومات القيمة، خاصة من كتاب (البلدان) لليعقوبي، وأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي (ت380هـ) الذي امتاز بإشارته الرائعة للمذاهب الفقهية وانتشارها في الدولة الإسلامية. والاعلاق النفسية لابن رسته. ومعجم البلدان لياقوت الحموي. ومراصد الاطلاع للبغدادي (ت739هـ).
وقد اعتمد المؤلف في دراسته لتاريخ هذا المنصب وتطوره كان على المصادر التاريخية، التي تصف، في اغلب الأحيان، ما حصل في الواقع. وترتب على ذلك أن أصبح اعتماد المؤلف على كتب الفقه قليلاً لأنها تهتم بالنواحي النظرية بالدرجة الأولى ومع ذلك فقد كان لكتب ابن حزم (ت654هـ) قيمة كبيرة في فصول الرسالة وخاصةً كتاب الأحكام في أصول الأحكام والمحلى. وما يقال في كتب أبن حزم ينطبق على ما كتبه السمرقندي (ت383هـ) من كتب منها: عيون المسائل وخزانة الفقه وتنبيه الغافلين وبستان العارفين. وما كتبه ابن عابدين(1252هـ) في حاشية رد المحتار. وللسمناني (ت499هـ) كتاب روضة القضاة وطريق النجاة وهو وان عد من كتب الفقه، إلا انه اعتماد المؤلف عند دراسته لمنصب قاضي القضاة في القرن الخامس الهجري، ومبعث ذلك ما حواه كتاب روضة القضاة من إشارات ونصوص واقعية مهمة، تناولت شؤون المنصب في هذا القرن. كان السمناني أحد تلاميذ قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وهو من إعجابه بشيخه قاضي القضاة، كان شغوفاً بحضور مجلس حكمه وتتبع سير جلساته ما يقارب الربع قرن من الزمان، فكان كل ما أورده السمناني عن قضاء القضاة في بغداد يتسم بالمعايشة الصادقة والمعاصرة القريبة له، ولم تكن إشاراته لتقتصر عن قاضي القضاة أبي عبد الله حسب، بل شملت قضاته، وموظفي مجلس حكمه، ووكلاءه، وشهوده، ومجلس حكمه، مع سير الدعاوي فيه، وأوقات دوامه.
وفي دراسة المؤلف لأدب القاضي، اعتمد على طائفة من المصادر التي تناولت هذا الباب. بشيء من التفصيل، إلا أن أغزرها وأعمها فائدة كتاب أدب القاضي للماوردي (ت450هـ) وشرح أدب القاضي للخصاف، الذي يقدم معلومات مفصلة عن دائرة القاضي يندر أن توجد في غيره. ويوجد في مكتبة المجمع العلمي العراقي كتاب أدب القاضي منسوب لقاضي القضاة أبي يوسف، وقد تبين للمؤلف أن الكتاب ابعد ما يكون عن تأليف أبي يوسف، نظراً لأن مؤلفه ينقل في كثير من رواياته عن شيوخ عاشوا في القرنين الرابع والخامس للهجرة في حين اتفقت المصادر التاريخية على وفاة أبي يوسف سنة ( 182هـ). أما الدراسات الحديثة عن القضاء والقضاة في الدولة العباسية فتكاد أن تكون على ما نعلم نادرة، ويستثنى من ذلك ما كتبه الأستاذ الدكتور صالح أحمد العلي عن قضاة بغداد في العصر العباسي. مع أن بحثه هذا كان مقتصراً على إعداد قائمة شاملة لأسماء القضاة في بغداد وسنيّ عملهم، ومراكز عملهم، مع ملاحظات عامة عن التكوين الثقافي والاجتماعي لهؤلاء القضاة. تناول الدكتور صالح العلي في بحثه هذا جانباً من دراسة المؤلف (الدكتور عبد الرزاق الانباري) عن منصب قاضي القضاة، فوضع قائمة كاملة لمن تولى قضاء القضاة في الدولة العباسية من عهد الرشيد وحتى سقوط بغداد سنة ( 656هـ)، مع تحديد سنيّ عملهم في المنصب. الأمر الذي يسر الكثير من الصعوبات التي اعترضت هذا البحث. كما تناول في دراسته هذه وضع قوائم قيمة لقضاة مدينة المنصور، والشرقية، والجانب الشرقي، الأمر الذي دفع المؤلف للاعتماد عليه فيما كتب في هذا الخصوص.
لأريب إن أوسع دراسة عن القضاء في الإسلام، تلك التي وضعها تيان في كتابه:
Historire de Lorganization Gudicare de Pays Dislam) ) تاريخ التنظيمات القضائية في البلاد الإسلامية. قد تيان في كتابه المذكور دراسة جيدة لمكانة القضاة في الدولة الإسلامية، ودائرة اختصاصاتهم، ثم بين الجهات التي كانت تمارس سلطات قضائية من غير القضاة، كالمحتسب، وصاحب الشرطة، كما أعد دراسة مفصلة عن منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية فأشار إلى ظهور المنصب لأول مرة في عهد الرشيد، ناسباً إياه إلى أصول فارسية، مرجحاً أخذه عن الفرس الذين كان لهم قاض للقضاة باسم الموبذان موبذ. وقد تطرق تيان في دراسته لهذا المنصب إلى بحث منصب شبيه به، ظهر في قرطبة وهو قاضي الجماعة. فأشار إلى الفارق الاصطلاحي والتاريخي بينهما. وبالرغم من الأهمية الكبيرة لما كتبه تيان عن قاضي القضاة، فأن دراسته العامة الشاملة للقضاء الإسلامي، حالت دون استكمال بحثه للمنصب، هذا البحث الذي اقتصر على دراسة الفترة التاريخية التي ظهر فيها وصلته (بالموبذان موبذ) الفارسي و (قاضي الجماعة) القرطبي. وبالإضافة إلى ما كتبه تيان، فقد نشر ماسنيون سنة 1948م قائمة بأسماء القضاة، وقضاة القضاء، في بغداد في العهد العباسي بعنوان (القضاة والنقباء البغداديون) Cadis et Naqib Baghdad وقد أعيد نشرها في سنة 1963م في مجموعة كتاباته.
وتبقى الدراسات العربية عن القضاء الإسلامي قليلة، رغم وجود طائفة من الكتب نشرت تحت اسم تاريخ القضاء في الإسلام كان من بين مؤلفيها، الشيخ العرنوس، والدكتور أحمد عبد المنعم البهي. والسيد عارف النكدي، والدكتور عطيه مشرفه، وإسماعيل حقي فرج. كما نشر الدكتور الناهي بحثاً باسم نظام القضاء في الإسلام ثم تبعه الأستاذ محمد شفيق العاني في بحثه القضاء في الإسلام. تناولت هذه الكتب القضاء في الإسلام بشكل مقتضب، كما تظهر على محتوياتها السمة النظرية، تبتعد في كثير من الأحيان عن الدراسة التاريخية الإدارية للقضاء الإسلامي، فضلاً عن أنها لم تتطرق إلى منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية بأكثر من بضع كلمات عن قاضي القضاة أبي يوسف، بوصفه أول قاض للقضاة في الإسلام.
إن الأهمية التاريخية والحضارية لمنصب قاضي القضاة، ومكانته البارزة في مؤسسة القضاء العباسية، بوصفه الرأس المدبر والمنظم لها، واعتباره رمزاً لمقدرة وحيوية الحضارة العربية الإسلامية في التكيف لحاجات المجتمع. ولخلو المكتبة العربية من أي كتاب أو بحث عن هذا المنصب أقدم المؤلف على دراسته، بشكل موسع قدر الإمكان، مستعيناً بأصول منهج البحث التاريخي، مستقصياً أكثر الروايات صدقاً وصحة.
فهرس الكتاب

المقدمة.
الفصل الأول: القضاء والقضاة في العصر العباسي الأول ويتضمن:- القضاء في اللغة والاصطلاح، الجذور التاريخية لمنصب القاضي في صدر الإسلام، عناية العباسيين بالقضاء والقضاة، تطور القضاء في العصر العباسي الأول، المذاهب الفقهية للقضاة، سلطة القاضي وأحكامه، النظر في المظالم، عزوف بعض المرشحين للقضاء عن تولي المنصب.
الفصل الثاني: ظهور منصب قاضي القضاة ويتضمن:- التعريف بمنصب قاضي القضاة، وظيفة الموبذان موبذ ومنصب قاضي القضاة وأوجه الشبه والخلاف بينهما، الصلة بين منصب قاضي الجماعة في قرطبة ومنصب قاضي القضاة في بغداد، الشروط التي يجب توفرها في قاضي القضاة، عصر الرشيد يشهد ظهور منصب قاضي القضاة.
الفصل الثالث: مراسيم التقليد لقاضي القضاة في العاصمة العباسية ويتضمن:- مراسيم التقليد منذ عهد الرشيد حتى دخول البويهيين، مراسيم التقليد في العصر البويهي، مراسيم التقليد في العصر السلجوقي.
الفصل الرابع: ممارسة القضاء لسلطاته في أدارة القضاء والحكم ويتضمن:- تولية القُضاة والأشراف على أعمالهم القضائية، قاضي القضاة في مجلس الحكم، الإشراف على الشهود العدول في بغداد.
الفصل الخامس: اضطلاع قاضي القضاة بمهام غير قضائية ويتضمن:- المشاورة والإفتاء في شؤون الدولة ومصالح الرعية، قاضي القضاة ومحنة القول ((بخلق القرآن))، قاضي القضاة والوزارة، السفارة للخليفة في مهمات رسمية، الإشراف على الأوقاف وأموال الأيتام، قاضي القضاة والمحتسب.
الفصل السادس: آداب قاضي القضاة ويتضمن:- آدابه في نفسه.
المصادر والمراجع
أ-المصادر العربية وهي كالآتي:-1-المصادر الخطية 19، 2- المصادر المطبوعة 193. ب- المراجع العربية:- 60مرجع.
المراجع الأجنبية:- 4 مراجع.
تخريج الكتاب
الدكتور عبد الرزاق علي الانباري، منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية منذ نشأته حتى نهاية العصر السلجوقي، إخراج وتنفيذ الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، بيروت – لبنان، 1987م.
مطالعة وإيجاز ونشر الكتروني:- السفير انترناشونال ضمن مشروعها ببليوغرافيا أراكي أبجدية الحرف والكلمة والتدوين – بغداد تكتب.. تطبع.. تقرأ.

http://alsafeerint.blogspot.com
TEL:964-07901780841
P.O BOX 195 BAGHDAD IRAQ

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

شكرا جزيلا