مقدمة المركز
لقد شكلت هجرة العراقيين إلى خارج بلدهم في الربع الأخير من القرن العشرين ظاهرة نزوح جماعي لا سيما في الوجه الأبشع الذي كان قائما على عمليات التهجير القسري الذي مارسته السلطات العراقية آنذاك بدعاوى التبعية وغيرها من الحجج...
وقد كان لهذا النزوح بوجهيه القسري وغير القسري آثار وتبعات كبيرة وخطيرة على بنية المجتمع العراق وتماسكه إذ إن هذا النزوح من الوطن كان يستتبعه توطين آخر في بيوت ومناطق النازحين سواء من جنسيات إقليمية او من مناطق أخرى بهدف التغيير الديمغرافي لبعض المناطق من اجل تحقيق أهداف سياسية وأمنية كانت السلطة السابقة تعمل على إنتشار واقع جديد قائم عليه او تثبيته بكافة الطرق..
ومع ظاهرة النزوح خارج الوطن هذه تشكلت مجتمعات عراقية مصغرة وفي بعض الاحيان كبيرة في المنافي التي نزح لها العراقيين والتي توزعت في شتى انحاء العالم مما فرض عليها انماطاً حياتية جديدة اكسب الكثير منها خبرات كثيرة وراكم في وعيها شعوراً مختلفاً تجاه الوطن والمنفى والحلم بالخلاص من الكابوس... كما اظهرت مدى تاثير العامل السياسي على التوجهات العامة التي يحملها المهاجرون سواء فيما يتعلق باسباب هجرتهم او في رغبتهم في العودة الى الوطن..
إن الكتاب هو محاولة جادة مبنية على اسس علمية ومنهجية لإختبار فرضية تأثير العامل السياسي على حجم وتواجهات الهجرة الخارجية في العراق، كذلك محاولة لتوصيف واقع الحياة الاجتماعية للعراقيين في المنفى سواء المهاجرين او المهجرين وسوف نترك للقارئ الكريم الحكم على مدى مصداقية وموضوعية الافكار الواردة في هذا الكتاب، ولا نقول سوى ان مؤلف الكتاب الاستاذ طالب جبار الاحمد بذل جهداً استثنائياً في اخراج هذا البحث بالمستوى اللائق واضعاً هاجس الموضوعية والرغبة في الحصول على النتائج التي تكون الاقرب الى الحقيقة.. في سلم اولوياته..
نتمنى ان يكون هذا الكتاب حافزاً على البحث في هذا الموضوع الهام الذي لا تزال له تبعات كثيرة على الواقع العراقي لاسيما ان محنة الهجرة والتهجير لم تنتهِ بعد بسبب الظرف الصعب الذي مرّ به العراق ولا يزال يعيش تداعياته...
المركز العراقي للمعلومات والدراسات
تشرين الأول / 2009م
مقدمة المؤلف
كانت اول خطوة أقدمت عليها هي الاطلاع على الدراسات الاجتماعية السابقة المتعلقة بالموضوع أو القريبة منه، فزرت أكثر من مكتبة وارشيف ومؤسسة علمية، وراسلت بعض الأصدقاء في عواصم النشر طالباً منهم المساعدة في البحث عن الإصدارات المتعلقة بهجرة العراقيين او غيرهم لا سيما تلك التي تتناول الإبعاد السياسية والاجتماعية لظاهرة الهجرة. وبعد جهدٍ جهيد ومرور فترة ليست قصيرة لم يتيسر لنا في مرحلة الاطّلاع على الدراسات السابقة سوى القليل من الاصدرات عن هجرة الأيدي العاملة في العالم العربي وبعض المقالات المتفرقة في صحف المعارضة العراقية عن الهجرة الخارجية في عقد التسعينات وبعض اصدرارت "المركز الوثائقي لحقوق الانسان: منها كتاب الدكتور مصطفى الانصاري "عمليات التهجير- عرض وثائقي". أما الهجرة العراقية في العقود السابقة فلا يبدو انها حظيت بالدراسة والبحث باستثناء نمط الهجرة الداخلية التي تناول بعض الباحثين والكتاب العراقيين منهم الدكتور فاضل الانصاري في كتابه" مشكلة السكان- نموذج القطر العراقي" حيث تناول في الفصل الرابع من الكتاب نمطي الهجرة الداخلية والخارجية وفق منظور علم السكان" الديموغرافيا"، والأستاذ رياض السعدي الذي قدم لقسم الجغرافية في كلية الآداب- جامعة بغداد عام 1967م أطروحته للدكتوراه عن" الهجرة الداخلية للسكان في العراق" خلال الفترة الممتدة بين عامي( 1947-1965)، والباحث عبد الرزاق الهلالي في دراسته" نظرات في إصلاح الريف" التي نشرها عام 1954 وتناول فيها ظاهرة الهجرة من الريف إلى المدينة وأثارها على الحياة الاجتماعية في المدن العراقية، وكتابات أخرى لم ترقَ إلى مستوى دراستيّ " السعدي" و " الهلالي" وهناك بعض الكتاب العرب تناولوا ظاهرة الهجرة الداخلية في العراق كالدكتور غسان سلامة في كتابه " المجتمع والدولة في المشرق العربي" حيث اورد آراء مهمة عن اثر الهجرة على الحياة السياسية والاجتماعية في العراق بعد قيام الجمهورية. وإذا استثنينا دراسات، د. رياض السعدي، وعبد الرزاق الهلالي، د. فاضل الأنصاري وبعض ما نشر في الدوريات الثقافية خلال العقود السابقة، نستطيع ان نقول ان التناول الاجتماعي العلمي لظاهرة الهجرة الداخلية في العراق لا يزال دون مستوى الطموح بكثير.
أما بالنسبة للهجرة الخارجية فإنها- كما اسلفنا- لم تحظ بأهتمام علمي يُذكر لأسباب سياسية في الغالب، ولا يبدو لنا هذا " الفقر العلمي" أمراً استثنائياً أو مستغرباً طالما تعلقت معدلات واتجاهات وعوامل الهجرة الخارجية بالمتغيرات السياسية وطبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع التي يُعد الخوض فيها مغامرة غير محدودة العواقب بالنسبة للكثير من الباحثين والدارسين وعموم الكتّاب في العراق، ذلك ان الحكومة العراقية دأبت منذ انقلاب عام 1968 على إتباع نهج " الأدلجة القسرية" لكل إنتاج علمي وأدبي وإخفاء ذات الطابع السياسي عن الإعلاميين وجمهور الرأي العام ، بحيث أصبح هذا النهج من السمات المميزة لوجود الدولة التسلطي في العراق الحديث، فالحقائق العلمية ذات الطابع السياسي هي إما مغّيبة أو محّرفة، والى وقت قريب لم يكن العالم يعرف شيئاً ذا قيمة علمية عن تهجير عشرا الآلاف من العراقيين في عقدي السبعينات والثمانينات، أو عن الهجرة الاضطرارية ( الجماعية والفردية) في الفترة ذاتها لعشرات الآلاف من أبناء الأكثرية الشيعية والأقلية الكردية باتجاه دول الجوار هرباً من القمع السلطوي والاضطهاد الطائفي والعرقي حتى جاءت إحداث قمع انتفاضة الشعب العراقي في ربيع 1991 الدامي ليقف الرأي العام العالمي مذهولاً إمام حقائق مرعبة عن حجم نزوح وهجرة العراقيين التي وصفها احد الكتاب البريطانيين بأنها أضخم تظاهرة ضد الديكتاتورية عرفها التاريخ البشري.
وعلى الرغم من التغّير النسبي الذي طرأ على طريقة تعامل المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية ووسائل الإعلام الغربية مع موضوع الهجرة السياسية الخارجية للعراقيين بعد الانتفاضة الشعبية التي أعقبت حرب الخليج الثانية، ورغم اتضاح الآثار الخطيرة على المستويين السكاني والاجتماعي لظاهرة " نزف" الهجرة في العراق، فقد بقي التناول العلمي لأبعاد هذه الظاهرة نادراً جداً، ان لم نقل معدوماً، سواء من قبل الكّتاب والباحثين العراقيين، أو غيرهم من المهتمين بقضايا الهجرة في العالم العربي.
وبالإضافة إلى ندرة الدراسات السابقة فقد واجهتني صعوبات أخرى أشير إلى أبرزها باختصار في هذه المقدمة:
- ضخامة عدد المهاجرين والمهجرين وتجاوزه للأرقام المألوفة في هجرات العالم النامي حيث بلغ حجم الهجرة الخارجية للعراقيين حتى بداية العام الميلادي 1996 ثلث سكان العراق وفقاً لتقديرات هيئة الأمم المتحدة ، ومن شأن هذا الرقم الكبير ان يجعل من الدراسة مهمة وشاقة للغاية.
- تشتت المهاجرين العراقيين في أكثر من بلد بحيث يصعب حصر " مجتمع الهجرة"، ميدانياً حتى داخل البلد الواحد، ففي الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة المتحدة وبعض البلدان الغربية يتوزع العراقيون المهاجرون على أكثر من مدينة ومنطقة تتباعد المسافات فيما بينها، ويصعب بالتالي الاتصال بهم جميعاً او الحصول على معلومات كافية عن جميع المناطق التي يقيمون فيها.
- صعوبات اخرى تتعلق بوضع اطار زمني للدراسة فمنذ شروعنا بالدراسة الميدانية في مقتبل العام الميلادي 1994 والمهاجرون العراقيون يتدفقون بأعداد كبيرة على بلدان الجوار بين حين وآخر، وهذا ما دفعني إلى التأني طويلاً في كتابة التقرير النهائي للدراسة والبحث باستمرار عن معلومات جديدة تتعلق بأسباب الهجرة، ومستوى تكيف المهاجرين الجد مع الثقافة الاجتماعية في البلدان التي وصوا إليها، وطبيعة المشاكل التي يعانون منها.. وغيرها من المعلومات المتعلقة بفصول الدراسة.
- عدم توفر الإحصائيات الدقيقة عن إعداد المهاجرين والمهجرين العراقيين، وقد سعينا مراراً للحصول على أرقام موثقة من قبل الجهات الرسمية في البلدان التي يتواجدون فيها دون جدوى.
- اضافةً إلى ذلك، لم نلمس تعاوناً جدياً من قبل بعض " الجهات" في البلدان التي يتواجد فيها العراقيون لوجود حساسيات سياسية وطائفية -حسب تصورنا- اعاقت التعاون المطلوب، ومن شان ذلك ان يعرقل مسار الدراسة بطبيعة الحال، اذ تعتبر المعلومات الإحصائية والوصفية مادتها الأساسية .
- بحكم ظروف القمع السياسي السائدة في العراق لم نتمكن خلال فترة إعداد الدراسة من إجراء استبيان إحصائي أو استطلاع اجتماعي في" مجتمع المنشأ" لمعرفة اثر الهجرة على المجتمع العراقي عموماً، والأسرة العراقية بشكل خاص، لذلك استعضنا عن ذلك بالمعلومات التي يرفدنا بها المهاجرون بهذا الشأن. وبملاحظاتي الشخصية إثناء فترة وجودي في العراق وبعض الكتابات المتيسرة حول هذا الموضوع.
- من الصعوبات الأخرى ما يتعلق منها بمزاج الإنسان العراقي في المهجر، وتعدد الانتماءات والولاءات القبلية والمناطقية والسياسية. وهنا أود إن اشير- للأمانة العلمية- الى ان الكثير من العراقيين الذي قابلتهم في المهجر، لا سيما إفراد النخبة المثقفة، كانوا يعّبرون عن تقديرهم للبحوث الاجتماعية بشكل عام، ويؤكدون حاجة مجتمعنا الماسة إلى التناول العلمي للمشاكل التي يعاني منها، حتى إن البعض كان يغبطني لأني احمل شهادة جامعية في علم الاجتماع، وهذه نظرة جديدة لمكانة دارسي علم الاجتماع وللباحث الاجتماعي لم تكن سائدة في مجتمع المنشأ حيث تحظى التخصصات العلمية الهندسية والطبية بالأولوية في سلم التقدير الاجتماعي للمهن. وربما يكون هذا التقييم الايجابي ناجماً عن كثرة المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها المهاجرون، وإحساسهم بالحاجة إلى من يدّلهم على سبل علاجها وتجاوزها. إلاّ أن هذا التغّير النسبي بقي أسير الاعتقاد الذهني- إذ جاز التعبير- إذ لم ألمس على ارض الواقع تعاوناً بمستوى الطموح من قبل إفراد" عينة النخبة" التي وزعنا عليها استمارات خاصة لاستقراء أفكارها بشأن مفردات الدراسة ، وكذلك الحال - إلى حدً ما- مع الذين أجرينا مقابلات ميدانية معهم.
ويرى البعض من العراقيين إن النخبة المثقفة في المهجر لم تتهيأ لها الفرص المناسبة لأن تخوض في ميدان العمل الاجتماعي فهي مسيسة ضعيفة التأثير في مجتمع الهجرة، وتميل للتنظير اكثر من ميلها للعمل.
- من الصعوبات الأخرى ايضاً، تباين الآراء والأفكار التي يطرحها العراقيون في المهجر بشأن المواضيع التي تناولتها الدراسة وقد تجلى هذا النمط من الصعوبات في المقابلات الميدانية بشكل خاص. الأمر الذي جعلني أتأنى طويلاً ريثما أتاكد جهد الإمكان من تطابق أو تقارب المعلومات مع الواقع.
- إن سعة حجم مجتمع الهجرة وتعدد تيارات الهجرة خلال الإطار الزمني المحدد في الدراسة اوجد تعددية اجتماعية وسياسية في أوساط المقيمين في البلدان التي شملتها الدراسة( لاسيما إيران وبريطانيا وسوريا) بحيث تجاوز مجتمع الهجرة اطر " المجتمع المحلي" كما هو الحال مع جاليات من جنسيات أخرى، الأمر الذي جعل من مهمة ملاحظة وسبر أغوار أنماط الحياة الاجتماعية وتتبع التغّيرات التي طرأت عليها في المهجر مهمة شاقة على أي باحث اجتماعي.
وهذه التعددية والسعة المكانية والزمانية كانت من الأسباب التي دعتنا إلى الابتعاد جهد الإمكان عن إصدار الإحكام التقييمية وعدم الاقتصار على اساليب الاستبيان الإحصائي في جمع المعلومات.
منهج الدراسة وطرق جمع المعلومات
عتمدت في هذه الدراسة منهج" المسح الاجتماعي الوصفي" لأجل الإحاطة بالصفات العامة لمجتمع الدراسة، والمعروف ان هذا المنهج يستخدم من قبل حكومات أو مؤسسات كبيرة تمتلك قابليات مادية وكوادر مؤهلة للبحث العلمي، ويندر ان يستخدم من قبل باحث واحد .
عتمدت في هذه الدراسة منهج" المسح الاجتماعي الوصفي" لأجل الإحاطة بالصفات العامة لمجتمع الدراسة، والمعروف ان هذا المنهج يستخدم من قبل حكومات أو مؤسسات كبيرة تمتلك قابليات مادية وكوادر مؤهلة للبحث العلمي، ويندر ان يستخدم من قبل باحث واحد .
وبالنظر للصعوبات الأنفة الذكر لا أدّعي إنني تمكنت من الإحاطة بكل تفاصيل الحياة الاجتماعية للعراقيين المقيميين في البلدان التي شملتها الدراسة.
أما بالنسبة للتحليل الذي اتبعه فهو التحليل البنائي المستند لمعطيات الاستبيان والملاحظة بالمعايشة والمقابلات الميدانية. وآمل إن يستفيد الباحثون والدارسون من المعلومات التي وفرتها الدراسة ليتمكنوا مستقبلاً من إكمال ما بدأناه.
هدف الدراسة
ان الهدف الرئيسي للدراسة هو اختبار فرضية تأثير العامل السياسي على حجم وتوجهات الهجرة الخارجية في العراق، وتوصيف واقع الحياة الاجتماعية للعراقيين المهاجرين والمهجرين بما انطوى عليه من معاناة ومكابدات لكي تستفيد الأجيال القادمة من تجارب الهجرة، ولتدرك الآثار الإجتماعية والنفسية للإستبداد السياسي في بلد عانى من شتى صنوف القمع السلطوي منذ انتهاء عهد الخلافة الراشدة.
وإذا قُدَّر للأجيال العراقية القادمة إن تنعم في المستقبل بعهد جديد من الحرية والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، فعليها ان تتذكر دائما انها مُدينة إلى اجيال المهاجرين والمهجرين التي كان لها الدور الكبير في مكافحة الاستبداد والاضطهاد السياسي والطائفي والعرقي، اذ دأبت على مواصلة كفاحها هذا طيلة سنوات التغّرب عن الوطن على الرغم من الصعاب التي اكتنفت الحياة في المهجر.
ان الأحلام والآمال الكبيرة لن تتجسد على ارض الواقع بدون تضحيات بمستوى تلك الأحلام، واحسب ان العراقيين الذين يكادون ان يتحولوا إلى أمة مهاجرة باحثة عن الحرية، قدموا في المهجر، كما في داخل العراق، تضحيات جسيمة على مذبح الحرية.. ويحق لهم بالتالي ان يفاخروا بتاريخهم(المهجري).
لقد تحريتُ جهد الإمكان الموضوعية في كتابة التقرير النهائي للدراسة، واحسب ان هذه مهمة عسيرة لكل باحث يعيش الآلام ومعاناة مبحوثيه ويتعامل مع عذاباتهم اليومية بكل احاسيسه. ولذا التمس العذر ممن يجدون في بعض آراء الدراسة خروجاً عن جادة الموضوعية.
تفصيل فهرست الكتاب
مقدمتي المركز والمؤلف.
الباب الأول: الهجرة والتهجير
الفصل الأول/ الهجرة لغة واصطلاحاً، الدراسات المعاصرة حول ظاهرة الهجرة.
الفصل الثاني/ الهجرة في المنظور الإسلامي، الهجرة في الخطاب القراني.
الفصل الثالث/ الهجرة الخارجية في العراق- نبذة تاريخية، الهجرة الخارجية في العراق1970-1995.
الفصل الرابع/ الآثار الاجتماعية على مجتمع المنشأ.
الفصل الخامس/ مراحل واتجاهات الهجرة والتهجير، بداية عقد السبعينات، أوساط عقد السبعينات، نهاية عقد السبعينات، التهجير في عقد الثمانينات، حملة التهجير الثالثة، جذور ودوافع حملات التهجير، الهجرة في عقد الثمانيات، عوامل الطرد، عوامل الجذب، الهجرة في عقد التسعينات.
الباب الثاني: الدراسة الاستطلاعية الميدانية
الفصل الأول/ العراقيون في إيران، فئات مجتمع الهجرة في إيران، المهجرون، مهجرو السبعينات، مهجرو الثمانينات، مشاكل المهجرين في عقد الثمانينات، الجيل الثاني من المهجرين وازدواجية الهوية، المهجرون وتجربة العمل السياسي المعارض، المهاجرون، ادوار المهاجرين في مجتمع الهجرة، الآثار الاجتماعية للحرب العراقية- الإيرانية على أوساط المهاجرين العراقيين، الزواج الثاني في اوساط المهاجرين، التوابون، ظروف نشأة ظاهرة التوابون، التوابون في مجتمع الهجرة، المهاجرون بعد انتفاضة شعبان" النازحون"، الرعاية الصحية في المخيمات، الحياة الاجتماعية للمهاجرين بعد الانتفاضة، المهاجرون بعد الانتفاضة والهوية العراقية، التغيرات التي طرأت على الحياة الاجتماعية للمهاجرين بعد الانتفاضة.
الفصل الثاني/ العراقيون في سوريا، التكافل الاجتماعي في سوريا، الخدمات الصحية، الأسواق الخيرية، الشعائر الدينية.
الفصل الثالث/ العراقيون في السعودية، معسكر الارطاوية، مخيم رفحاء، ادوار النخبة المثقفة في رفحاء.
الفصل الرابع/ العراقيون في أوربا، الفئات المهاجرة في المرحلة الأولى، السمات العامة للهجرة الخارجية في المرحلة الأولى، التكيف الاجتماعي للمهاجرين في المرحلة الأولى، الهجرة إلى أوربا في عقد التسعينات، السمات العامة لهجرة الفئة الثانية، مشاكل العراقيين في أوربا، الجيل الثاني في المهجر الأوربي.
البعد الاول: ضعف الروابط العائلية بين الجيلين الاول والثاني.
البعد الثاني: تأثر البناء الفكري والعقائدي للجيل الثاني بالمرجعية الثقافية الغربية.
البعد الثالث: ميل الناشئة لتقليد اساليب الحياة الاجتماعية في الغرب.
البعد الرباع: نظرة الى الناشئة السلبية الى ثقافة مجتمع المنشأ.
الخاتمة
من خلال دراستي هذه امكنني استخلاص الاستنتاجات العامة التالية:
1- تؤشر تيارات الهجرة الخارجية خلال الفترة المحددة في الدراسة إلى وجود هوة عميقة تفصل السلطة عن المجتمع العراقي.
2- العامل الرئيسي لعب دوراً اساسياً في دفع العراقيين للهجرة عن بلادهم.
3- لا يميل غالبية العراقيين للاستيطان في البلدان التي هاجروا إليها حتى بعد مرور سنوات طويلة على إقامتهم فيها.
4- عمقّت الهجرة الوعي السياسي والديني والاجتماعي للعراقيين المهاجرين.
5- مجتمع الهجرة العراقي بشكل عام مجتمع مسيّس، والتعددية السياسية، والعصبيات الحزبية، والتمسك بالولاءات المناطقية اضعفت إلى حد ما تماسكه الاجتماعي، وتركت تأثيراً سلبياً على شبكة علاقاته الاجتماعية.
6- معظم العراقيين في المهجر يرغبون بالعودة إلى بلادهم بعد تغيير النظام الحالي، ويرفضون العودة مع بقاء النظام.
7- ينحدر غالبية المهاجرين العراقيين من أوساط حضرية ومن الطبقة الوسطى.
8- غالبية المهاجرين كانت أوضاعهم الاقتصادية في العراق أفضل مما عليه الحال في المهجر باستثناء قطاعات محدودة.
9- الهوية العراقية للأجيال الجديدة في المهجر مهددة بالتذويب لا سيما في المهاجر التي لا يتحدث أهلها اللغة العربية.
10- تمكنت النخب العراقية في المهجر من استعادة عافيتها الثقافية والفكرية، وقامت لتشكيل عدة مؤسسات مدنية لتنظيم الفعاليات العلمية والثقافية والسياسية فضلاً عن مؤسسات التكافل الاجتماعي، ومن واقع الملاحظة الميدانية يمكن القول أن هذه النخب أدت أدواراً ايجابية في بلدان المهجر لم يقتصر أثرها على مجتمع الهجرة، وقد أسهم ذلك في تكريس نظرة إيجابية للجاليات العراقية في البلدان التي شملتها الدراسة.
11- طرأت تغيرات إيجابية على الشخصية العراقية في المهجر ناجمة عن طبيعة تحديات الهجرة ذاتها وكثافة التبليغ الديني في تجمعات العراقيين واكتساب عناصر ثقافية جديدة، والاهتمام في المهجر- لا سيما في أوساط الإسلاميين- بالاحتكام إلى الشرع بدلاً من العرف في أنماط السلوك.
ومع ذلك لم تتخلص الشخصية العراقية من بعض طبائعها السلبية من قبيل حدة المزاج، سرعة الانفعال، انعدام المرونة – في الغالب- عند التعامل مع الرأي الأخر، الازدواجية بين النظرة المثالية والسلوك الواقعي، الميل إلى لوم الذات، وحب الوجاهة.
12- على الرغم من كل سياسيات السلطة لإضعاف التماسك العائلي في المجتمع العراقي وسعيها الدائم لتشتيت عوائل المعارضين لها سواء اكانوا من المهاجرين أو من الموجودين في السجون العراقية، لا تزال "العائلة" وحدة اجتماعية أساسية في مجتمع الهجرة كما هو الحال في مجتمع المنشأ وتعد أهم مصدر للقيم وذات دور رئيس في التنشئة الاجتماعية والسياسية.
13- تركت الهجرة تأثيراتها على أنماط الزواج في أوساط الجاليات العراقية، ومن هذه التأثيرات: انحسار نمط الزواج الداخلي يقابله انتشار نمط الزواج الخارجي وتأخر سن الزواج لكلا الجنسين، والاعتماد بصورة أساسية في أوساط المتدينين المهاجرين على دور "الخاطبة" أو "الوسطاء" في اختيار شريكة الحياة. ويمكن إن يكون نادراً جداً، لا سيما في المهجرين السوري والإيراني، وذلك بسبب انعدام الاختلاط بين الجنسين في أوساط ومؤسسات وتجمعات الجالية العراقية في إيران وسوريا- بشكل خاص- ولشدة الالتزام الديني لدى غالبية المهاجرين والمهاجرات واعتمادهم المعايير الشرعية في اختيار شريك الحياة.
14- بروز ادوار اجتماعية وسياسية لعلماء الدين في المهجر لم تكن متاحة داخل العراق، وقد كان لهذا التطور أثر كبير على أنماط التنشئة الاجتماعية والسياسية للعراقيين في المهجر.
15- لعب "الدين" في المهجر دوراً كبيراً واسياسياً في رفع مستوى التكافل والتضامن الاجتماعي وتمتين العلاقات الاجتماعية بين أوساط المهاجرين والمهجرين، ويمكن عدّه عاملاً رئيسياً من عوامل الاندماج والوحدة الوطنية.
وعلى الرغم من تعرض المواطنين الشيعة إلى اضطهاد طائفي وعزل سياسي من قبل السلطة، فأن القيادات الشيعية في المهجر تؤكد دائماً في خطابها على الوحدة الوطنية والتآلف بين الطوائف والقوميات المكونة للنسيج الاجتماعي العراقي. ومن مراجعة إعلام المعارضة الإسلامية العراقية منذ عام 1980 تتأكد لنا هذه النتيجة.
وبذلك يمكن القول إن تعزيز الولاء المذهبي- الديني في المهجر لم يتعارض او يتقاطع مع الولاء الوطني ولم يضعف أو يوهن من ميل المهاجرين والمهجرين الشيعة إلى الوحدة الوطنية، بل زادهم حباً للوطن واندفاعاً للجهاد في سبيل إنقاذه من الاستبداد السلطوي.
ومن الأدلة على تمسك المهاجرين والمهجرين الشيعة بالوحدة العراقية حساسيتهم المفرطة تجاه أي طرح سياسي يمكن أن يضعف الوحدة الوطنية مستقبلاً كما في موقفهم السلبي من (الفدرالية) التي اقترحته بعض فصائل المعارضة العراقية في المهجر كطريقة لإدارة شؤون العراق بعد تغيير النظام الحالي.
16- مظاهر التغريب الثقافي والاجتماعي انحسرت إلى حد كبير في أوساط الجاليات العراقية بشكل عام. وبعض الظاهر والمشاكل التي كانت موجودة في مجتمع المنشأ أصبحت منعدمة او نادرة في أكثر من مهجر، ومن ذلك (السفور)، الإدمان على الكحول، العلاقات اللاشرعية، وغيرها.
وفي المهجر الإيراني أصبح أبناء المهاجرين والمهجرين (الجيل الثاني) يتمثلون بيسر منظومة التشريع والقيم الإسلامية في أنماط سلوكهم بحكم الأجواء الدينية السائدة في المجتمع الإيراني.
17- عززت الهجرة نزوع الإنسان العراقي إلى الحرية وفجّرت طاقاته الإبداعية، ومكنته من اكتساب تجارب ومعارف جديدة.
ويمكن ان نصف تجربته القاسية بأنها عمقاً من فصول معاناته في العصر والناجمة بصورة رئيسية عن الاستبداد وغياب السلم الاهلي.
الباب الثالث:
نتائج الاستبيان، الخاتمة.
الخاتمة
من خلال دراستي هذه امكنني استخلاص الاستنتاجات العامة التالية:
1- تؤشر تيارات الهجرة الخارجية خلال الفترة المحددة في الدراسة إلى وجود هوة عميقة تفصل السلطة عن المجتمع العراقي.
2- العامل الرئيسي لعب دوراً اساسياً في دفع العراقيين للهجرة عن بلادهم.
3- لا يميل غالبية العراقيين للاستيطان في البلدان التي هاجروا إليها حتى بعد مرور سنوات طويلة على إقامتهم فيها.
4- عمقّت الهجرة الوعي السياسي والديني والاجتماعي للعراقيين المهاجرين.
5- مجتمع الهجرة العراقي بشكل عام مجتمع مسيّس، والتعددية السياسية، والعصبيات الحزبية، والتمسك بالولاءات المناطقية اضعفت إلى حد ما تماسكه الاجتماعي، وتركت تأثيراً سلبياً على شبكة علاقاته الاجتماعية.
6- معظم العراقيين في المهجر يرغبون بالعودة إلى بلادهم بعد تغيير النظام الحالي، ويرفضون العودة مع بقاء النظام.
7- ينحدر غالبية المهاجرين العراقيين من أوساط حضرية ومن الطبقة الوسطى.
8- غالبية المهاجرين كانت أوضاعهم الاقتصادية في العراق أفضل مما عليه الحال في المهجر باستثناء قطاعات محدودة.
9- الهوية العراقية للأجيال الجديدة في المهجر مهددة بالتذويب لا سيما في المهاجر التي لا يتحدث أهلها اللغة العربية.
10- تمكنت النخب العراقية في المهجر من استعادة عافيتها الثقافية والفكرية، وقامت لتشكيل عدة مؤسسات مدنية لتنظيم الفعاليات العلمية والثقافية والسياسية فضلاً عن مؤسسات التكافل الاجتماعي، ومن واقع الملاحظة الميدانية يمكن القول أن هذه النخب أدت أدواراً ايجابية في بلدان المهجر لم يقتصر أثرها على مجتمع الهجرة، وقد أسهم ذلك في تكريس نظرة إيجابية للجاليات العراقية في البلدان التي شملتها الدراسة.
11- طرأت تغيرات إيجابية على الشخصية العراقية في المهجر ناجمة عن طبيعة تحديات الهجرة ذاتها وكثافة التبليغ الديني في تجمعات العراقيين واكتساب عناصر ثقافية جديدة، والاهتمام في المهجر- لا سيما في أوساط الإسلاميين- بالاحتكام إلى الشرع بدلاً من العرف في أنماط السلوك.
ومع ذلك لم تتخلص الشخصية العراقية من بعض طبائعها السلبية من قبيل حدة المزاج، سرعة الانفعال، انعدام المرونة – في الغالب- عند التعامل مع الرأي الأخر، الازدواجية بين النظرة المثالية والسلوك الواقعي، الميل إلى لوم الذات، وحب الوجاهة.
12- على الرغم من كل سياسيات السلطة لإضعاف التماسك العائلي في المجتمع العراقي وسعيها الدائم لتشتيت عوائل المعارضين لها سواء اكانوا من المهاجرين أو من الموجودين في السجون العراقية، لا تزال "العائلة" وحدة اجتماعية أساسية في مجتمع الهجرة كما هو الحال في مجتمع المنشأ وتعد أهم مصدر للقيم وذات دور رئيس في التنشئة الاجتماعية والسياسية.
13- تركت الهجرة تأثيراتها على أنماط الزواج في أوساط الجاليات العراقية، ومن هذه التأثيرات: انحسار نمط الزواج الداخلي يقابله انتشار نمط الزواج الخارجي وتأخر سن الزواج لكلا الجنسين، والاعتماد بصورة أساسية في أوساط المتدينين المهاجرين على دور "الخاطبة" أو "الوسطاء" في اختيار شريكة الحياة. ويمكن إن يكون نادراً جداً، لا سيما في المهجرين السوري والإيراني، وذلك بسبب انعدام الاختلاط بين الجنسين في أوساط ومؤسسات وتجمعات الجالية العراقية في إيران وسوريا- بشكل خاص- ولشدة الالتزام الديني لدى غالبية المهاجرين والمهاجرات واعتمادهم المعايير الشرعية في اختيار شريك الحياة.
14- بروز ادوار اجتماعية وسياسية لعلماء الدين في المهجر لم تكن متاحة داخل العراق، وقد كان لهذا التطور أثر كبير على أنماط التنشئة الاجتماعية والسياسية للعراقيين في المهجر.
15- لعب "الدين" في المهجر دوراً كبيراً واسياسياً في رفع مستوى التكافل والتضامن الاجتماعي وتمتين العلاقات الاجتماعية بين أوساط المهاجرين والمهجرين، ويمكن عدّه عاملاً رئيسياً من عوامل الاندماج والوحدة الوطنية.
وعلى الرغم من تعرض المواطنين الشيعة إلى اضطهاد طائفي وعزل سياسي من قبل السلطة، فأن القيادات الشيعية في المهجر تؤكد دائماً في خطابها على الوحدة الوطنية والتآلف بين الطوائف والقوميات المكونة للنسيج الاجتماعي العراقي. ومن مراجعة إعلام المعارضة الإسلامية العراقية منذ عام 1980 تتأكد لنا هذه النتيجة.
وبذلك يمكن القول إن تعزيز الولاء المذهبي- الديني في المهجر لم يتعارض او يتقاطع مع الولاء الوطني ولم يضعف أو يوهن من ميل المهاجرين والمهجرين الشيعة إلى الوحدة الوطنية، بل زادهم حباً للوطن واندفاعاً للجهاد في سبيل إنقاذه من الاستبداد السلطوي.
ومن الأدلة على تمسك المهاجرين والمهجرين الشيعة بالوحدة العراقية حساسيتهم المفرطة تجاه أي طرح سياسي يمكن أن يضعف الوحدة الوطنية مستقبلاً كما في موقفهم السلبي من (الفدرالية) التي اقترحته بعض فصائل المعارضة العراقية في المهجر كطريقة لإدارة شؤون العراق بعد تغيير النظام الحالي.
16- مظاهر التغريب الثقافي والاجتماعي انحسرت إلى حد كبير في أوساط الجاليات العراقية بشكل عام. وبعض الظاهر والمشاكل التي كانت موجودة في مجتمع المنشأ أصبحت منعدمة او نادرة في أكثر من مهجر، ومن ذلك (السفور)، الإدمان على الكحول، العلاقات اللاشرعية، وغيرها.
وفي المهجر الإيراني أصبح أبناء المهاجرين والمهجرين (الجيل الثاني) يتمثلون بيسر منظومة التشريع والقيم الإسلامية في أنماط سلوكهم بحكم الأجواء الدينية السائدة في المجتمع الإيراني.
17- عززت الهجرة نزوع الإنسان العراقي إلى الحرية وفجّرت طاقاته الإبداعية، ومكنته من اكتساب تجارب ومعارف جديدة.
ويمكن ان نصف تجربته القاسية بأنها عمقاً من فصول معاناته في العصر والناجمة بصورة رئيسية عن الاستبداد وغياب السلم الاهلي.
تخريج الكتاب
طالب جبار الأحمد، الحياة الاجتماعية للعراقيين في المهجر، الناشر: المركز العراقي للمعلومات والدراسات، الطبعة الثانية، العراق ـ بغداد، 2009.
عدد الصفحات: 292 صفحة من القطع المتوسط .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق